أخيراً،
تُودِّعُ عصرَ الجليدِ الأخيرَ. نهايةَ كلِّ عصور الجليدْ
ويكتملُ البرقُ نوراً وناراً. وتُقبلُ في آية ِاللـه
مُفلتةً من قيودِ البريدْ
سنونوَّةٌ ريشُها ذكرياتي. ومنقارها شهوتي
للمناخ الجديدْ
مفاجأةٌ لفضاءِ انتظارٍ طويلٍ. وتهليلةٌ
من مكانٍ بعيدٍ بعيدْ
تؤولُ سنونوَّةً من رمادٍ ووردٍ. تدفُّ
على موجةِ الحلمِ جيلاً فجيلاً. وتدنو رويداً رويداً.
مبشِّرةً بالربيع الوليدْ
سنونوَّةٌ وتُسمّى الحفيدْ
ونحنُ على موسمٍ جيّدٍ للحصادِ اتكلنا
وما بين وعدٍ ووعدٍ خُذِلنا
وعُدنا أَمِلنا
غرسْنا كثيراً
رجوناهُ خيراً وفيراً
سعيْنا اشتغلنا
حلمنا.. عَمِلنا
وما بينَ نورٍ ونارٍ ضَلَلنا
ضَللنا السبيلَ إلى حكمةِ السنبلَهْ
ولم يجتهدْ حاصدٌ عاقلٌ في الجنونِ
ليمنحَ حكمتَهُ منجلَهْ
ولا بدَّ من موسمٍ جيّدٍ للحصادْ
ولا بدَّ من محنةِ الأسئلَهْ
وعَوْداً على البدءِ.. لا بدَّ من دورة الدمِّ بين العبادْ
وبين البلادْ
لتكشفَ أسرارَها المعضلَهْ
وتفتحَ بابَ الحياةِ بكفِّ الجهادْ
ويجتازَ آخِرُها أوَّلَهْ..
إذاً. هكذا.
إذاً هكذا. نُطفةٌ من ترابٍ قديمٍ. وشيءٌ
من الدمع والوردِ يمنحُ كأسَ الدماءِ مذاقاً مثيراً
بزغرودةٍ للشهيدْ
وزغرودةٍ للوليدْ
ويلتمُّ أحفادُنا حولنا كلَّ عيدْ
وهُم يصخبون كثيراً. وبنتٌ تمشّطُ شعر أخيها الصغيرِ ليصبحَ أجملَ طفلٍ على الأرضِ. تبتسمُ الأُمُّ راضيةً. ويغنّي غلامٌ بدونِ نشازٍ تواشيحَ أندلسٍ غائمَهْ
نخبِّيءُ دمعتنا بالأصابع. نمسحُ سِفرَ التجاعيدِ عن وجهنا المتكدّر في فرحةٍ واهمَهْ
وفي غبطةٍ لا تُلامُ. بكلِّ وقارٍ نوزّعُ بعضَ الهدايا لأحفادنا. يفتحون الهدايا على عَجَلٍ. يرقصونَ ابتهاجاً. وهذا يطيرُ سعيداً. وذاكَ يُتمتمُ سخطاً. لماذا؟ لأن الهديّةَ ما أعجبتهُ. ووالدهُ يتميّزُ غيظاً ويضحكُ بالوعدِ. لا بأسَ يا ابني. وسوف تحبُّ هديتكَ القادمَهْ
وأحفادُنا في الخلاصةِ أجدادُنا. كفُّ أُمٍّ تهزُّ السريرَ. ويكبرُ جيلٌ. ويعبُرُ جيلٌ. ويولدُ جيلٌ جديدٌ لنفسِ السريرِ. وأُمٌّ على الطَّشتِ تمخُرُ في رغوةِ العمرِ من شطِّ صابونةِ الزيتِ حتى خليج التراشق بالماءِ في البانيو الفوضويّ. وشامپو الطفولةِ يعبُرُ شيخاً عجوزاً من الماءِ للماءِ. قلتُ. وأحفادُنا في الخلاصةِ
أجدادُنا دونَ شكِّ
ويضحكُ طفلٌ ويبكي
ويضحكُ شيخٌ ويبكي
من دونِ شكِّ
سيولدُ أحفادُنا طاهرين من الحربِ والسلمِ والذكرياتِ. تشدُّ الغريزةُ لثّاتِهم للحليبِ المعقَّم بالحبِّ والشهوةِ الأزليةِ. أعناقُهم لا تخافُ النصالَ ولا تتحاشى ظلالَ المشانقِ.
أحفادُنا يولدون كما نتمنّى. على صورةِ اللهِ في حُلمنا البشريِّ المعبَّأ بالرعبِ. وفقَ الصلاةِ سيولدُ أحفادُنا. نتمنّى ذكوراً. وسرّاً وفي خجلٍ لا يبوحُ نمارسُ وأدَ البناتِ. فقد أدَّبتْنا الحضارةُ جيلاً على حزنِ جيلٍ. ونكبُرُ عاماً على حزنِ عامٍ. نشيخُ ونمرضُ. أبناؤنا يُعرضون بدعوى المشاغِلِ والوقتِ. زوجاتُهم واقفاتٌ لهم بالنظامِ الجديدِ. نوبِّخُ أبناءَنا ونكيلُ المديحَ للُطف البناتِ وحرصِ البناتِ على الوالدينِ. ونحزنُ معتذرين عن الجهلِ والضعفِ في ما اقترفنا من الإثمِ
يومَ وأدنا البناتْ
وما كانَ فاتْ
ومن عاشَ ماتْ..
….
لأحفادنا بهجةُ الأهلِ في حفلِ تخريجهم. ولهم شَيبُ أجدادهم قدوةً. عبرةً. ودليلاً رشيداً
إلى الغدِ والأمسِ. مثل جميع البشرْ
وتذكرةً لطريقِ القَدَرْ
وبعضَ دعاءِ السَّفَرْ..
وأحفادُنا يسمعونَ النصيحةً منّا لكي يعملوا عكسَها..
كيفَ ننصحُ نحنُ سوانا بإنشائنا العبثيِّ
وسقطِ الكلامِ الطويل العريضْ
ونغدقُ نُصحَ السلامةِ فيهم.. وفينا جراحٌ تفيضْ
وننصحهم باحترافِ السموِّ.. وشاهقُنا في الحضيضْ
إذاً. يسمعون النصيحةَ منّا ليبتكروا ضدَّها..
