كانت أمسية فخري الشهير ب«الدكتور» ليست طيبة، فالصيدلي الذي يمتلك الصيدلية التي يعمل بها حذره بشدة هذه المرة تحذيرًا أبسطه الطرد لو رآه واقفاً بالصيدلية مخدراً أو يبيع العقاقير التي أدرجتها وزارة الصحة في جدول المخدرات بروشتات أو بغير روشتة،وتمادى الصيدلي وقرر نقله إلى قسم الروائح والتجميل ليبيع مزيلات العرق والعطور للنساء.. وكان فخري قد قرر أن يرد الصاع صاعين إذا ما نفذ الصيدلي تهديده .. أن يجمع هو وزبائنه زجاجات العقاقير وشرائط الأدوية المخدرة ويلقونها يومياً ليلاً أمام باب الصيدلية ثم يبلغوا عنه فيصدر قرار بإغلاقها إلى حين.. أو يسلط أحد أصدقائه فيعلّم الصيدلي في وجهه بالمطواة وهو يهمس له: الهدية دي باعتهالك فخري وبكره هدية أكبر .. فيجبن الصيدلي ويضطر لإعادة فخري إلى مكانه المعتاد.
تجرع فخري زجاجة الكودافين كاملة ثم دخل ليستحم.. عاد بعدها ليقف أمام المرآة وبدأ يمشط شعره بعناية ..ويتأمل عينيه الخضراوين (في الحقيقة عينا فخري بنيتان كالحيتان) .. كان قد حلق ذقنه لكنه رأى شعيرة صغيرة تبرز من أسفل ذقنه .. بالملقاط نزعها ثم مر على الشعر الذى بداخل أذنيه .. وعاد إلى وجهه يزجج حواجبه .. لكن في كل مرة يكون فيها قد انتهى يرى شعرة أخرى نبتت في الوجه .. أو تتحرك الخصلة التي في مقدمة الرأس أو يبدو الكريم الذي دهن به شعر رأسه قد انطفأ بريقه فيعيد تلميعه .. استمر طويلاً يتأمل نفسه ويعيد شم إبطيه بعد رشهما بمزيل العرق والعطر.. ثم انتبه لموسيقى جميلة غريبة تنبعث من جهاز التلفزيون فالتفت .. وكالمجذوب تحرك ورقد على الأريكة التي أمام الجهاز .. ومضى يتأمل بعينيه الفيلم الأجنبي والرقصات المبهرة التي يقدمها أبطاله .. ثم سرعان ما تصور نفسه بطلاً للفيلم وظل يدور بجسده داخل الشاشة وهو يحتضن البطلة والناس يصفقون حتى نام.
في صبيحة اليوم التالي وكان يوم جمعة، جلس فخري على المقهى البلدي الصغير المتوج عليه زعيماً وهو لا يعلم أن هذا اليوم سيكون يوماً فاصلاً في حياته، أحضر له القهوجي كوب شاي ووقف قبالته مغتاظا حتى انتهى فخري من شرب زجاجة الباراكودايين كاملة ثم نزع من يد فخري الزجاجة الفارغة .. بوغت فخري وسأله بدهشة : إنتَ عايز تجرّب .. أنا معايا قزازة تانية.
رد القهوجي معترضاً وهو يشوح بيده : أخدتها عشان مترمهاش على الأرض وتوجع دماغنا مع الحكومة.
نهره فخري وعيناه قد بدأتا تتلونان: غور من قدامي.. متعكننيش في الاصطباحة.
تركه القهوجي وهو يتمتم بحنق وتوجه تجاه النصبة، مر بائع بطاطا ووقف بحماقة أمام المقهى، فطلب منه فخري قطعة بجنيه، لفها وتركها على المنضدة أمام فخري الذي ظل ينقل البصر بين البائع وقطعة البطاطا وهو يقول : قلت لك بجنيه، رد البائع بغيظ : – هو انتَ عايز العربية كلها بجنيه!
كان مفعول الباراكودايين قد بدأ ينشط واكتسى بياض عينىّ فخري باللون الأحمر كلية، تراجع البائع متّقيا الشر وعاد بقطعة أخرى في حجم نصف القطعة التي أمام فخري ثم سرعان ما رجع إلى عربته، أعاد فخري النظر إليه وإلى القطعة الإضافية ثم صرخ فيه :
الملح والشطة يا حمار.
