فتحية الصقرية
شاعرة عُمانية
أتساءلُ، وأفكِّرُ في الوقتِ نفسِهِ باستخدامِ هذه القطع، في بناءِ الأرضيَّاتِ والحوائطِ والأعمدة.
قد تبدو مفيدةً، إنْ تعرَّضتْ للطحنِ والعجنِ والتشكيل.
لا تتقدَّمي أكثرَ، أيَّتُها المعتوهة،
خطواتُكِ الثقيلةُ تُحدِثُ خللًا في حركةِ الهواء.
أفكِّرُ جِدِّيًّا في تحويلِ غرفةِ الغسَّالة
إلى ورشةٍ لإعادةِ استخدامِ الأشياءِ المكسورة.
سأعملُ بمفردي،
الأدواتُ متوفِّرة،
تفكيكُ هذه الجزئيَّاتِ المتراصَّةِ ليسَ صعبًا،
إنْ أتقنتُ التحايُلَ على المخاوفِ من الفشل،
كما أنَّها تصلحُ لاستخداماتٍ أخرى؛
فزَّاعةٍ في حقل،
غطاءٍ لحاويةِ قُمامة،
سقفٍ لحظيرةِ حيَوَانات،
ويمكنُ تحويلُها إلى عظْمةٍ تصلحُ لإسكاتِ النُّباح.
كما يفعلُ العدّاؤونَ في ميادينِ السِّباق
لا على الإطلاقِ،
هذه ليستْ سعادةً،
هذه مجرَّدُ محاولاتٍ للتخلُّصِ من عبءٍ ما،
وفي كثيرٍ من الأحيان،
محاولاتٌ لإزاحةِ ألمٍ يتَّكِئُ على عضلةِ القلب.
قلتُ، مِرارًا، لن أطرقَ البابَ مُجَدَّدًا؛
البابَ الذي صوَّرتْهُ الأيَّامُ والسنواتُ مَدْخلًا للسعادة،
صارَ جدارًا بمَصدَّاتٍ فولاذيَّةٍ تجرحُ الأصابع.
ما الذي أفعلُهُ هنا؟
أقفُ بينَ هذين الجبلينِ، وأصرُخ،
يدايَ تشعرانِ بالتعب،
من العملِ اليوميِّ الشاقِّ؛ لتكسيرِ جبلٍ جليديٍّ ضخم،
يحجبُ الشمسَ والهواءَ، ويبتلعُ صوتي،
كما تبتلعُ الهُوَّةُ العمياءُ شجرةً مثمرة،
توقفتُ كثيرًا؛ لألتقطَ أنفاسي،
توقفتُ كثيرًا؛ لأقولَ لا، ليسَ الآن،
لكنَّ ثمَّةَ قوَّةً هائلةً تدفعُنِي اليومَ،
ومنذُ الصباحِ الباكرِ لأقولَ نعم.
حانَ الوقتُ للخروجِ، وتعطيلِ الإشاراتِ،
لكسرِ الحواجز،
وإزالةِ الشوائبِ العالقةِ في أصابعي، وقلبي.
عليَّ أنْ أنطلقَ بسرعةٍ إلى الجانبِ الآخر،
أنطلقَ دونَ أيِّ التفاتٍ، أو نظرةٍ وَداعيَّة،
كما يفعلُ العدّاؤونَ في ميادينِ السِّباق،
عليَّ أنْ أنحني،
أنحني بوقار،
أمامَ هذه النداءاتِ المتدفِّقةِ، بلُطْفٍ، نحوي،
أمامَ هاتينِ اليدينِ الدافئتينِ اللتينِ تلوِّحانِ بانتظام؛
لتمريرِ نسْمةٍ باردةٍ على خدِّي،
أمامَ هذا الرَّبيعِ المُطِلِّ بمسرَّاتِهِ،
على ابتسامةِ امرأةٍ مشغولةٍ بالحبّ،
على الجانبِ الآخر،
ثمَّةَ مَنْ يتناولُ المحبَّةَ،
كما يتناولُ المطرُ الغزيرُ حياةَ المزارعِ والبساتين.
بطريقةِ راقصاتِ الباليه
أدنو من هذه الأرضِ التي لم تعدْ بيتًا لأحد،
وأتذكَّرُ،
عندما كنتُ أسيرُ بسرعةٍ،
على سطحٍ أملَس،
بطبقةٍ رقيقةٍ متجَمِّدة،
لا أخشى الانزلاقَ،
لا أخشى السقوط،
أسيرُ بطريقةِ راقصاتِ الباليه،
قفزاتٌ طويلةٌ،
استداراتٌ مفاجئة،
ميلان،
تدفُّق،
أوُقِظُ العصافيرَ في طريقي،
وقطراتِ المطرِ النائمةَ في الأغصان،
ألعبُ دوْرَ الشمسِ التي تندسُّ بينَ الغيومِ، وتعاودُ الإشراق،
ذهابًا إيابًا،
بالطريقةِ نفسِها،
بنغمةِ صوتٍ ميَّالةٍ للعِناق،
أبدأُ، وأنتهي،
أنتهي، وأبدأُ من جديد،
أدنو، وأرتفعُ،
أنحني، وأدور.
