حسن مدن
يستهلّ فريد رمضان روايته “المحيط الإنجليزي” بمشهد الربّان العُماني عبدالله بن حمود التوانقي الجالس على السطح المرتفع في مؤخرة السفينة التي تبخر عباب المحيط الهندي، وهو يُشعل أرجيلته ويمدّ قدميه الباردتين أمام موقد نحاسيّ تشتعل فيه الجمرات ليستشعر الدفء.
يبدو هذا المدخل إيذانًا بأن فريد الذي اعتدناه، في روايات ثلاث سابقة له، منشغلاً بموضوع تعدّد الهويات في بلده الصغير البحرين، ينطلق إلى الأفق الخليجي والإقليمي الأرحب، هو المدرك لحقيقة أن صيرورة وسيرورة الهويات في مجتمعه ليستا منفصلتين عن مثيلتهما في المجتمعات الخليجيّة المجاورة، في تفاعلها مع محيطها الأقرب، إن كان في اتجاه شبه الجزيرة الهنديّة وفارس أو في اتجاه القارة الإفريقية.
وهذا ما أشار إليه فريد نفسه، في حوار صحفي أجري معه بعد صدور “المحيط الإنجليزي”، حيث قال: “رواياتي السابقة كانت قائمةً على البطل الواحد ومحيطه الاجتماعي والمكان الواحد، وهي إمّا قرية أو مدينة في البحرين. هنا المسألة أضحت مختلفة مع بناء خطّين زمنيّين مختلفين، تتوالد معهما شخصيّات رئيسية كثيرة، تنتقل في فضاء مكانيٍّ شاسعٍ ما بين الهند الغربية وأفريقيا الشرقية وشبه الجزيرة وعمان وبلوشستان والبحرين”. (انظر: الحوار الذي أجراه ميرزا الخويلدي مع فريد في “الشرق الأوسط” – عدد 25/ 8/ 2020)
اهتمام فريد رمضان في الروايات السابقة لـ”المحيط الإنجليزي”، بالهويّات المختلفة في البحرين بسبب الهجرات المختلفة إليها، قاده إلى تقصّي جذورها في مدن ومناطق مختلفة كالبصرة في العراق، وساحل فارس، والأحساء والقطيف في شرقي الجزيرة العربية، وعُمان، وهو الاهتمام نفسه الذي دفعه إلى تقصّي جذور المواطنين من ذوي الأصول الإفريقية، الذين انتزع أجدادهم عنوة وقسرًا من مجتمعاتهم الأصلية، وجلبوا إلى المنطقة الخليجية في فترات تجارة الرقيق التي عرفتها، وهكذا بدأ البحث في زنجبار ثم ممباسا، متتبعاً تجارة الرّق على الساحل الشرقي من إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية، متوقفاً أمام مقادرير البطش وسوء المعاملة التي تعرض لها هؤلاء الأفارقة.
يشتغل فريد على مادّته الروائية بعناية الباحث الذي يجمع من مصادر البحث ومراجعه المختلفة كلّ العناصر الضروريّة لإقامة المعمار الروائيّ، بما يضمّه من أحداث ووقائع وتفاصيل أمكنة وشخوص تجمع بين الواقعيّ والمتخيّل، ويمكن أن يذهب إلى تجليس وقائع حصلت في تاريخ المكان الذي يكتب عنه على سياقات أخرى مختلفة، وينسب أفعالًا وقعت فعلاً في تاريخ الحيّز المكانيّ الذي تدور فيه أحداث رواياته إلى شخوص هم من ابتكار المخيّلة، أو هم حاصل تركيب بين الواقعيّ والمبتكر.