تماسك البائع وأحضر الملح والشطة وهو يقول لفخري بهدوء ولوم :
أنا مش حمار يا أستاذ .. أنا بني آدم.
ألقى فخري بكوب الشاي الذي كان قد برد قليلاً ملطخاً به جلباب البائع ورقبته، اشتبك البائع مع فخري الذي نهض ولكمه بعنف في وجهه، ترنح البائع ووقع على الأرض، تدخل الجالسون وفضوا الاشتباك ضاغطين على فخري ليعاود الجلوس وعلى البائع ليرحل، تحرك البائع غير بعيد عن المقهى واستقر أسفل بيت قديم وظل يسب ويلعن فخري الذي تكاتف عليه الجالسون والقهوجي ومنعوه من النهوض ومعاودة ضرب البائع.
كانت شوقية تقف في بلكونة الدور الثاني للبيت الذي استقر أسفله البائع تعيس الحظ.. شوقية امرأة في الثلاثينات من العمر مشهورة بأنها رفيقة فخري .. الحارة كلها تعلم ذلك حتى أمها القعيدة وأخوها السوابق، كانت شوقية يأكلها الغيظ بعدما رأت فخري يُسب ويُشتم أمام كل الحارة، نادت بهدوء على البائع وهي تدلّى له «السّبت» وطلبت منه أن يضع فيه بطاطا بجنيه، توقف البائع عن سباب فخري وانتبه للبيع، وضع لها الطلب ووقف ينتظر أن تقذف له بالجنيه، كانت شوقيه مشغولة بتفحص البطاطا تحاول أن تجد عيباً أو «تلكيكة» للبائع ..الذى رفع صوته مطالباً بالجنيه، فاشتاطت شوقية غضباً ثم صرخت فيه : جنيه إيه ياخول ..
ثم فعصت البطاطا بيدها وهي تريها للجارات المحتشدات بالبلكونات وشخرت وهي تلقى بها فوق قفا البائع وتسبه أقذر سباب، ارتبك البائع ومضى ينظف جلبابه من بقايا البطاطا المهروسة وليس على لسانه إلا كلمة واحدة : فيه إيه يا حاجّه ؟ .. فيه إيه يا حاجّه ؟
جلجل صوت شوقيه وهي تصرخ فيه : حاجّه يا ابن اللبوة .. باعتلي حتة بطاطا معفنة ومهروسة يا ابن الوسخة..
انتبه البائع أخيراً للشتائم المقذعة فصرخ فيها : أنا ابن وسخة .. أنا مضربش مَرَة .. إبعتيلي الراجل الليّ عندك ..
اختفت شوقية من البلكونه، ولم يتوقع البائع أن تنزل إليه وتغابى فلم يترك المكان بسرعة، وما هي إلا دقائق معدودات وكانت شوقية قد أمسكت بياقة جلبابه بيد وانهالت بالشبشب على رأسه باليد الأخرى وركلته بقدمها في حوضه فوقع على الأرض، ثم جاء أخوها السوابق رافعاً مطواته المفتوحة وعلّمه على جبينه وخده حتى أنقذه العابرون، بدا البائع مذهولاً تماماً من الموقف وهو ملقى على الأرض ..جلبابه ملطخ بالوحل وبقع الدم، بكاؤه كالأطفال هو الذي أنقذه ذلك اليوم، وبعد أن غسل له الرجال وجهه وصدره وكوعيه وتطوعت جارة بغسل جلبابه، وبعد جلوسه بالفانلة واللباس على جريدة قديمة أمام الرايح والجاي قرر البائع أن يعود إلى قريته وألا يعود مطلقاً إلى القاهرة.
كان هذا اليوم ليس ضمن الأيام المتفق عليها لمضاجعة شوقية ولكن فخري قد تورط بدفاع شوقية عنه ولابد أن يرد لها الجميل، أعطاها «ميسد كول» على الموبايل فكلمته واتفقا أن يلتقيا بعد الغروب، أعطى فخري مجموعة من البرشام وعلبة سجائر روثمان لأخيها السوابق وهو يحتضنه ويشكره على وقوفه مع ابن حتته، وفهم السوابق الرسالة، وأوعز فخري إليه أن يختفي فربما أبلغ البائع عنه.. «وانت مش ناقص»، غادر البلطجي الشارع بسرعة لكنه قبل أن يختفي صرخ على أخته وهو أسفل البيت، وفخري لا يزال واقفاً بجواره: بت يا شوقيه.
