هيكل النص:
. لوحات درامية شعبية راقصة تؤدى بلهجات محكية مملوحة… حرّاقة ودافئة.
. الفضاء الدرامي مدينة مسقط.
الإهداء…
إلى الجميلات .. والراقصات .. والبائسات في كل مكان.
الفضاء الدرامي
. الزمان والمكان مفتوحان على البارحة وعلى اللحظة الجارحة.
. تبدأ الإضاءة الظهور بالتدريج لتكشف لنا عن وجود محلات صالونات الزينة مصطفة جنبا إلى جنب. في كل صالون يوجد عدد من النساء سيتم تحديدهن لاحقا حسب السياق والوظيفة.
الفواعل الرئيسية
زبيدة: يمنية… خبيرة تصميم ملابس.
يارا: لبنانية… خبيرة مكياج.
نرجس: تونسية… خبيرة إكسسوار وتنظيف بشرة.
هداية: سودانية… مصففة شعر ونقش حناء.
الست زمردة = المقاتلة الأم وعسكرها: عمانية… وصاحبة الصالونات.
الممثلات من أربعة بلدان مختلفة، يُشكلن بشكل عام تركيبة بلاد الشام، والخليج، والمغرب، وأفريقيا.
(*) الفواعل المقترحة يمكن استبدالها بأخريات من بلاد العرب أوطاني وأحزاني، وذلك حسب إضاءة المخرج.
القصد من هذا التجمع توحيد اهتمامات المرأة بجسدها في دال متقارب مع اختلاف عذاباتهن وآلامهن وفقا لتباين تكوينهن النفساني والاجتماعي والثقافي والسياسي.
الفواعل الثانوية
– امرأة ستصفف شعرها.
– امرأة ستضع مكياجها.
– امرأة ستختار الملابس وتجرّبها.
– امرأة ستختار الإكسسوارات وتجرّبها.
– فرقة نسائية شعبية راقصة متكاملة العناصر.
– بنات أعمارهن ما بين 9-10 سنوات.
اللوحة الأولى
– تفتح الإضاءة على المنصة. إضاءة خافتة على الصالونات.
تدخل يارا ونرجس وهداية بملابس عصرية وعادية (كجول). يتصرفن بتلقائية من منطلق معرفتهن السابقة ببعض.
– تدخل زبيدة وتبدو غير متأكدة من المكان!
– الجميلات يتفحصن زبيدة ثم يبتعدن عنها إلى زاوية ويهمسن بصوت غير مسموع.
زبيدة (بأدب وابتسامة كبيرة): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
– يارا ونرجس وهداية يقتربن منها ويتأملنها، ثم يبتعدن عنها بمسافة. يؤدين معا حركات رياضية معينة شبيهة بحركات اليوجا الرشيقة، ثم يضحكن بأريحية.
نرجس وهي تقترب من زبيدة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
زبيدة (تهم بالكلام فتقاطعها نرجس): أأأأأ
نرجس (بازدراء): قلنا وعليكم السلام….
يارا (بعنف): اختصري يا أختي.
زبيدة: إيش يعني؟
نرجس (بازدراء مضاعف): يعني اللهم صلي على النبي.
– الجميلات يضحكن بأريحية وهن يرددن بتفاوت: «عليه الصلاة والسلام»، بينما ترسم يارا إشارة الصليب.
هداية: اسمي هداية… سودانية.
نرجس: وأنا نرجس تونسية.
يارا [بطريقة الإعلانات]: أنا ياااااااااااااااااارااااااااااااااااا من لبنان… تشرفنا.
زبيدة: وأنا زبيدة.
– النساء بحركة من وجوههن يردنها أن تواصل.
زبيدة: من اليمن.
– تقف نرجس وهداية ويارا في صف واحد بعيدات بخطوة عن زبيدة وبصوت واحد يسألنها: والأخت جاية تعمل إيه؟
زبيدة: التاكسي وقفني ونزلت. أحب أعرف هل هذا صالون الست… (يقاطعها ضحكهن معا)
يارا (وهي تقترب منها): يا حلوة هيدى الصالونات إللي شايفتيها كلّلا للست…
هداية: بتسألي عن ياتو صالون؟
نرجس: يا جماعة أعطوها فرصة تتكلم.