وفي غمرة بحثه أثناء التحضير لكتابة “المحيط الإنجليزي” تكشفت له، على ما يقول هو نفسه، تجارة أخرى وهجرة قسريّة أعادت له ذاكرة سقوط الأندلس، حيث أدّى سقوط المملكة البلوشية وتفكّكها وتقسيمها وحجم الهجرات التي ترتبت عليها إلى الساحل الغربي، بعد تقسيمها بين باكستان وأفغانستان، وأخيرًا انتزاع الدولة البهلوية الجزء الأخير المتبقي منها، وتنازل سلطنة عمان لباكستان بالأثر الأخير للحكم العربي فيها. مما أحدث أكبر هجرة للسكان من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية حيث دول الخليج العربية، وساعد على ذلك التواصل التاريخيّ العميق للنفوذ السياسيّ والتجاريّ العماني على “مكران” و”جوادر” سهولة الانتقال بين شرق إفريقيا، وصولاً إلى بسط شركة الهند الشرقية سيطرتها على البحر والأرض، وما تلا ذلك من تحكم الإنجليز في إدارة شؤون المنطقة. (انظر الحوار المشار إليه).
وانطلق فريد رمضان من واقعة غرق سفينة عربية وقعت، بالفعل، في المحيط الهندي، وعلى متنها أفارقة جلبوا كرقيق، هي التي قادته إلى الكشف، أيضاً، عن حجم أحلام التبشير بالمسيحيّة في شبه الجزيرة العربية وارتباطها مع الرّق والعبودية، وشكّلت الحروب القبلية وتجارة الرق في “مكران” مسارًا زمنيّا آخر عبر اختطاف شاب بلوشيّ، وبيعه في مطرح.
تتوازى الحكايتان في مسارين مختلفين، حتى تلتقيان في الفصل الأخير من الرواية، في نهاية تجمع من تبقى من شخصيات العمل الروائي، التي عاشت هجرات وعرفت تحوّلات وتبدلّات بلغت حدّ التحول من ديانة إلى أخرى، عند البعض منها، فنكون إزاء مشهد يجمع الهند ومكران وجوادر والمنامة ومطرح ومسقط وجدة ومكة وزنجبار.
لا تبدو روايات فريد رمضان، إجمالاً، سهلة، يمكن ولوج عوالمها منذ البداية، لكنّنا عندما نكون في منتصف كل واحدة منها لا نعود كما كنا في بدايتها، ولسنا كما سنكون عند نهايتها. في مطالع الرواية نحاول الإمساك بالخيوط الأولى لها، لأحداثها وشخوصها. كل شيء، في البداية، غامض ومبهم ومحيّر، فنحن في طور الاستكشاف، لكن عندما نستوي إلى منتصف الرواية، نكون قد كوّنا فكرة عن مسارها ومناخاتها وأحداثها وشخوصها، وأقمنا علاقة مع أبطالها. إنهم بمعنى من المعاني باتوا أصدقاء لنا: ربما نحبّهم، ربما نتعاطف معهم، ربما نشفق عليهم، ربما نحسدهم أو نغبطهم، وربما نكرههم أيضاً، لكننا نصبح أسرى الشعور بأن هؤلاء باتوا “أصحابًا” لنا أو معارف على الأقل.
ليس فريد رمضان الأول أو الوحيد بين الروائيين البحرينيّين، والخليجيين عامة، الذين اشتغلوا في رواياتهم على موضوع الهويّات، تاليًا، لكنه بالتأكيد أبرزهم وأشملهم رؤية وأكثرهم، بانوراميّة، في تناوله لهذا الموضوع، الذي يمكن القول إن فريد كرّس منتوجه الروائيّ له.