يطلبونَ الحياةَ الصحيحةَ. لا يعبأون بفنِّ الكلامِ الصحيحْ
ويجتنبونَ خطايا البيانِ وسحرَ اللسانِ الفصيحْ
وقد أبصروا كلَّ شيءٍ جميلٍ صنعناهُ نحنُ.. وقد أبصروا كلَّ شيءٍ قبيحْ..
وأحفادُنا يلعبونَ بنا. يصعدون على ظهرنا الكهلِ
مُنحنياً في الفضاء الضئيل. مكبّاً على بعضِ نار الشتاءْ
ونحنُ ندغدغُ أقدامَهم ونقشِّر عاطفةَ الكستناءْ
لنطعم أحفادنا الأشقياءْ
وهم يعبثون بوجهِ القناع الضنينْ
وشَعرٍ بلونِ الرمادِ وطعمِ الرمادِ
نسمّيه نحنُ رمادَ السنينْ
وترحلُ أفكارنا عبر أكتافهم للبعيدْ
ونقلقُ. كيفَ ستوغلُ أيامُهم في احتباسِ الحرارةِ
يوماً فيوماً. وسوف يذوب- كما يزعمون- الجليدْ
فكيف سيعرفُ أحفادُنا كيف كان الجليدْ
وطعمُ الفواكه والخضروات يغادرُ طعمَ الفواكه والخضروات
وفي عهد أحفادنا هل يكون
للونِ الفواكه لونُ الفواكه؟ كيف يكون
على عهد أحفادنا الفلُّ والوردُ والياسمين
وكيف يكون البنفسجُ والميرميّةُ والزيزفون
وكيف نكون
على عهد أحفادنا.. هل نكون؟
وهل تشرقُ الشمسُ في الفجرِ في عهد أحفادنا
أم يعمُّ الظلامُ ويغشى السكون؟
….
تضايقُنا وطأةُ الحرِّ تحت الترابِ الثقيلِ فنخرجُ ذات مساءٍ من القبرِ. ننشُرُ أكفاننا في النسيم المواتي ونختارُ سحرَ جذوع الشجرْ
ونجلسُ مستبشرين بضوءِ القمرْ
ونبحثُ عن صوتنا في ترابِ الحناجرِ. كيفَ ننادي بأسماءِ أحفادنا؟ سننادي بحنجرةٍ من ترابٍ. وقد يسمعون بقايا الرنينِ القديمِ وقد يفرحون قليلاً. بدفِ رمادِ الوترْ
وقد يسمعون ولا يسمعونَ. فنرجع من حيثُ جئنا ونُرجعُ أكفاننا للحُفَرْ
ونحزنُ. متنا أجل نحن متنا. ولكن ألسنا بشرْ؟
وأين ترى الآن أحفادُنا؟ أين ما ظلَّ منّا على الأرضِ بين القضاءِ وبين القدرْ!
وينكفيءُ الحزنُ طفلاً يتيماً. وتخمد في اليُتمِ نارُ الضَّجَرْ
ويكبُرُ أحفادُنا دون شكٍّ ستمرضُ بنتٌ وتُشفى. ويشفى صبيٌّ ويمرضُ. أحفادُنا يذهبونَ كما نشتهي لصفوفِ المدارسِ. ثمّةَ كلّيةٌ في الطريقِ وجامعةٌ راقيَهْ
وطفلٌ خجولٌ يحدّقُ في سرِّ أعتابها الساميَهْ
ويعجزُ عن فهم أحلامها الآتيَهْ
بشيءٍ غريبٍ تُسمّيه «مستقبلاً» أمُّهُ. وأبوهُ يداعبُ في شغفٍ شعره الفوضويَّ الجميلَ ويُبصر في الحلم «عرساً» وحفلَ غناءٍ ورقصِ. ويسمعُ زغرودةً عاليَهْ
ويكبُرُ أحفادُنا في السلامِ وفي الحربِ. لا قدَّرَ اللهُ. قد يصبحونَ جنوداً. ولا قدَّرَ اللهُ قد يَقتُلون وقد يُقتلونَ. ولا قدَّرَ اللهُ قد يُسجنونَ لرفضِ القتالِ. وقد يرجعون من الأسرِ شيباً. ولا قدَّرَ اللهُ. لا يرجعون إلى منزل الأسرةِ الباقيَهْ
وقد يصبحونَ أطبّاءَ أو شعراءَ وقد يُقبلونَ على مهنةٍ ما. وقد يرحلون إلى دولةٍ نائيَهْ
طموحاً لعيشٍ كريمٍ. وقد يعدلون إلى فكرةٍ ثانيَهْ
سيختارُ أحفادُنا. لو أتيحَ لهم. أيَّ حُلمٍ جميلٍ يجدّدُ ماءَ الحياةِ ويُنعِشُ أشجارنا الذاويَهْ
أيختارُ أحفادُنا ما نحبُّ ترى؟ أم يحبّونَ ما لا نحبُّ؟ وننسى ليذكرَ أحفادُنا. أم ترى يذكرون لننسى. وينسون ما نحنُ نذكُرُ. أم نحن ننسى وينسونَ في غمرةِ الذكرياتِ ودوّامةِ الزمن القاسيَهْ؟
سيحلُم أحفادُنا ذات يومٍ بمصباحِ ذاك الغلامِ.
علاءِ العجائب من ألف ليلَهْْ
وليلَهْ
وكلٌّ يريدُ. ولو مرةً. أن يكونَ محلَّهْ
وقد يتجوَّلُ ما بين أحفادنا ذاتَ يومٍ
غلامٌ يُسمّى أولي….ر تويست
وكيف سنعلمُ إن كان فيهم محمَّد درّه؟
وإن ولدتْ بين أحفادنا الرائعينْ
شرارةُ ثوره؟
سيحلم أحفادُنا دونَ شكِّ
ونحنُ سنضحكُ. حُلماً. ونبكي
ونضحك مستبشرينْ
بأحفادنا القادمينْ
سيحلمُ أحفادُنا بالمشاريعِ. طولَ البلادِ
وعرضَ البلادِ
ونحن نصلّي لربِّ العبادِ
لكي ينجحوا
وكي يفرحوا
بتجسيد كلِّ الأماني وإنشادِ كلِّ الأغاني وإنجاز كل المرادِ!
….