يارا(كأنها شرطية): حكي بسرعة. انتي شو بدك؟ وشو جاية تعملي هون؟ وشو رقم ستيانك؟ وشو رقم….
زبيدة (تجاوب بسرعة وبخوف وببكاء): أنا اسمي زبيدة، جيت من اليمن لزيارة عمتي في ظفار.. ورقم ستياني 28بي… والرقم الثاني ما سمعته… وركبت الباص وجيت لمسقط أدور على شغل في صالون الست…
هداية (بتعاطف) : يا ساتر…. بس ما تبكي … كده بتقطعي قلبي يا زولة.
نرجس (باستغراب) : وما لقيتيش خدمة هنا إلا في الصالون؟ وعند الست؟
زبيدة: العين بصيرة واليد قصيرة… جار عليَّ الزمن… خلصت الثانوي وما أدّيت مجموع يدخلني الطب… ولما قامت الثورة قلنا بنفتك وما افتكينا..
نرجس: شنوه تقصدي؟
زبيدة: قصدي أقول باختصار مفيد جدا إن النفط خلص… والغاز خلص… والماء خلص… ما بقي شيء.
يارا (تواجها): ما تحكي هيك حبيبتي… باقي شي واحد. (تضرب على مؤخرتها)
زبيدة (مخضوضة) : أستغفر الله… عيب يا أخت يارا..
يارا (بعنف) : ولك شو بدك تعلميني شو العيب؟!
هداية: سايقه عليك العذرى تسكتي يا يارا؟
يارا: سمعوا التانية شو عم تحكي (بعصبية وهي تضرب على مؤخرتها) إذا بكرا ما أجت الطائفية والأخونجية وخلصوا على كل إشيِ.. ما بكون أنا يارا… (باستهتار) وكأنك يا بو زيد ما غزيت!
زبيدة: قصدش تقوليِ كأنك يا بو العزيزي ما احترقت!
يارا: شو… الأخت بتعرف تحكي سياسة؟!
زبيدة: لا. عمتي تتكلم في السياسة كتيييير وأنا أسمع.
نرجس: يا البنات بدلو هالموضوع وخلونا نحكو في حاجة أخرى.
يارا: شي متل شو ست نرجس؟
نرجس: نحكو في المسرح.
هداية: وإنتي عندك حاجه تاني نهرج بيها غير المسرح؟
نرجس: خلوني نكمللكم قصة البنت أنيجونا.
زبيدة (بفضول): من هاذي أنتيجونا؟
يارا (بسخرية): كوافيرة شعر الست.
نرجس (بغضب): ردي بالك من كلامك يارا! نقبل المزاح إلا في الشي اللي يخصني.
يارا (زعيق): وشو بتخصك أنتيجون مدموزيل؟ أصحا تكونوا ربيانين سوا وما حدا بيعرف.
هداية: يا يارا ويا نرجس عليكم الله خلو الشكل للأمريكان واليهود.. تعالي يا زبيدة (تسحبها من يدها وتجلسها في مكان) وأنت يا يارا وأنا يا هداية بنقعد هنا ورا زبيدة كأننا في صف المدرسة الإبتدائي (تسحبها وتجلسان) تفضلي يا نرجس كملي حكاية البت أنتيجون.
– الإضاءة تختلف.
نرجس: ولما ألقى الحارس القبض على أنتيجونا وهي تدفن أخاها الممنوع دفنه، سحبها للمَلك الكريه كريون وتواجها..
يارا (تعلق): الله يقطع نصه التحتاني.
زبيدة: اسكتي يا أخت يارا نريد نسمع..
هداية (تعنفهما) : اسكتوا يا جماعة عليكم النبي خلوا نرجس تكمل.