نجد اهتمامًا بموضوع الأصول المختلفة لمكونات المجتمع في البحرين عند كتاب قصة وروائيين بحرينيين آخرين، لعلّ عبدالله خليفة، على النطاق البحريني، أبرزهم في روايته ”الينابيع” التي يحضر فيها موضوع الرقّ الذي عرفته مجتمعات المنطقة في فترات من تاريخها، حيث يبحث، في الرواية، أحد أفراد من كانوا ضحايا هذا الرق، عن جذوره الإفريقية المتوغلة في أعماقه: ”أنتم تعرفون كيف كانت أسرتي، وكيف كنا ملحقين بهامش بيت، هو أشبه بالزريبة. وكان أبي وإخواني يعملون طوال النهار والليل في تنظيف القدور وطبخ وحمل الرضع. والسادة لهم أن يختلوا حتى بالبنات. أتعرف كم تحملت وقاسيت من كل هذه الإهانات؟ وتطاردك كلمة ”عبد” في كل مكان”. وتعاود السود ذكرياتهم وأحلامهم وطموحاتهم نحو الحرية أحيانًا: أتذكر كيف طلعنا نحن السود العبيد من كل الأزقة، وكنا كسيل من الأحجار والماء والثياب الرثة”. (أنظر: ضياء الكعبي: http://www.alwaqt.com/art.php?aid=140267)
وعلى المستوى غير البحريني، فإننا نجد في رواية “أيوب شاهين” للكاتب العماني سالم آل تويّه، مقاربة أخرى لموضوع الهويّات في المجتمع العماني، الذي كان في مرحلة تاريخيّة طويلة يشكّل إمبراطوريّة واسعة تمتدّ حدودها إلى أطراف آسيوية، إلى جوادر المدينة الساحليّة التي تقع الآن في حدود باكستان، وإلى سواحل فارس وشرقي أفريقيا، وعلينا من ثمّ توقّع مقدار التنوع في مجتمع كان بهذا الاتساع، حيث يشعر المتحدرون من أطراف الإمبراطورية التي تقلصت، بمقادير من الغربة في مركزها، الذي عادوا إليه، وبحنين غامض إلى مساقط رؤوسهم، حتى من قبل أفراد الجيل الأحدث الذي لا ذاكرة فعلية له في تلك المساقط، التي باتت تابعة لدول أخرى غير عمان، ومن هنا حرص الكاتب إظهار، وأحياناً، تقصي توزّع أفراد العائلة التي يتحدر منها شخوصه بين أمكنة مختلفة. إن عمان هي مكان الحدث، ولكن بوسعنا تتبع امتدادات هذه الشخوص في مناطق أخرى، كما هو حال المعلمة العمياء: “زمان” التي حفظ أيوب شاهين، شخصية الرواية الرئيسة القرآن على يديها.
لكنّ الأمر عند فريد رمضان أخذ بُعدًا متكاملاً يندرج في إطار مشروع انهمك الكاتب على إنجازه، وكان له أن يمتدّ لولا موته المبكر المباغت، حين يدور الحديث عن هجرات متنوّعة المصادر، ومن ثمّ فإنها متنوعة في تأثيرها الثقافي، وكما أسلفنا فإن انشغال فريد رمضان بموضوع الهوية، لم يبدأ بـ “المحيط الإنجليزي” حيث نجد هذا الانشغال، أيضاً، في روايات «التنور؛ غيمة لباب البحرين» (1994)، التي يبحث فيها في هويات «الهولة» (العرب القاطنين برّ فارس، حيث هاجروا مجدداً إلى أقاليم عربية في الخليج)، ويتناول تحوّلاتهم من الساحل الفارسي، حتى استقرارهم في الجانب العربي من الخليج، رواية «السوافح ماء النعيم» (2006)، التي تتقصى المجموعات السكانيّة التي هاجرت من الجنوب العراقي، ومن شرق السعوديّة. ورواية «البرزخ» (2000)، التي يتناول الكاتب فيها جذور هويات مواطنين بحرينيين من أصول عمانية وعراقيّة، تمتد في الهجرة والاستيطان في البحرين.
ولعل في رواية (التنور) ما يكاد يوجز هذا التنوع، حيث تبدأ الرواية في فضاء قرية/ ميناء إيراني يضجّ بالحركة اليوميّة للسفن وللمراكب المتنقلة بين مرفأ المنامة وبر دبي ومسقط وجزيرة الشيخ شعيب. في هذه القرية ذات الهويّة الفارسية من حيث الثقافة واللغة، يمكن لأهلها أن يسمعوا “صوت الطبل الذي يضرب عليه بابا عبود الكهل الأفريقي، ذو الأنف الكبير المفلطح، يضرب بإيقاع مميز، ويغني بخليط من الكلمات الفارسية والعربية والزنجبارية” (التنور/10).