ضرباتُ أصابعِ قدَمَيَّ الصغيرتينِ
تدقُّ سطحَ الطبقةِ الرقيقةِ بحُنُوٍّ،
كنسْمةٍ ليليَّةٍ عابرةٍ تصافحُ خدًّا خشِنًا،
انفجري،
لا شيءَ يساوي هذه اللحظة،
أدنو،
وأرتفعُ،
أحفظُ صورةَ البرقِ، وأرسُمُها،
ثمَّةَ تصدُّعٌ خفيفٌ يوشكُ أنْ يحدث،
انفجري،
انفجري،
أريدُ لتلكَ المياهِ الباردةِ المختبئةِ
أنْ تبتلعَ جسدي،
أنْ تغمرَهُ بطعمِها الحلو،
أنْ تلمسَهُ،
أنْ تشتهيه،
أريدُ لتلكَ المياهِ العذبةِ
أن تنهمرَ بوداعةٍ،
فوقَ جسدٍ مِغناجٍ،
كأغنيةِ حُبّ،
على مدارِ اليومِ،
على مدارِ الساعةِ،
باستراحاتٍ قصيرة،
ذهابًا إيابًا
أسيرُ بسرعةٍ،
على سطحٍ أملس،
لا أخشى الانزلاقَ،
لا أخشى السقوط.
السَّيْرُ في قلبِ رجلٍ يحلم
كانَ عليكِ السَّيْرُ
دونَ توقُّفٍ
كانَ عليكِ مواصلةُ السير
دونَ تأتاةٍ، دونَ أدنى خوْف،
بشجاعةِ العاهرات،
وفضولِ الأطفال.
كانَ عليكِ السَّيْرُ بسرعةٍ أكبر؛
لتعطيلِ صورةٍ في المُخيِّلةِ، تتَّسعُ، وتكبر؛
لنزعِها دونَ رحمةٍ من جوِّها الحالمِ
لِجَعْلِ مَنْ كانَ واثقًا،
متردِّدًا
مسكونًا بالرِّيبةِ والذهول
كانَ عليكِ فِعْلُ ذلك
وتحمُّلُ مفاجآتِ الطريق
كانَ عليكِ ضبطُ دورانِ الساعةِ
لفضحِ الوقت؛
خلْعِ كلِّ ما يمكنُهُ أنْ يُعيقَ وضوحَ صورةٍ مشوَّشةٍ عالقةٍ في رأسِ مخمورة
تلميعِ المِرآةِ
وتثبيتِها بمَيَلانٍ خفيفٍ
باتِّجاهِ الضَّوْء؛
لتعكسَ عظامَ الأكتافِ البارزةِ
وحجمَ النَّهدينِ الصغيرينِ
ومحيطَ الخصرِ النحيفِ
كانَ عليكِ قطفُ الثمرة، وهي غضَّةٌ؛ لتبتلعيها بمرارتِها
أنْ لا تفكِّري بمذاقِ
كيفَ يبدو (Sex on the beach)
أنْ تُنهي كلَّ شيءٍ في غضونِ دقائق
كانَ عليكِ فِعْلُ ذلك
للخروجِ من لعبةِ الدوَرانِ في رأسِ رجلٍ يحلمُ
من صورةِ العاهرة،
ومهامِّها المقتصرَةِ على إرضاءِ عُشَّاقِها العابرين.
كانَ عليكِ فِعْلُ ذلك؛
أنْ تُعطيَ الصيَّادَ درْسًا جديدًا:
عليكَ أنْ تملأَ عينيكَ بالهدفِ أوَّلًا
أنْ تُمسكَ بهِ حيًّا
أنْ تُقلَّبَهُ بيديكَ المتلهِّفتينِ
أنْ تتفحَّصَهُ جيِّدًا
أنْ تتحسَّسَ الأجزاءَ المهمَّةَ في جسدِه
كما لو كانَ بضاعةً جاهزةً للشراء
قبلَ أنْ تعلنَ بهجتَكَ على المَلأ.
كانَ عليكِ فِعْلُ ذلك
يا حبيبتي
بلا ندمٍ بلا كلماتٍ زائدةٍ، أو دموع
لتخرجي بكسورِكِ الخفيفةِ وسعادتِكِ الكبيرة.
صفراءَ
خضراءَ
حمراء.