نرجس (ضمن حوار مركب تؤدي دور أنتيجونا أمام كريون): « لا لكلمة منك تسرُّني، وآمل ألا تسرّني أية كلمة منك أبدا. وفضلا عن ذلك، فهل كلماتي من شأنها أن تسوءك؟ وهل في وسعي أن أنال مجدا نبيلا أكبر من أن أواري أخي في قبر؟ وهذا أيضا هو ما كان سيصفق له كل هؤلاء الذين تراهم، لولا أن الخوف أغلق أفواههم: لكنّ هذه هي احدى مزايا الطغيان- إلى جانب مزايا عديدة أخرى- وهي أن مِنْ حقّه أن يقول وأن يفعل ما يريد على وجه الإطلاق»(1)
– تخفت الإضاءة وتختفي نرجس.
يارا: عجبتني هالجملة «على وجه الإطلاق».
هداية: بالمناسبة حصة المسرح كانت حلوة شديد… لكن لَمْن أسمعها من نرجس تبقه شيء تاني..
زبيدة (تقترب من يارا): إيش بتكون نهاية أنتيجونا؟
يارا (تبتعد عنها): فيك تسألي نرجس، هي دارسة مسرح وبتعرف.
نرجس (وهي تدخل): يا البنات ما عادش وقت، هيا نبدأ الخدمة… بتعرفوا آخر الأسبوع الصالون ضغط.
يارا: بـ الأول خلينا نتعرف على الأخت. حضرتك جاية تشتغلي مثلنا بالصالون؟
زبيدة: ليش أنتن بتشتغلن في هذا الصالون بعد؟
نرجس: كيف كيف..
يارا: كيف بكيف…
زبيدة (تحرك رأسها دلالة الفهم): هههههههها سيم سيم…
هداية: الأخت دايرة تهظر يا بنات… الظاهر حننبسط كتير.
– يؤدى الحوار القادم على طريقة الدعاية والإعلانات الإشهارية في الفضائيات وبطريقة مبالغ فيها نسبيا.
يارا (باستعراض) : بحط وبشيل كل أنواع الأصباغ. من مكياج نفرتيتي وهيكوبة، إلى فاتن حمامة وهيفاء وهبي. (تزغرد واحدة)
هداية (باستعراض): الشعر الطويل تخصصي، وأما القصير فأزيته.. وأحقنه بحقنة.. وأطوله. أتوجك ملكة بشعرك.. وأخلي اللي يتفرج … يتقدم… يدفع ويشتري… ويقول أحْ يا عيوني (تزغرد واحدة)
نرجس (باستعراض) : رنة خلخالك من تصميمي… حولين خصرك حزامي الماركة… وفي أذنيك أجمل قرطين.. وفي عنقك جواهر حريم السلطان. (تزغرد واحدة)
زبيدة (باستعراض) : جلبابك المحتشم… ثوبك أبو ذيل… عبايتك الحلوة المزركشة… قميص نومك المشخلع… أخليها كفستانين الزفاف المَلكية.. شيلتك أبخرها وأعطرها وتزيني بها راسك التاج.. وشيلة ثانية تتحزمي بها وترقصي. (تزغرد واحدة)
– على آخر زغرودة تدخل الإيقاعيتان يضربن على الطبل فتدخل جميع النسوة في وصلة رقص محموم..
– صوت نسائي من الكواليس: إعلانات مبوبة… إعلانات مبوبة .. إعلانات مبوبة ..
– النساء الأربع يلتففن حول أنفسهن بفرح، ومع الصوت القادم من الكواليس يبتهجن ويواصلن الحوار. على الإيقاعيتين الضرب بالقوة على الطبل بعد كل جملة تقولها النسوة على هيئة التنبيه. وصيغة الإعلان تقال هنا بالفصحى.