خرجت شوقيه إلى البلكونه وعندما رأتهما معاً حيّت فخري وتوجهت إليه بالكلام : إزيّك يا فخري؟
ركب العصبي أخاها البلطجي فصرخ فيها : يا بنت الوسخة هو انا مش بكلّمك؟
ردت بميوعة لا تتفق مع سنها ولا جسدها : أيوه يا رشاد .. عايز إيه؟
عاود رشاد الصراخ : تترزعي عندك جمب أمك ما تخرجيش .. أنا هبات بره النهارده .. لو سمعت إنك عتبتي عتبة البيت حادفنك على بابه.
ضحكت شوقية برقاعة وهي تقول : من عنيا يا اخويا ..
ثم اختفت من البلكونه تكاد ترقص، كانت لفخري صاحبات كثيرات لكن شوقية هى التي تتربع داخل قلبه، فهي التي تعلم معها الجنس منذ مراهقتهما، والوحيدة التي سمحت له بأن يشارك فيها أزواجها الثلاثة المتعاقبين، وكل ورقة طلاق نالتها كان فخري هو السبب فيها سواء بقصد أو بعفوية، وعندما بلغت شوقية الثلاثين وزهد فيها طلاب الزواج خاصة بعد أن أنهكها فخري وأزواجها السابقون وجعلوها تبدو كمن في نهاية الأربعينات، بالإضافة إلى أن ارتباط فخري بها كالعلقة جعل سيرتها على كل لسان، كان فخري يحبها بجد ويعشقها جداً وحال بين زواجهما اختلاف الدين وعائلته التي أغلبها رهبان وقساوسة .. كانت أمتع متع فخري في الحياة تعاطي وبيع الحبوب المخدرة والجنس مع شوقية وتسجيل لقاءاتهما الجنسية على جهاز المحمول .. وكان فخري لا يجد حرجاً في أن يشاهد كل أصدقائه ومعارفه أوضاع شوقية الجنسية، ودلالها وهي تتعرى كاملة أو تقدم للكاميرا أحد ثدييها اللذين يشبهان ضرعىّ البقرة، وهى تدلك بشبق حلمته التي تبدو كحبة البلح السكوتي الصغيرة، ويتمادى فخري في كرمه ويصر أن يسمّعك ما سجله صوتياً أثناء اللقاء أو في اتصالاتها الهاتفية وهي تطالبه بالمزيد والمزيد .. فتسمع حواراً بذيئاً مليئاً بالفحش والفجور والغنج .. أكثر ما كان يدهشني غير وقوفها تستعرض جسدها الذى يشبه جوال البطاطس أمام الكاميرا، هو يقينها بأن فخري رفيقها الذي تعرفه جيداً وتعرف انه يعيش حياته مخدراً على الدوام من الممكن أن يؤتمن على سر وأنه لن يري مخلوقًا تفحشها.
بعد الغروب جلس فخري في «الميكروباص» حاملاً حقيبته «الهاندباج» على ظهره وسرعان ما نام تحت تأثير المخدر غير آبهٍ لحكايات شوقية بصوت مفضوح عن الحارة وهو ما ألزم الركاب الصمت مسترقين السمع ومرتجفين من صاحبة هذا اللسان السليط الذي لا يعرف العيب.
