بحة نأي تتمايل بين الكرد والصبا… انت يا قلبي اقبض على ذكرياتك هذه الليلة المجنونة.. ما الذي هام بك أيها القلب؟
اصغ الى همهمات الأصوات مثلما يصغي الضرير.. اجذب اليك الصور وألصقها على خواء "أيامك".
"شياط الحليب تسكبه أمك يصفع وجهك النائم.. تهويم فيروز وأنت ترتدي مريولك الترابي ينداح على صباحات الضياع… تلك الكتب القديمة التي لها رائحة أنثى طازجة وأنت تتأبطها تحت ذراعك.. الروائح أجل هاتها كلها! رائحة الحنة تتفشى على رئتيك في الأعراس.. رائحة القهوة المرة التي تمتزج بنثار الرماد فوق منقل نحاسي أخضر يقبع في صحن الدار الحنون.. رائحة السجاد العتيق في طهر المساجد.. رائحة جدائلها المذهلة حين تلتصقان في الأصائل النمامة، رائحة الغسيل المهمل تقاتل أنفاسك تكاد تمسكها بيدك !!
رائحة الزيزفون في درب عشقكما تنسكب طرق نمل على جلدك الغض اه… شد الوسادة اليك وتنهد.. ما الذي هام بك.. أيهذا القلب؟
البئر في طرف قريتك وهو يلد العصافير وحكاية الجن في المساءات. الأسطحة اللبنية المتكاتفة المتعانقة بحميمية وكأنها في دبكة أبدية.. سطح الزبيب والقمح الأشقر عليها وكأنه بكاء الشمس يا أيلول.
مطرب الحصائد المتشوف ومواويله المجدولة مع عرق الحاصدين.. حوش الغنم أول عالم آخر يتناهى لعينيك. صوت جدك المدهش.. وهو يعظك.. مختلط بفرقعة سبحته الكهرمان وقرقعة نرجيلته الجهورة.. ملاحقة الكلاب بمقاليعكم الى الروابي.
مغارة الدبس نزل (الزعران).. احمرار مؤخرتك من ضرب ملقاط الفحم الحديدي. النساء.. الأوز.. وهن يغسلن الصوف على النهر غير آبهات بسياط نظراتك تلاحق أردافهن وبطاتهن اللامعة كالبرق… زعاق السنونو وهو يتخاطف نسيج السماء الصافية كعين ديك… تلاحق الغيوم وتشكلها على كونشرتو ريح تشرينية.. زغاريد النساء التي لا تنقطع كناعورة بمائة قربة.. السيجارة الأولى التي ثقبت بها الأوزون.. شخيب الميازيب وهي تضج من بكاء السماء ترسلها مسيلات تتعانق عند السيل الشرقي.. ملاحقة الحمير.. التي لم تعطني سرها حتى هذه الساعة.. بالفلفل الأحمر!.. حكاية جدتك التي تتكلم بوجهها كله… تهديك خرفانا "ان رضت ذئابا" ان سخطت.. الذعر ونحن نفتعل الشجاعة بعبور مقبرة القرية.
التنور وخبزه المشوي بالحنين وبأياد بيضاء من غير سوء.. حمام السوق حيث النساء عاريات واضحات كالحسد… تماوج أجسادهن كالمطمهات الضباح….. الرعشة الأولى.. القبلة الأولى، زيزفون القبلة الأولى – الحب الأول… الأول… الأول ما الذي هام بك أيها القلب..؟ تهدهد هدأة الليل بنشيجك تحيي تراتيل الذكر جنادب تتقافز يمنة وشمالا… أأدمنت ذكرى تصلب عليها حاضرك الآثم؟ كوكبة الأصدقاء التي تناثرت كعقد من الخرز على رخام الاغتراب الأزلي.. أمنياتكم.. أحلامكم التي تحطمت على عنجهية الأرض، وددت أنك عجين يا أرض. كقلبي. تحفظين كل هش… سرايا الحنين تزفها البشاشات.. السلام من القلب من عمق القلب من عمق عمق القلب يمسح وجهك الدامي بمناديل الود البيضاء… الحب الأخرس المنتشي السكران.. الأبواب الخضراء الفاقعة التي تنغلق على أقحوان ونسرين.. مالك – اليوم – يا أبواب سودا؟.
مرآتك القديمة وهي تعكس وجهك ناضرا صادق.. هاتيك الربى تعانق نظرات التعب في المساء.. مدفأة الحطب وهي تهمهم كأنها في صلاة.. آه أيها القلب من أثكلك:..سريرك الغارق في الوحدة والبعاد؟..
أما العدمية الآسرة التي تنبت على جدران عمرك كالسراخس؟"
اتكيء على بريق عينيك.. ونم.. أيها الطفل.. نم خارج هذا العالم.. وسادتك ندف الأحلام وفراشك قتاد الحاضر.
قريتك التي تحلم غدت مدينة بأنياب وأظافر تلك الطيبة المذهلة التي كانت في الوجوه ماعت تحت أكداس التجهم.. النساء – الأوز – أصبحن أسراب حزن وهم.. ماتت تلك المفارق.. اندثرت تلك الدروب تحت صلف الخطوات الآثمة لفظتنا الزوايا التي كنا نخبيه فيها الحنين.. البنيان المرصوص في دبكاتنا دكه الشيطان حين تركنا له فجوة.. نم أيها الصغير.. حام النعاس حولك طاغيا يمحو كل تداعياتك بممحاة الخدر.. نم.. نم… ونمت أنا الصغير،…….. ولم أفق بعد.
هاني نديم بحبوح (قاص من سوريا يقيم في مسقط)