نرجس (بطريقة إعلانية مبالغ فيها): «ألماس تيفاني عندنا… تعدى حدود الندرة، فلا توجد أحجار كريمة تضاهيه في قيمته أو ترقى إلى معايير صياغته، فألماس بهذا الجمال الخلاّب مصاغا في خواتم فاخرة لا يوجد إلا لدى تيفاني… وتيفاني صار في صالونات الست زمردة» (ضرب على الطبل)
هداية (بطريقة إعلانية مبالغ فيها): هل تعلمين أن سرّ الشعور بالرضا عن النفس سببه عنايتك بشامبو شعرك الخاص وبمكياجك الموسمي؟ ست إطلالات تُزينين بها وجهك وتسريحتك بما يتوافق ومناسباتك وأوقاتها.. كل هذا تجدينه… (ضرب على الطبل) في مقر صالون زمردة الجديد بالسكة الشرقية. (ضرب على الطبل)
يارا (بطريقة إعلانية مبالغ فيها): ماسكارة رموش كليوباترا… مشدات مارلين مونرو… إصبع روج جوليا كرستيفا…أطلقي العنان للعاهرة الكامنة في داخلك… (ضرب على الطبل) فرشاة ماسكارا بزاوية مشطوبة مع شعيرات قصيرة… مشدات مع مظهر ناااااافر بمرتين… تجدينه حتما عند الست زمردة (ضرب على الطبل)
زبيدة (بطريقة إعلانية مبالغ فيها): لتحافظي على قوام رشيق بعد الحمل والوضع… جربي منتوجاتنا الخاصة التي ستزيدك بهاءً وضياءً وتألقا.. زوري صالونات زمردة فيها الراحة والسلوى والهناء.. (ضرب على الطبل)
صوت نسائي من الكواليس: إعلانات مبوبة… إعلانات مبوبة… إعلانات… إعلانات….
– تخفت درجة الإضاءة. تخرج جميع النساء في جملة إعلانات مبوبة… إعلانات… إعلانات… إعلانات…
اللوحة الثانية
– ترتفع الإضاءة بالتدريج. المنصة عارية. صوت البوق نذير الفرح. تدخل المجموعة الراقصة كل واحدة تضع فوق رأسها أو على كتفها أيقونات نسائية من الموضة المعاصرة كالقبعة والبروش وجلد حيوان والفرو ومجسمات للهواتف الذكية. تتحرك المجموعة في الساحة الفارغة كأنها تطرق الأبواب وتعلن عن داعي الفرح. على حركة النساء أن تكون خفيفة ورشيقة بحيث تتحرك دون أن يشعر المتفرج بجلبتها التي يُحدثها خطوها السريع على المنصة بأيّ ثقل.
– شكل المناداة هنا تقليدي جدا وينتمي لممارسة طقسية مرتبطة بعادات الدعوة إلى العرس في محافظة ظفار الواقعة جنوب سلطنة عمان والمطلة على بحر العرب والمحيط الهندي، وغالبا ما يقتصر تأدية الطقس على المرأة حينما كانت في الماضي تسير على قدميها نظرا لصغر حجم المدينة ومحدودية البيوت. أما في الوقت الحالي فقد اختلف أداء توصيل الدعوة فقد أخذت المرأة تشترط من العائلة التي ستدعو لها الدفع لها مقدما أجرة السيارة التي ستستعملها في توصيل الدعوة. ومؤخرا صار الناس يتفقون مع امرأة معروفة ومختصة بتلبية متطلبات الأعراس أن تقوم بتوصيل الدعوة بواسطة الهاتف الجوال بمقابل مادي يتمثل في شرائها بطاقات مسبقة الدفع وتتولى صاحبة الهاتف تعبئته وإرسال رسالة قصيرة للمدعوين.
الراقصة 1 (ترفع رأسها كأنها تنادي على أهل البيت في طابق مرتفع): يا بيت ربيع…. يا بيت ياقوت… يا بشارة… يا بيت يعقوب فلانة بنت فلان بتدعيكم… (تكرر ما قالته مع تغير الأسماء السابقة وهي واقفة في مكانها)
الراقصة 2 (تقف قبالتها على الطرف الثاني وتنادي على أهل البيت في طابق أرضي): فلانة بنت فلان بتدعيكم يوم الخميس إلى عرس ابنها… (تكرر جملتها)
الراقصة 3 (تقف في الجهة اليمنى للمنصة كأنها تُخبر أحدا): «ياوا… ياوه» معاها غداء وتحويل.