سألتُ- ولي أن أكون دقيقاً بقولي «تساءَلتُ»- ذات مساء على شرفة المنزل الجبليّ الوديعِ: أيُبصرُ أحفادُنا القادمون من الغيبِ أفلامَ جيمس بوند؟
وأفلامَ كاو بوي؟
وهل يقرأون الجرائدَ كلَّ نهارٍ؟ وهل يدمنون مشاهدة التليفزيون؟ أم إن حُمّى العناكبِ في الشبكاتِ العجيبةِ آفاقِ إنترنت ستمتدُّ جيلاً لجيلْ؟
وهل يستعيرُ القليلُ الكثيرُ صفاتِ الكثير القليلْ؟
وهل عند أحفادنا ينتهي المستحيلْ؟
أنا لا أريدُ جواباً خفيفاً لهذا السؤال الثقيلْ
وأرفضُ أيَّ اعتذارٍ قصيرٍ،
لتبرير رُعبي الطويلْ
لأني أخافُ وأقلقُ،
من أجل أحفادنا الغامضينْ
ولا أستريحُ بغير اليقينْ
ولا شيء إلا اليقين اليقين اليقينْ!
….
كما تتمنّى الجهاتُ وما تحلُمُ الأغنياتُ. كثيرٌ من الحبِّ ميراثُ أحفادنا. يا مليك السماءِ انتشلهُم من الغيبِ واحرُس خُطاهُم على الطرقاتِ الغريبةِ نحو المنازل في عيد أعيادنا. يا ملاك السماءِ أَغثهم. وبدِّد ظلام الدروب إلى بابِ أولادنا. يا صفاءَ الرسالاتِ طهِّر قلوبَ البشرْ
جميع البشرْ
وأبعِدْ عن الوافدين الخَطَرْ
وسدِّدْ خطانا. وسدِّدْ خطاهُم. وجدِّد لنا من ضيائكَ. جدِّد لأولادنا من ضيائكَ. جدِّدْ لأحفادنا من ضيائك ضوءَ السلام وضوءَ الكلام وضوءَ النظَرْ
كثيرٌ من الحبِّ ميراثُ أحفادنا. يا إلهي فأنعم علينا بنعماك فيهم وحسنِ المسير
وطُهر المصير
لأنك كنتَ وما زلت ما أنتَ. أنتَ
الغفورُ الكريم القدير
وما زلتَ ما كنتَ. ما زلتَ ما أنتَ
معنى القضاءِ وسرَّ القَدَرْ
ونحنُ المسوخُ إذا ما تخلَّيتَ عنا. ونحن الظلالُ إذا ما تخلّيتَ عنّا. وباسمك أنتَ نُسمَّى البشرْ
ونحنُ البشرْ
براءَةُ أحفادنا نقطةُ الضعفِ فينا. نخافُ عليهم من الخوفِ والفقرِ والجوعِ. نخشى خفايا الزوايا ومنعطفاتِ الشوارعِ. نحنُ نخاف على طُهر أحفادنا من دخانِ المصانعِ. من مافياتِ السّراديب والأقبيَهْ
نخاف احتباس الحرارةِ. نخشى انقلابَ المناخِ عليهم. وتُقلقُنا البيئةُ- المعصيَهْ
ويُقلقُنا ما تُسرُّ السجونُ. ويُقلقُنا أن تبيعَ المدارسُ جهراً وسائلَ إيضاحها في مزادٍ على منبرِ الجهلِ. نخشى بيوتاً بلا تدفئَهْ
ونخشى النفاياتِ والأوبئَهْ
ومستشفياتٍ بلا أدويَهْ
براءَةُ أحفادنا نقطةُ الضعفِ فينا. ونخشى عليهم ونخشى علينا جنون الحياةِ ونخشى انتحارَ المغنّي على الأغنيَهْ
براءَة أحفادنا نقطة الضعف فينا…
ونحنُ رياضتُهم في الصباحِ ونحنُ ملاعبُهم في المساءِ. وكيسُ ملاكمةٍ نحنُ طولَ النهارِ لقبضتهم ما تشاءُ. وفي لعبة الكاراتيه يغلبونَ ذويهم. وقفّازهم نحن، نحنُ حذاءُ رياضتهم مثلما يشتهون ونحنُ الكُرَهْ
ونحنُ انتصاراتُهم بالرؤى المضمَرَهْ
ونحن مرايا لأحفادنا، ذات يومٍ ولدنا عراةً. لعبنا عراةً. وآنَ احترفْنا الفسادَ لبسنا ثيابَ الفضيلةِ ضدَّ المناخِ ومن شدّةِ الحرِّ نمنا على السطحِ. كانت قرانا منازلَ حلمٍ بسيطٍ وتوقٍ إلى سهرةِ العائلَهْ
وجيراننا يحملون إلينا أباريقَ قهوتهم في الصباحِ.
وتدعو لهم جدّتي بالسعادةِ واليُسرِ.
يشكرهم والدي. وتردِّدُ والدتي شُكرَهُم وهْي تدعو لأبنائهم ولأحفادهم بعدهم بالحياة الطويلة واليُمنِ والعيشةِ الفاضلَهْ
وبالنعمةِ الطائلَهْ
ويولدُ أحفادُنا قبلَ أن يولدوا في صلاةِ النبيِّ على مولد القابلَهْ
وننزلُ عن سطحِ منزلنا.. لتتابع رحلتَها القافلَهْ
….
سؤالٌ. سوالٌ يكادُ يكونُ وجيهاً: ترى هل تحبُّ العصافيرُ أحفادَها مثلنا. والوحوشُ وهذي النباتاتُ. تلك الجراثيمُ. هل حُبّ أحفادنا قابلٌ للقراءَةِ. هل في الغريزة حُبٌّ؟
سؤالٌ يكاد يكون وجيهاً على كل حالْ
سؤالٌ. سؤالْ
وأحفادنا في الحياةِ وفي الموتِ بعضُ الطبيعةِ بعضُ الصحارى وبعضُ السهول وبعضُ البحار وبعضُ الجبالْ
وأحفادُنا نحنُ. شيئاً فشيئاً
وسرُّ البقاءِ
كسرِّ الزوالْ
سؤالٌ.. يظلُّ وجيهاً..