في توضيح اهتمامه بموضوع الهويّة قال فريد: ربما لأنني أبحث عن ذاكرة مشتركة مع الآخر، ذاكرة تؤسس لفهم أوسع، اشتباك أعمق، وانزياح نحو “الأنا” في ذاتها وذوبانها. مذهبها، ودينها. إيمانها، وكفرها. في حقها وحقوقها. فيما لها وما عليها. هل لنا أن نتحدث بجرأة أكثر، ونتخيّل أن شبه الجزيرة العربية بحجمها كانت محميّة بين بحرين؛ البحر الأحمر وأفريقيا، والخليج العربي وآسيا على الجانب الآخر. هذا التوسيط كرّس عزلة شبه كاملة لها، إلا عبر طريق رحلة الشتاء والصيف، وموسم الحج الإبراهيمي في مكة، حتى تأسست الدولة الإسلامية المتعطشة للتوسع وعبور البحار نحو الآخر. أي آخر؟ حيث الهويات والأعراق واللغات، وحيث العالم وهو يبتلع كل شيء بما فيها حكم الدولة الإسلامية الذي انتهى بهويات وأجناس وأعراق أخرى تحكم باسمه ولا تمت بصلة بشبه الجزيرة العربية، وهذه صيرورة تاريخية ينبغي أن نعترف بها ونمضي نحو فهم الآخر فهما حضارياً، إذ ليس من المعقول أن نظل نتنادى باسم القبيلة والأصالة والنقاء العرقي ونحن في القرن الحادي والعشرين، حيث العالم قرية صغيرة. وفي غياب كامل لحق المواطنة الكاملة للإنسان العربي. وكأننا خارج التاريخ. ( انظر الحوار مع ميرزا الخويلدي).
تضغط ثيمة الموت بقسوة على روايات فريد رمضان، بصورة تلفت انتباه القارئ، و”يؤثث” الكاتب الفضاء الروائي بما يخدم طقس الموت الحاضر بقوة، كما يتجلّى ذلك في رواياته الثلاث الأولى خاصة، من خلال عنايته باختيار المكان المثقل بالحضور الطاغي للموت، ففي رواية “البرزخ”، تشكّل مقبرة المحرق مساحة واسعة لحركة الشخوص، وليس ذلك فحسب، وإنما باختيار مهنة الشخوص الأساسية في الرواية، مهنة حفار القبور، مع ما يحمله ذلك من شحنة عالية الدّلالات في العلاقة، في إحالتها لنا على طقس الموت.
ليس بالوسع أن نجزم بأن هذا الإلحاح على الموت ينبع في بعض أوجهه من علاقة بين ذاكرة محتملة للكاتب مع الفقد الناجم عن الموت، لكن يصعب تفادي غواية هذا الاحتمال خاصة إذا ما عدنا إلى كتابه «عطر أخير للعائلة»، الذي قال عنه الكاتب نفسه إنه: “يذهب إلى فحص تاريخ الموت في عائلتي، إلا أنه يكشف الكثير من تفاصيل حياتي وحياة العائلة”.
لكن الكاتب سيعبر برزخًا من الوعي والمعرفة، يجعله يرتقي بمفهوم الموت إلى مصاف التأمّل الفلسفي، لا لكي يجرّد هذا الموت من مغزاه المباشر كحدث فاجع تنقاد إليه شخوص رواياته، وإنما ليضفي على الفكرة مهابةً تجعل منها أبعد من ذلك بكثير. بالنسبة لفريد رمضان نفسه فإن “حضور الموت في العمل يصبح جزءًا مهمًا ضمن سياق الفكرة والبحث والدراسة”، ولكن ليس الموت وحده، ما يحضر، إذ تحضر الولادة أيضاً، وفي بعض الحالات، يحضر الاثنان معاً: الموت والولادة، وفي حالات أخرى يحضر أحدهما منفردًا.