الراقصة 4 (تقف في الجهة اليسرى للمنصة كأنها ترد على سؤال أحد أهل البيت): تمام… تمام، وكان عرسهم بالجمعة، لكن صار عندهم ظرف وقدموا الموعد.. تمام… هيييه تزوجت عند بيت فلان.
الراقصة 5 (تقف في المنتصف ترفع رأسها كأنها تنادي على أهل البيت في طابق مرتفع): زين.. صح.. صح.. تزوج من فلانة بنت فلان. ومعهم عقد يوم الثلاثاء.. (تكرر) الثلاثاء.. مش الاثنين.. حفظوا زين..
الراقصة 6(تقف في المنتصف كأنها تكلم أحدا): العريس فلان بن فلان الفلاني عقد قرانه بالاثنين، ويوم الخميس العرس في بيت فلانة بنت فلان الفلانية، وما معهم غداء.. بس معهم عشاء… ومعهم وليمة على شاطئ البحر… والحضور بالبطاقات..
الراقصة 2(كأنها تتساءل؟): وكلهم بيقبضون المنديل؟(2) (تلامس إبهامها بسبابتها إشارة للنقود)
الراقصة 5: العريس أمه بتقبض المنديل، وأهل العروس مثلهم، وعلى قد لحافك عندهم لا تمد رجولك…
الراقصة3: أحد يعرف إذا معهم شعبي(3) ولا معاندين؟!
الراقصة 4: ما قتيت(4)
الراقصة 1(ترفع رأسها كأنها تنادي على أهل البيت في طابق مرتفع): يا بيت فلان… فلانة بنت فلان تدعيكم لعرس بنتها يوم الجمعة… عندهم سهرة خاصة للحريم…
* يعلو صوت البوق تدريجيا.
* تخفت الإضاءة بالتدريج.
اللوحة الثالثة
– تعود الإضاءة لتكشف عن الصالونات المصفوفة على المنصة. في كل صالون يوجد امرأتان، الخبيرة والزبونة.
– في الصالون الأول تقف هداية تسرّح شعر الزبونة الجالسة أمامها على الكرسي. يُعلق على جدران الصالون مختلف أنواع الشعر وبأحجام متنوعة وألوان متباينة لدرجة التنافر. وفي الصالون الثاني يارا واقفة وأمامها طاولة مكياج، نشاهدها تخلط بعض المساحيق في وعاء ثم تضيف عليها المراهم والأصباغ، تمررها على ظهر كف يدها وتشمّها ثم تعاود تكرار العمل. بالصالون هناك الزبونة جالسة على الكرسي تتصفح كتالوج للصور.
– وفي الصالون الثالث تصطف أربعة موديلات مبهمة ومغطاة باستحياء ملحوظ. تقف زبيدة وإلى جانبها الزبونة تتأملان الثياب والموديلات. تتجه الزبونة لأحد الموديلات تمرر يدها فوق الكتفين وعلى الخصر، ثم تحررهما إلى الفخذين. زبيدة تتناول ثوبا نسائيا وتلّبّسه الموديل وتضحكان. تتأملانه عن بعد ثم تعاود الكرة وهكذا تستمران في حوارهما الصامت. الزبونة يصدر منها تعابير مختلفة تارة تدل على التأفف، وتارة على عدم الرضى، وتارة متقززة، وتارة مبتسمة. تقترب الزبونة من الموديل وتتحسسه وتحضنه وتبتعد عنه، بينما زبيدة تحاول أن تقنعها بأهمية الثوب للمناسبة وهكذا…
– أما الصالون الرابع فتقف فيه نرجس ونشاهدها تحاول أن تلّبس الزبونة الإكسسوارات المختلفة وتجربها عليها، عُقد.. سلسال.. بناجر.. حزام من الذهب.. ثم حزام من الفضة.. تاج على الرأس… ثم يَرن هاتف الزبونة الجوال فتترك ساعدها الأيسر طليقا لنرجس لتجيب على الهاتف.