لأحفادنا أن يحبّوا الطبيعة والفنَّ والمالَ والذكرياتِ المتاحةَ من عهد أجدادهم برعاية آبائهم. يذكرون بما تستطيعُ انتقائيّةُ الوعي والحلم. لا يذكرون الذي لا يحبّونَ لكنَّهم يبدعون بما يشتهونَ حكايا يسمّونها ذكرياتْ
قُبيل السباتْ
وملءَ الحياةْ
ومن عاشَ ماتْ
ومن ماتَ.. فاتْ
هنا عبرةُ الدهرِ أن تستعيضَ الروايةُ عن كُنهها بالرواةْ
وأن تستعيرَ الغريزةَ بوصلةً للجهاتْ
وأحفادُنا رائعونَ،
كأحفادِ ما أبدع اللهُ من كائناتْ!
إذاً. هكذا. نحنُ نورثُ أبناءَنا ما لدينا. وأحفادنا يرثون الذي ظلَّ منّا. وبعضَ ملامحنا. يرثون الرثاءَ الرصينَ وزيتونتين وساحة بيتٍ. وموقفَ سيارةٍ للضيوفِ الكرامِ ونافذتين وظلاًّ ظليلاً من الذكرياتِ ومن صور العائلَهْ
وقد يرثون همومَ البلادْ
وما ظلَّ منها وراءَ الجرادْ
وقد يرثون عباءَةَ جدٍّ قديمٍ وألوانَ بدلته الحائلَهْ
وقد يرثون تقاطيع أعمامهم. أو تكونُ لأخوالهم في تقاطيعهم صورةٌ ماثلَهْ
سنورثُ أحفادنا ما يظلُّ لنا ولهم من شموعٍ تذوبُ ليعبرَ ليلٌ. وتوقظُ في الفجرِ أحلامَ ذُرّيّةٍ عاقلَهْ
سنورث أحفادنا ما لدينا
ونورث أحفادنا ما لدينا
ونبدأُ من حيثُ كنّا وحيثُ انتهينا..
….
يباركها الله سنّ الحليب فما قصّرت في إضاءَةِ بابٍ ستدخله خربشاتُ الطفولةِ. سنُّ الحليبِ أتمّت وظيفةَ تاريخها واكتفينا بما أنجزتْه.
سنقذفها الآن للشمسِ محفوفةً بالأماني
ومصحوبةً بالأغاني
ونغمر أحفادنا بالصلاة لطولِ الحياةِ. وسنُّ الحليبِ تطير
على رسلها في فضاءِ الزمانِ..
وثمّةَ أضراسُ عقلٍ ستولدُ ثمّةَ نابٌ ستنبتُ
يوماً فيوماً وتكبرُ في خطرٍ أو أمانِ
وأحفادنا يكبرون
وتكبر أسنانهم.. والسنون
على نبضات الثواني
وأحفادنا يكبرون..
….
نُعلّم أحفادنا أن يحبّوا. وكيف يعلّم أحفادَهُم آخرون من الناس؟ كيف يدور الصراعُ المقدَّرُ بين المحبة والبغضِ؟ كيف نعلّم أحفادنا سبباً للصمود على جبهة الحبّ؟ نحن نعلّم أحفادنا أن يحبّوا
ونحنُ نُحبُّ. ونصبو
وصعبٌ هو الحبُّ في غابةِ الليل والوحشِ صعبُ
ولا بأس نحن نعلم أحفادنا أن يحبّوا
وما يُضمرُ الغيبُ.. غيبُ..
فكيفَ نُعلّم أحفادنا أن يحبوا
ونحنُ نحبُّ.. نحبُّ
بدونِ اعتذارٍ.. هل الحبُّ ذَنْبُ؟!
….
لدى الرمل سرُّ الزجاجْ
وأحفادنا سرُّهم عندنا،
وتظلُّ الهشاشة سرّاً
ويبقى التماسُكُ سرّاً
وعند الحياة المفاتيحُ في نفقٍ من رموزْ
وأسرار أحفادنا عندنا.. ما يجوزُ لدينا
وما لا يجوزْ
وتخسر أسرارُنا أم تفوزْ؟
لدى الرمل سرُّ الزجاجْ
وسرُّ الشباب يحاورُ أسرارَ شيخٍ عجوزْ
وفي الداءِ بعضُ العلاجْ!
….
خطوط الملاحة. كلُّ خطوط الملاحة تبدأ من توقنا لسعادة أحفادنا والسلامْ
وإعجابُنا بالنسورِ تميمةُ خوف الحَمامْ
وفي صمتنا دعوةٌ للكلام
وأحفادنا يسمعون ولا يسمعون
وضجّتنا دعوةٌ للسكون
ونسهر نحنُ لأحفادنا الحالمين النيام
ونقلقُ كيف يكون الذي سيكون وأين يكون الذي لن يكون
ونظرتنا للوراءِ تشاكسُ نظرتنا للأمام
وأحفادنا يحلمون
وريح الحياة تمشّط شعر المواليد عشقاً، وشعر السنابل والنخل.. حاملةً ورقَ الوردِ والزيزفون
ونحنُ نميل على ورق اليانصيب وفي البال أحفادنا المعوزون
ونبصر أوجههم في هُلام الورقْ
وتشعلنا شهوةُ الكسب من أجلهم. يرثون غنيمتنا المشتهاةَ وترحل عنّا غيوم القلقْ
وحين يفاجئنا بائع اليانصيب بأنّا خسرنا
نحاولُ أن نتهرَّب من حزن أحفادنا ونحاول حظاً جديداً سعيداً يخبّئه نفقٌ في نفقْ
وتهجسُ فينا بقايا الرمقْ:
أيسمع أحفادنا صوت أرواحنا في براري الحياةِ العسيرة؟ هل يبصرون على قسمات الجدود عيوناً تنزُّ دموعاً وهل يلمسون جباهاً يسحّ عليها العرقْ؟
وهل يشعرون بما نحن فيه من الحزن والخوف طولَ ليالي الأرقْ؟
نريد طمأنينةً للأحبة أحفادنا القادمين
ونطوي البلاد ونطوي السنين
ونشكر خالقنا من علقْ
ونشكر من بارك المالَ زينةَ دنيا لزينتنا في حياة البنين
ونشكر أحفادنا الواعدينْ..
….