إن الموت والولادة يحضران ضمن تخطيط واعٍ لسبب الولادات، وسبب الموت. وهو يرى أنه ليس ثمة رواية صادقة في سردها سوف تخضع لمثل هذه الإملاءات القسريّة على النص السردي؛ ذلك أن التّجربة ما إن تبدأ في سردها، حتى تتحول شخوصها من فعل متخيّل إلى فعل واقعي وحيّ، بمعنى أنها سوف تبدأ شيئًا فشيئًا باكتساب حضور خلاق، يتمرّد في أحيان كثيرة على التصورات الأوليّة المرسومة من قبل الكاتب، وهنا يمكن القول إن الحكاية وشخوصها يأخذون في التحرّر من سطوة الكاتب وفرض سياقاتهم الخاصة بهم، بل إنّهم أحيانا يقودون الكاتب إلى مواقع وسياقات لم يضعها في تخطيطاته الأولية.
ويعطي فريد رمضان مثلاً على ذلك شخصية “خاتون” في روايته “السوافح.. ماء النعيم” التي رسمها في البدء كشخصية مريضة مصابة بلعنة الجن، وتنتظر لحظة موتها بعد وصول كفنها الذي أرسلته إلى النجف ليلف به جسدها بعد مباركته للمكان المقدس هناك. ولكن عند نقطة ما، شعر بمدى تمرد هذه الشخصية لسياقها المرسوم، فما كان منها إلا أن غيّرت مسار حياتها باختفائها، وبعدم وصول الكفن، مع أنّ بعض من كتبوا عن الرواية خال لهم أنها ماتت، فيما هي، بكلمات فريد نفسه، ذهبت لتسجل قدرها الذي اختارته بنفسها. يقول فريد: “إن هذه التجربة علّمتني كثيرًا أن أحترم الشخوص وهي تتحول إلى كيانات لها استقلاليّتها الكاملة في أن تقود الكاتب نحو مصائرها، لا أن يقودها الكاتب نحو ما يريد هو”.
وحول هذا التّفصيل تحديدًا نفهم من سياق تقديم فريد لـ”المحيط الإنجليزي” أنّ مسار العمل خرج عن التخطيط الأول، وربما يكون فريد لم يرد، في البداية، أكثر من تتبع مسار جلب الرقيق من إفريقيا إلى البحرين نفسها، استكمالاً لمشروعه، كما رأيناه في رواياته السابقة في بحث ما أتت به الهجرات، طوعيّة كانت أو قسريّة، من آثار على تشكيل النسيج المحليّ، فمع كونها اندمجت في هذا النسيج، لكنّها ظلت محتفظة بالسمات التي اكتسبتها في المجتمعات التي هاجرت منها، وورثتها إلى الأجيال التالية منها، وغدت، بالنتيجة، عنصراً من عناصر تكوين الهوية الوطنية في المجتمع.
ولكن البحث في هذا المسار هو الذي قاد فريد إلى الخروج من الحيّز المحلي نحو الحيز الأشمل، فرأى بعين أوسع تعدّد مصائر أهل هذه الهجرات، وتوزعهم على أكثر من مكان في بلدان المنطقة، ما يجعل البحث عن جذورهم يقود، بالنتيجة، للبحث في مسارات الهجرة من الأوطان الأصل، التي لم تحملهم جميعاً إلى المكان نفسه، كحيّز جغرافي ملموس، ما يقتضي التفتيش في أواصر القربى، بكافة صور هذه القربى، بين هؤلاء الأفراد.
في النهاية يمكن القول إن اشتغالات فريد رمضان على موضوع الهويّة، باتت مصدراً ثرياً للتعرّف على مكونات الهويّة الشاملة في مجتمعاتنا، لا بهدف تفكيكها إلى مجموعة هويات متنافرة، وإنما بالعكس تماماً للتأكيد على اندماجها في نسيج وطني ومجتمعي، يجب تعزيز تماسكه، بالتأكيد على قيم المواطنة الحقّة، النافية لكافة صور التمييز، رسمية كانت أو مجتمعية.