هل الخليج.. نفط.. هل هو أرض جرداء من غير زرع ولا ضرع. هل هو صحراء وجبال من الرمال. لا أول لها ولا آخر. هل هو أرض فضاء تسرح فيه الرياح والفراغ والعزلة ثم أتى النفط وغير عاليها سافلها وسافلها عاليها. هل هو فعلا مختلف.. متغير. منقلب من حال الى حال. اذن تلك التساؤلات يحق طرحها الآن بقوة بعد 70 سنة، 60 سنة، 50 سنة، 40 سنة، 30، من النفط ومن التغيير. فالخليج والحالة هذه ليس نفطا فقط. فهناك حياة كانت وارتبطت بالمكان بشكلها البسيط والمتوسط، ولا يمكن رؤية الميزان بعين واحدة وترجيح كفة النفط بأنه هو ولوحده فقط الذي خلق "الحياة" في هذه العزلة المسكونة بالصمت والسكينة التي تجرح الفؤاد. لا أحد ينكر قسوة الحياة وقسوة الطبيعة والشمس المخصصة لنا وكأنها أرسلت فقط هبة ساحقة ماحقة. مع كل هذا اليبس واليباب الطاحن كانت ثمة حيوات هنا.. هناك. ثمة قبائل تتحرك. جيوش وقادة. فرسان لونتهم الشمس بصفرتها والصحراء بورسها، ثمة أماكن حفرت براكينها في الوجوه. عين النسر الذي تلمحه في الوجوه، والذئب الكائن الإنساني الذي يراوغ الحيل والطبيعة هو الإنسان الذي شكل حياته، ونحتها بإزميل الإرادة دون كلل أو تذمر. دون أن ترحل الأرض تحته أو يهجرها ودون أن يطوقه الزمن بالكوابيس أو ينطوي مثل لفافة في "كلندر". تذريه الأيام مثل كحل العين.
عاش الإنسان في هذه البقعة في شساعة الفضاء الصموت وكنف أمه الأرض بتموجاتها بين جبال ووهاد وصحاري لا تعرفه الغريب. كانت الواحات، الحصن الذي يتخندق فيها من تلك الجبال الناعمة التي تلتهم الرواحل وكلابها دون رحمة، وكانت تراتيل السمر دفئه في ليل الوحشة حين يفرس القمر نصاله المضيئة في خواصر الكثبان، فالحياة، كانت قبل النفط، وكان شكلها البدوي والقروي السائد حينذاك، لا بحسب تصورات الآخرين بانعدامها فعلا. حيث تساوت لديهم أحادية النظرة المسبقة والنمطية والسطحية أيضا بأن الحياة هناك في "الخليج" اندلقت مع قطرات النفط. ومن نفس الانبوب أيضا. يمكننا أيضا القول إن الخليجيين أنفسهم ساهموا وساعدوا وكرسوا هذه الحالة وذلك السلوك وهذا التصور النمطي عنهم وعن أوطانهم.
فالخليج بعد هذا العمر.. هل هو "بلدان" هل هو "أمة" أو "أمم" هل هو حالة أو شكل مادي مستورد. هل هو "أنابيب من النفط". هل هو شوارع، سيارات، هل هو "مهرجانات تسوق". هل هو معارض فلكلورية وديكور. هل هو هلامي من الصعب تحديده والمسك به. إن ما أحدثه النفط في الخليج يعتبر نقلة نوعية بكل المقاييس. لكن ما هذه النوعية؟ هل النوعية أن نستورد نيويورك، أو سيدني أو شيكاغو بناطحات سحابها، وزجاجها اللامع وسياراتها الفارهة؟ هل نستورد من تلك الاتجاهات محطات وأجهزة التليفزيون والإذاعة ومطابع الصحف والورق الملون لنقول إن هناك دولا؟ وهل ينفع معه أن نلون تلك المحطات بمذيعات وقارئات الرغبة.. من بعض الأقطار العربية لنقول بأننا في مستوى الحدث؟ فالخليج الآن.. يحتاج الآن، لأن يرمم الفجوة بين ما شهده من أحداث وما عرفه من تطورات مادية (مستوردة جميعها). وتلك التي يحتاجها أو سيحتاجها آجلا أم عاجلا وهي الجوانب الثقافية المعرفية التي كانت مغيبة أو شبه مغيبة.. فبالرغم من المحاولات الخجولة لايزال الطموح كبيرا ولا يتناسب مع الحاجة التي تصاحب دوما انتقال الأمم من طور الى طور.
ويجب الا نخجل من أن نقول إن الإبداع في منطقة الخليج العربي قليل قليل والمبدعون محدودون والفعل الثقافي الحقيقي مغيب ومهمش.
والحالة الثقافية العابرة والسطحية هي السائدة.