تفاجئنا ساعةُ الرملِ في زحمة العمرِ. أيامنا تتناقصُ يوماً فيوماً. وتصدمنا ساعة الرملِ. جلُّ حُبَيْباتها سقطت تحت خطّ استواءِ الحياةِ. هرمنا من العشقِ والحزنِ، نحن هرمنا وذُبنا رويداً رويداً. وضوء الشموعِ ضئيلٌ وليلُ الزمانِ ثقيلٌ. وترعبنا ساعة الرملِ. لم يبقَ إلا القليلُ من الوقت في الوقتِ. لم يبق مُتَّسَعٌ لاصطفافٍ جديدٍ. وأحفادنا فوق خط استواءِ الحياةِ. ولا بدَّ من حكمةٍ قد تفيدُ. ولا بدَّ من أيّ شيءٍ نسمّيهِ ميراثنا كي نموت بشيءٍ يسمّى السعادةَ. أو قد يسمّى ارتياح الضمائر يوم الحسابِ.
وفي ساعة الحشرِ،
في ساعة الرملِ سرُّ الثوابِ وسرُّ العقابِ
وفي ساعة الرملِ عقلُ الجنون
وفي ساعة الرمل معنى الرحيلِ ولغزُ الإيابِ
وفي ساعة الرمل، في ساعة الحشرِ
أحفادنا المبهمون..
يكون إذاً ما يكون..
قميصي الذي تبصرون
سيبلي ككلِّ الثيابِ
يكون إذاً.. ما يكون
ولا صعبَ.. إلا يهون..
يكون إذاً ما يكون
يموتُ حضوري.. ليحيا غيابي
وأوصدُ بابي.. لأفتح بابي
يكون إذاً.. ما يكون
….
سيولد من نسل أحفادنا ذات جيلٍ حفيدٌ جميلٌ يحبُّ الطبيعة والشعرَ. سوف يسافر بحراً إلى ليماسول. ومنها إلى كريتَ ثم يزور أثينا. وذات مساء سيذرع حيَّ الپلاكا وحيداً غريباً. وسوف يصادف إحدى حفيدات لورد بايرون الساحرات. وسوف يهيمان عشقاً وفي رقصة البار سوف يذوبان حتى الثمالة في كأس جدّين قبل قرونٍ. وسوف تكون القصيده
حكاية حبٍّ وثورة قلبين حرّين تحت سماءٍ بعيده
غلامٌ وحيدٌ وبنتٌ وحيده
ورؤيا حياةٍ جديده
لكلّ القلوبِ وكلِّ الشعوبِ
وتولدُ من نسل أحفادنا ذات جيلٍ.. عقيده
تلمُّ شتاتَ الأمم
وتمسح دمع الألم
وترفع للشمس باقةَ وردٍ
مغلّفةً بالجريده
وفيها القصيده..
….
هنا أم هناكَ؟ وماذا يكون هنا أو هناكَ؟
مقاتلة أثقلتْها الصواريخُ، أم لوحةٌ لوَّنتْها فراشه؟
وماذا؟
أأوراقُ طابو تكرِّسُ مِلكيّةَ الأرضِ، أم ظلُّ كرت الإعاشه؟
بماذا تفاجئ أحفادَنا لعبةُ الطقسِ؟ ماذا يكونُ
جذورٌ تضجُّ حياةً وحلماً وعافيةً. أم مواتٌ سكونُ؟
وكيف سيلعبُ أحفادُنا لعبةَ الطقسِ؟
كيفَ يصوغُ المناخُ المزاجيُّ أحوالَ أحفادنا،
أبداً للصلابةِ، أم بُرهةً من هشاشه؟
تَعِبْنا. سؤالاً يراود بعض الإجابةِ. نحن تعبنا
ونحن اغتربْنا
كأنّا مجرَّدُ فيلمٍ على الأرضِ والأفق.. شاشه
مجرَّدُ شاشه
ونحن اغتربنا
ونحن تعبنا
فهل نستريح بأحفادنا وانطفاءِ الحشاشه
وهل نستريحُ؟
بميلاد أحفادنا
وأحفاد أعيادنا
وأعيادِ ميلادنا
متى.. يا متى.. نستريحُ؟
….
أجل نحنُ في عُرف أحفادنا محضُ أمسٍ عتيق
وقد يجد البعضُ منهم لدى بعضنا بعضَ مجدٍ عريق
وقد يهزأون بأشيائنا
ولا يعبأون بأسمائنا
وقد يعجبون بأزيائنا
وقد يطلقون علينا كلاماً يليقُ.. وقد لا يليق
لأحفادنا الحقُّ في حقهم. يُكبِرون
ويستصغرون
ويبقى الزمانُ وتبقى المسيرةُ. يبقى الطريق
وقد لا يفيقُ النيامُ. وقد لا ننام. وقد لا نفيق
ويبقى المناخُ العدوُّ ويبقى المناخ الصديق
وأحفادنا يكثرون
وأحفادنا يكبرون
وفي الله بالله لله ما يصبحون..
وفي فَرَح الكونِ حُزنٌ عميق..
وفي حزننا علَّةٌ للمجون!
….
لأحفادنا صورتان على شاشة الحلمِ. بيضاءُ تنسجُ قوسَ قُزحْ
وسوداء لا ضوءَ منها ولا لون فيها. تقولُ
حضورَ العذابِ وتفشي غيابَ الفرحْ
ونغمضُ عيناً على ما نخافُ
ونفتحُ عيناً على شبه نهرٍ من الضوءِ
يخبو وتخبو الضفافُ
ونقلقُ
نشفقُ
نفرقُ
نغرقُ
في عتمةِ الأفقِ ظلِّ الشبحْ
وتنعبُ بومٌ علينا ونرفضُ معنى النعيبِ
لأنّا نحبُّ الأغاني لأحفادنا ونصرُّ علينا نصرُّ
لهم: عندليبٌ!
ألا إنه عندليبٌ صدحْ
وباب الحياة اتضَحْ
لأحفادنا.. وانفتحْ..
….
تعوَّدَ أجدادُنا صوتَ أبنائهم مفعماً باحترامٍ عميقٍ
وآباؤنا عهدوا صوتنا مشبعاً
بالوقارِ سواءٌ رضينا بآرائهم أو غضبنا
وإن هم قسوا بالكلام عتبنا
ولم نرفع الصوت في وجههم هكذا علمتنا
المدارسُ ما علمته المجالسُ.. لم نرفع الصوتَ.