في المنطقة الرابعة من حي أكتوبر المسلّمة للسكان منذ بضعة أشهر تجول فخري وشوقية بين شوارعها غير الممهدة حتى بلغا الطرف الأقصى من المنطقة، تأمل فخري العمارات الشاهقة مركزاً منتقياً عمارات لا يطل من بلكوناتها سكان يتسامرون أو تتدلى منها حبال غسيل أو مكيفات معلقة على الواجهات دالة على أن المكان بالداخل مأهول . تفحص فخري بإمعان وهو يستبعد أيضاً العمارات التي يدخلها أخشاب أو حديد أو شكاير أسمنت، فهذا معناه أن هناك خفيراً يحرس هذه الأشياء. أخيراً وقع اختيارهما على العمارة المناسبة، ودخل فخري يستطلع المكان بينما شوقية بالخارج .. في منور العمارة ظل فخري يهتف بزعيق : إبراهيم .. إبراهيم ..(كمن ينادى على أحد يعرفه )
وعندما لم يرد عليه أحد، استكشف الدورين العلويين ثم فتح بتليتة البنطلون كمن يهم بالتبول وعندما لم يجد أحداً نزل واصطحب شوقية إلى الدور الأول فوق المحلات التجارية التي يبدو أن أحدًا لم يتسلمها بعد، أزاح بقدمه الطوب الأحمر الصغير والزلط والرمل الذي يفترش الأرضية الأسمنتية ثم خلع حقيبته الهاندباج وبدأ يخرج منها بطانية صغيرة فرشها على الأرض، ثم وضع عليها ملاءة وارتدى التريننج سوت بينما شوقية تخرج زجاجة المياه وتورمس الشاي وبعض الأغذية الخفيفة، ابتلع فخري مزيج الأقراص الذي أعده وشرب بعده، ثم استحثها على خلع ملابسها، نزعت شوقية بسرعة العباءة السوداء التي كانت ترتديها ثم لفتها ووضعتها تحت رأسها ورقدت على البطانية،كان فخري يلتهم سيجارته ويشرب كوب الشاي لكنها لم تمهله وخطفت من يده الكوب وشربت ما بقى فيه بسرعة،، ثم اجتذبته نحوها واحتضنته وهرسته وبدأ اللقاء لمدة ساعة ..ساعتين (فخري يفقد الزمن بعد تعاطي الأقراص.. وقد أخبرنى لاحقًا أنه شرب زجاجة توسيفان كاملة وابتلع عدة أقراص ترامادول «لتأخير القذف «بما تحتويه من مادة الموريفين مع قرص فياجرا في الميكروباص على معدة فاضية ثم دهن قضيبه بمرهم اللوجاكايين المخصص لمرضى البواسير وهو مخدر موضعى فائق السرعة ودقيق المفعول) .. ارتاحا عقب اللقاء قليلاً ثم بدأت في إثارته مرة أخرى مما دفعه لإخراج محموله وبدأ في تصويرها وعندما تدللت وتغنجت بدأ يسجل لها وهو يفعص في جسدها وهي تقهقه وتفتح بالوعة البذاءة .. لحظات قليلة من الزمن وبدأت تتحقق أمنية بائع البطاطا الذي خرج من الحارة وهو يدعو على فخري وشوقية بأن يخرب الله بيتهما .. دخل عليهما الخفير ومعه مخلاته وبدا كأنه عائد من سفر طويل .. توقفت ضحكات شوقية الماجنة وتأخر رد فعل فخري بفعل المخدر مما دفع الخفير للهجوم عليه متوعداً، قفز فخري بعيداً وانشغل بإخراج المطواة وفتحها مما أربك الخفير وجعله يتراجع، واستغلت شوقية انشغالهما وجرت إلى الغرفة المقابلة بعد أن لمحت لوحًا خشبيًا مكسورًا ملقى على الأرض، أتت به بسرعة وكان ظهر الخفير يتراجع في مواجهتها فانهالت ضرباً على رأسه بالمسامير المثبتة فيه، فصرخ الغفير من وقع الضربات ثم همد مغروساً في بطنه حد مطواة فخري .
غادرت شوقية وفخري المكان بسرعة دون أن ينتبه إليهما أحد أو هكذا تصورا .. في نفس الليلة بعد أن أوصل فخري شوقية حكى لي الحكاية ولم ينجح المخدر في إخفاء توتره وعندما سألته هل إصابة الخفير بالغة ؟ .. قال متصنعاً البرود : غرزة .. غرزتين في بطنه ..
في صبيحة اليوم التالي عندما كتبت الصحف عن مقتل خفير في ظروف غامضة وذكرت اسم المنطقة بدقة، اختفى فخري عن حيّنا أيامًا قليلة.. وبعدها رأيناه ينزل من بوكس الشرطة وفي يده الأصفاد مشيرًا بهما ناحية بيت شوقية، فصعد المخبرون وسرعان ما أحضروها وادخلوها البوكس معه .
سيكون عليّ من الآن متابعة المحاكمة حتى أعرف مدة حبسه بدقة، وسأكون مجبراً على الرحيل عن هذا الحي سريعاً، فربما لم يقص هذه الحكاية لأحد غيري ويظن أنني الذي أبلغت عنه.
مكــــاوي سعيــــد
كاتب من مصر