أبناؤنا مثلنا أو يكادون لكنّ أحفادنا لم يبوحوا
وأسئلة الشَّكِّ لا تستريحُ
ولا يستديم الغموضُ ولا يستتبُّ الوضوحُ
فهل من حفيدٍ يضجُّ
وهل من حفيدٍ يصيحُ
إذا لم يجد لؤلؤاً في محاراتنا
وإن لم يرقه هراءُ حواراتنا
وسخفُ عباراتنا
ترى هل سترجع أصواتُ أحفادنا
بأصوات أجدادنا؟
أيجري لأصوات أحفادنا ما جرى
لأصوات أجدادنا يا ترى
وما سوف يجري لأصواتنا
ترى يا ترى يا ترى..
….
سواسيةٌ نحنُ. نعلمُ أنّا كأسنانِ مشطٍ. سواسيةٌ
في حسابِ البشرْ
ونبقى سواسيةً. نحنُ نبقى. وما من خطرْ
ويرفعنا الله بعضاً على البعض في درجات التقى والبَصَرْ
ونبقى سواسيةً في حساب البشرْ
وأحفادنا مثلنا.. غابَ هذا.. وهذا حَضَرْ
وما من مفرْ
نظلّ سواسيةً في الحياةِ وفي الموتِ. نبقى
سواسيةً في القدَرْ
وما من مفرْ
سوى أن نعيشَ بأحفادنا ونموت بأحفادنا
ليعيشوا بنا ويعيشوا بنا وردةً من حَجَرْ
وأيقونةً للمطر
وساقيةً للسنابلِ أغنيةً للشجر
ونبقى سواسيةً.. مثلَ كلِّ البشر
وأحفادنا مثلنا.. لا مفرّ..
وأحفادنا.. نحنُ.. بالمختصرْ!
….
على أيّ دينٍ يكونُ تفادي الخطيئةِ
في عُرف أحفادنا المضمرين
على أيّ دين
وكيف تكون قراءَة مستقبلٍ غامضٍ لا تبينُ له
صورةٌ لا تبين
وهل من نبيٍّ جديدٍ يجادل في خاتم الأنبياء
وهل سوف يظهر روح الصفاء
على شاعرٍ يدّعي أنه أول الأنبياء
وهل سوف يحظى بحبٍ يسيرٍ من المؤمنين
وخلقٍ كثيرٍ من الرافضين
وكيف تكون الوشيجة ما بين أرضٍ
وإنسانها والسماء؟
على أيّ دين
وفي أي دين
يبارك ربُّ الوجود لأحلام أحفادنا الحالمين؟
….
بشمعتها البرقِ. بالرعدِ ترنيمةً تستهلُّ الصلاةْ
تصلّي الطبيعةُ برقاً ورعداً
ويسجدُ في معبد الأرضِ غيمٌ تقيٌّ
يسحُّ دموعاً من الوجد والتوقِ
حتى تلبي الحياةُ دُعاءَ الحياةْ
ونحن نصلّي طبيعةَ أحفادنا ونصلّي
لأحفادنا كي تعود خطاهم
إلى بيتهم من جميع الجهات
نصلّي لعودتهم سالمين
ورجعتهم غانمين
بما يُسعد الأمهات
ويبهج آباءَهم ويمجّدُ آباء آبائهم أجمعين
سلاه
إلهي يشاءُ وما من إله سواه
سلاه
سلاه
سلاه..
….
يراوغُنا الموتُ. نحنُ نراوغ أحجية الموتِ باسم الحياةِ. ونعطي ونأخذ كي يستقيم الكلامُ ومعناهُ. o.k، سيمنحنا الوقت متَّسعاً للولادةِ ثم يجودُ علينا بوقت النموِّ. ويكبر فينا المواليد. أبناؤنا يكبرون ويكبر أبناؤهم.
وبحكم النموِّ نؤاخي مع الوقت أبناءَنا لقليلٍ من العمرِ. ثمّ نؤاخي قليلاً من العمر أحفادنا.
وبحكم الحياة فإن الأخوّةَ عبءٌ. ثقيلٌ ولكن جميلٌ. ونعطي الأزاهير وقت الفراشات والنحل.
نعطي النجوم البعيدةَ وقتً الأواصر. نتعب حيناً ونرتاح حيناً. ونبكي ونضحك سرّاً وجهراً.
وتبقى الأخوّةُ بوصلةً لا تضلُّ الطريق إلى موعد الحلم والأغنياتْ
ولا بأس في فذلكات المناخِ، ولا يأس ممّا يُخبِّىءُ سيركُ الجهاتْ
وتبقى الغريزةُ. قبل البقاءِ وبعد البقاءِ. تلمُّ أحبَّاءَها من شتات الشتاتْ
وتعطي ملامحَ أبنائنا والصفاتْ
ونحنُ نؤاخي مع الوقت أولادنا
ونؤاخي مع الوقتِ أحفادَنا..
والحياةْ..
….
بحُكم التقاليد يحملُ أحفادُنا بعضَ أسمائنا. يشبهون ولا يشبهون. يظلّ السؤال ضباباً تحومُ عليه خفايا الطبيعَهْ
وترحلُ أسماءُ أجدادنا، ثم ترحل أسماءُ آبائنا.
ثم ترحل أسماؤنا. وتظلُّ سلالةُ أسمائنا
عند أحفادنا.. طرفةً.. أو وديعَهْ
لعلّ حفيداً قبيحاً يُسمّى جميلاً
وخرساءَ من نسلنا وتسمّى هزاراً
وربَّ حفيدٍ بخيلٍ يسمّى كريماً
وقد يخلقُ اللهُ فينا حفيداً تعيساً ويدعى سعيداً
وقد تتشرَّفُ أصلابُنا بحفيدٍ يشبُّ غلاماً وقوراً ويصبح شيخاً تقياً يصيرُ إماماً جليلاً..
وباسم التحبب يدعى نديم السكارى ويكنى صريع الغواني.. وربَّ عسى ولعلَّ
وقد.. وبحكم التقاليد يحمل أحفادُنا
بعض أسمائنا المنتقاةِ بحرصٍ شديدٍ.. وفي
كلِّ فوضى.. ذريعَهْ
سيحملُ أحفادنا بعضَ أسمائنا.. والمسمّى
يحاولُ في كلِّ جيلٍ شفيعَهْ!
وريحُ الهواجس تعصفُ بالنفسِ ليلاً،
يلحُّ علينا السؤال الممضُّ: ترى كيف نبدو
لأنظار أحفادنا القادمين
أيفتخرون بنا أم ترى يسخرون
ونحنُ نعزُّ بهم أم نهون
ونفخرُ أَم نستهين
بأحفادنا القادمين؟
….
سؤالٌ ممضٌ. يُثير الهواجسَ. فخٌّ وبابٌ على عُقمه باليقين
فما من تضاريس جغرافيا للسنين
وكلُّ احتمالٍ يجوزُ. ونبقى. وتعبرُ ريحُ الهواجس. تمضي. وتعصف بالنفس ليلاً.. ونعلمُ أنّا جهلنا ونجهل كيف سنبدو بأنظار أحفادنا القادمين..
ويبقى السؤالُ ممرّاً يرحّب بالعابرين ويُفرَشُ بالوردِ حيناً. وحيناً يفاجئ بالشوكِ. لكنه واحدٌ وأخيرٌ وما من ممرٍّ سواهُ
وغير اتّجاه النهايةِ ليس هناك اتّجاهُ
ممرٌّ وحيدٌ
ندبُّ عليه بعكّازِ شيخوخةٍ أثقلتها الهمومُ
ومالتْ عليها الجباهُ
أننظُرُ خلفاً لنبصر أجدادنا. أم أماماً لنبصر أحفادنا. أم ترانا ابتعدنا كثيراً على الورد والشوك كيف يشاءُ الممرُّ وما كان مرّاً هو الآنَ حلوٌ. وما كانَ حلواً هو الآنَ مُرُّ
خَبِرنا الحياةَ. حياةً وموتاً. وأين سندركُ نحن وأين سيدركُنا المستَقَرُّ
وأبناؤنا في الممرِّ. وأحفادُنا في الممرِّ. إلى أين يفضي الممرُّ
وهل فيه خيرٌ. وهل منه شرُّ
إلى أين يُفضي. إلى أين يُفضي الممرُّ
وأحفادُنا في غموضِ السؤالِ. وسرُّ الإجابةِ مُضنِ
متى سوف نبكي وأين وكيفَ نغنّى
وأينَ المفرُّ
لنا ولأحفادنا.. أين أين المفرُّ؟!
ولي أن أصارحَ أحفادَنا بالحقيقةِ..
عندي قضيَّهْ
لأن الوصيّةَ مسؤولةٌ ساعة الحشرِ في حضرة الله. أُعلن أني أخاف الوصيَّهْ
وأخشى العواقبَ. خيراً يجاملُهُ الشرُّ..
شرّاً يميلُ إلى الخيرِ.. أخشى العواقبَ يا كلَّ أحفادنا فاعذروني
ولا تحرجوني
بحمّى سؤال الوصيَّهْ
فما من وصيّه
سوى أن تصونوا الوصيّه
بأني أحبُّ وأدعو لأحفادنا كل أحفادنا
بادئاً بالتحيه
ومنتهياً بالتحيّه
وما من وصيّه
سوى أن تصونوا الوصيَّه!
….
لبارئ أحفادنا حكمةٌ في الحياةِ وفي الموتِ
أحفادُنا يكبرون بحكمة بارئهم يكبرون
ويوم نزوِّجُ أحفادنا نتعلّم أنّا كبرنا قليلاً.. ولكن كبرنا
وصرنا
كفاكهة الغاب والريح والسنبله
رهائن أعماقنا المعضله
وصرنا
إذا غازلتْنا الصبايا فررنا
وعما يكون وما ينبغي أن يكون اعتذرنا
وباحت بأحزاننا الأسئله:
لماذا نفكِّرُ في أسهم الشركاتِ وفي صفقاتِ البنوكِ
ويرعبُنا الربحُ أكثرَ مما نخافُ الخساره؟
لماذا يفاجئنا حين نقطنُ بين المزابلِ
أنّا نصادفُ بعضَ القذاره؟
لماذا نصابُ بذعرٍ
لرائحةِ التبغِ في منفضه؟
(لماذا إذاً صنعوا المنفضه؟!)
وكيف نبرّرُ دهشتنا في المقاهي
لرائحة البنّ والهالِ؟
كيف تفاجئنا في الملاهي غيومُ الدخانِ
وجمرُ النراجيل.. والقرقره
وكيف نوبّخُ أحفادنا بالذي كان منّا
ألا إنها مسخره
كفى مسخره
وفي الجولة المقبله
سيطرحُ أحفادُنا الأسئله:
متى نتفهَّم حاجة جيراننا لقليلٍ من النومِ
حتى نكفَّ عن السهرةِ الصاخبَهْ؟
لماذا إلى بعد منتصف الليلِ تمتدُّ رقصاتُنا
والغناءُ النشازُ وصيحاتُ سكرتنا الكاذبَهْ؟
وتهريجُ شمعتنا الذائبَهْ
ظلاماً يسحُّ ظلاماً مع العتمةِ السائبَهْ
ومنذا يُبيحُ لأجهزة التلفزيون في الفجرِ
قبل ارتفاع الأذانِ ارتفاعَ الدعايةِ
للكوكا كولا وللجبنة المستريللا
وأقمشةِ الصين والفولكس….اغن؟
لماذا يصرُّ الرقيبُ المهيبُ الرهيبُ على عرض فيفي وروبي وهيفا
بصورةِ ناسكةٍ راهبَهْ؟
لماذا تصيح إذاعتنا وتهلِّلُ أنّا «انتصرنا»
ونارُ الهزيمةِ تأكلُ أدبارنا العاريه؟
لماذا نصيح «وصلنا».. وكلّ دروب البسيطةِ
ترفضُ أقدامَنا الحافيه؟
أنخدعُ أحفادنا ونخبيءُ فينا هواجسَ طقسِ الولادة والموت والحبّ والحلم؟ كيف نصارحُ أحفادنا بالحقيقةِ. لا شيءَ غير الحقيقةِ. في غَمْر دنيا تزول وتبقى. وعُمرٍ يطولُ ويقصُر. لا شيء غير الصراحة والصدقِ يسمو بأحفادنا في الحياةِ وفي الموتِ. لا شيءَ يُسعد أحفادنا غير فوضى السعادةِ. خيراً وشرّاً. جهاراً وسرّاً. ألسنا إذاً بعضَ أجدادنا
ألسنا إذاً بعض أولادنا
ألسنا إذاً بعض أحفادنا
وأحفادنا نحنُ. أحفادنا نحنُ حتى يشاؤوا
كما يبتغون
وما يشتهون
بما يحلمون
ونحنُ نشاءُ مشيئة أحفادنا في الحياةْ
ونحن سلالة أحفادنا.. والصلاةْ
على نسل أحفادنا.. والصلاةْ
على الكائناتْ
وأحفادِنا.. والحياةْ!
….
سنورثُ. لكن لمن سوف نورثُ مكتبةً عامره
بما اختزنتْ من غلال الحروف
ومن أمَّهاتِ المراجعْ
وفاكهةِ الذاكره
وسحرِ المطابعْ
ومن ثروةِ الكتب النادره
ونعلمُ أنّ زمانَ الورقْ
مضى.. واحترقْ
ولم يبق إلا غموضُ المواقعْ
وراءَ المواقعْ
ودهشةُ إنترنتّ المثيرةُ ملءَ العيون
وملءَ المسامعْ
وماذا سيفعل أحفادنا بالمحابر
وشوق الدفاتر
إلى قلم عانقتْهُ بعشقٍ أصابعُ شاعر
لمن سوف نورث نار المواجعْ
ونحن سحابٌ على الأرضِ عابر
وأحفادنا للسحابِ
ونحن لنار العذابِ ونارِ العذابِ ونار العذابِ
ونحن لأحفادنا في الحضورِ
ونحنُ لأحفادنا في الغيابِ..
ويضحكُ أحفادُنا الأوفياءْ
ونحن نصيحُ ابتهاجاً:»يوريكا!»
ويضحك أحفادنا الأذكياءْ
ونحن نزعبرُ «….يني»
ونصخبُ «….يدي»
ونزعقُ «….يتشي»
ونفتحُ نافذةً للبكاءْ
لأنّا خسرنا كثيراً. ولم يبق إلا القليل لدينا
لنورث أحفادنا الأوفياءْ
ونحنُ نحبُّ مع الله أحفادَنا ونصَلّي
ونوصي بهم كلَّ من يعرف الناسُ من أنبياءْ
ومن أجلهم سنصيح «يوريكا»
لأنّا نحبّ من القلبِ أحفادَنا.. ونحبُّ الوفاءْ
لأحفادنا.. ونصيحُ.. يوريكا
يوريكا.. يوريكا..
….
كبُرنا. كبُرنا
وصرنا
تروّعنا محنةُ الأوبئه
ونعلمُ أن مناعة أحفادنا مُرجَأه
ونُبصر شمعة ميلادهم في الزوابع تومضُ حيناً
وحيناً نراها على كعكة العيدِ باردةً مطفأه
ونحنُ تروّعنا الأوبئه
وأنفاسنا تنفث الأوبئه
وأطرافنا تفرزُ الأوبئه
وفي الجهل والفقر والقمع تنتشرُ الأوبئه
ونمقتُ آخرةً سيّئه
ونبدعُ آخرةً سيّئه
ونشكو لأحفادنا حالنا السيئه
ونخشى على نسل أحفادنا حالنا السيئه
لأن مناعتنا مرجأه
وحُمّى التكاثر تُلهي
وحمّى التكاثر أسوأ أسوأ من سيئه
وشمعة ميلادنا مطفأه
وأسوأ أسوأ من سيئه
وأقوالنا مخطئه
وأفعالنا مخطئه
وأسوأ أسوأ أسوأ أسوأ من سيّئه..
….
وأحفادنا يسمعون ولا يسمعون صلاتي الأخيرةَ
قبل الرحيل
على شرفةٍ في أعالي الجليل
تطلُّ على قبّة القدسِ فجراً
وعند المساءِ تطلُّ على كرمةٍ في الخليل
وأبصر من شرفتي الناصره
وبيروتَ والشامَ. أبصرُ عمّان والقاهره
وأبصر بغداد.. أبصر مكّةَ.. والقيروان
وكلّ حواضرنا العامره
وأبصرُ وجهك يا ربُّ.. أبصر وجهك
هذا الجميل البهيَّ الجليل
على شرفةٍ من أعالي الجليل
وأرفع وجهي وكفَّيَّ أرفع روحي إليك
ونارَ الأغاني ونورَ الندمْ
صلاتي الأخيرة قبل الرحيل
ألا أيها الربُّ بارك بلادي وأهلي
وبارك ثمارَ الألمْ
وبارك جميع الأُممْ
ويا ربُّ سامح بعدلك أرواحَ أجدادنا
ويسِّر لأولادنا
ويا ربُّ لطفاً بأحفادنا
وعطفاً على نسل أحفادنا
ويا ربُّ أغدقْ وعودك عيداً لأعيادنا
وكن مثلما كنتَ كن مثلما أنتَ يا ربُّ
مجداً وسعداً ووعداً
لأجدادنا
لأولادنا
لأحفادنا
وكن مثلما كنتَ كُن مثلما أنت يا ربُّ
نوراً يُضيءُ صراط الدم المستقيم
إلى جنّةٍ.. أو جحيم
وكن مثلما كنت كن مثلما أنتَ يا ربُّ
عيداً.. وعيداً..
وعيداً.. وعيداً
ويا ربُّ ها أنذا أتضرَّعْ
أناديكَ فاسمعْ
أنادي وأصرخُ ….يني القديمه
وأصرخُ ….يدي العقيمه
وأصرخُ ….يتشي العظيمه
أتيتُ رأيتُ انتصرتُ
أتيتُ جهلتُ انكسرتُ
أتيتُ ربحتُ خسرتُ
ظهرتُ وغبتُ
وعدتُ ظهرتُ وغبتُ
وعدتُ ظهرتُ لأصرخَ حبّاً وخوفاً وحزناً
إلهي إلهي أنا أتضرَّعْ
أناديك فاسمعْ
ويسِّر لأحفادنا
وبارك بأحفادنا
فمن نحن. من نحن. من نحن إن لم نكن يا إلهي
سلالةَ أحفادنا
وأحفادَ أحفادنا
إلهي.. تطلَّعْ
دمي يتوجَّعْ
فمي يتفجَّعْ
إلهي!! إلهي
أناديك.. فاسمعْ
وأحسِن وأكرِمْ
ويسِّر وأنعِمْ
إلهي.. وبارك بأحفادنا
إلهي.. وبارك.. لأحفادنا!
وأحفاد أحفاد أحفاد أحفاد أحفادنا!!
إلهي تطلَّع
أنادي. أصلِّي. وأخشَعْ
وأدعوكَ فاسمعْ
إلهي إلهي إلهي!!!
سميح محمد القاسم محمد الحسين
(الرامة- أيار (مايو) 2010)