– تخفت الإضاءة على جميع الصالونات ثم تعود ثانية لترتفع بالتدريج على الصالون الأول.
هداية: رأيك شنو في اللون دا حيخلي شكل الباروكة حلو على بشرتك.
الزبونة: أريده مائل للدكانة.
هداية (بلطف وهدوء): الأسود مش حلو عليكِ.
الزبونة (بعصبية وتؤدي حركات رافضة كأن تشد العباءة أو تضرب رأسها أو تلطم وجهها): من قالك أسود؟ ما أريده أسود. أريده بني. كفاية العباية سودة!
– تخفت الإضاءة والزبونة تستعرض أشكال (البواريك) وألوانها المتنوعة، بحيث تجرب كل لون على رأسها أمام المرآة ثم تتركه وهكذا… إلخ
– ترتفع درجة الإضاءة قليلا على زبيدة وهي تتكلم مع الزبونة كأنها تواصل الحديث الذي انتهى بالصالون الأول.
زبيدة: عمرنا ما كنا نلبس العباية السودة. لبسناها بعد الاستقلال… عمتي قالت لي.
الزبونة: استقلال إيش؟
زبيدة: يقولوا لما العسكر حررت بلدانها من العدو تفرغوا يبنوها ويعمروها وجابوا مع الاستقلال العباية. ترى العباية صناعة رجاليّة … تصدقين؟! عمتي رقية المحامية خبرتني.
الزبونة (بتأفف وعنطزة): أشك إن عمتك ما تعرف شيء أبدا. (بجهل) إنتي ما جاوبتيني، استقلال إيش؟
– تخفت الإضاءة على صالون زبيدة لترتفع على صالون هداية.
هداية (مصعوقة): قلتي شنو؟!
الزبونة (بلا مبالاة): أريدك تفكين الظفاير البلاستيك، وتركبين لي شعر طبيعي مثل شعرك؟
هداية (بصوت مرتفع وغضب خفيف): أنتي شنو دينك يا زولة؟ ست ساعات أوصل ليك الشعر، وعايزه تفكيه هسى! أنتي دايرة ترمي فلوسك بلا حساب.!
الزبونة (بلا مبالاة وتكبر) : والله فلوسي وأنا حرة فيها. بكيفي أرميها وين ما أريد.. (تخبرها بمعلومة) عرس فلانة بنت فلان يوم الثلاثاء…
هداية: والتلاته دى متين؟
المتزينة (بلا مبالاة وتحدي): باكر.
هداية (مصعوقة): يعني شنو؟!
– تخفت الإضاءة على صالون هداية وزبيدة ويارا لترتفع على صالون نرجس.
الزبونة (بتأكيد): مثل ما هو في الإعلان يا نرجس؟
نرجس: بالضبط. كيما في الإعلان.
الزبونة: يعني ألماس مثل الحقيقي؟
نرجس: ألماس أقرب إلى الحقيقة بـ 99,99 من العشرة في المائة.
الزبونة (بغنج): أخاف لما أظهر في العرس يقولون لابسة مجوهرات تقليدية.
نرجس: أنا نعطيك الصحيح .. كل سيدات المجتمع الراقي ياخذو ويكرييو مجوهراتهم من صالون الست زمردة.
الزبونة (بفرحة مبالغة): أريد فلانة تغار… والثانية تتحسر… والثالثة العمى بعيونها… لبسيني يا نرجس ليطغى جمال زينتي على زينة العروس.
– صوت بوق من الكواليس. نفير غاضب.
– الإضاءة مظلمة على الصالونات الأربعة.
– تعود الإضاءة. أداء للخبيرات في مقدمة المنصة.
يارا: سمعتوا صوت البوق الغضبان؟
الجميلات معا: نعم سمعنا… أعراس كثيرة…
يارا: حالة طوارئ مش معقولة؟ الكل بدو يخلْص قبل التاني. إللي بدها مكياج عادي.. بارد وصاخب في نفس الوقت. شو ها الزبونات الشراشيح إللي بيقرفوا؟ (تقلدهن) هيدى منو لوني… مش اللون اللي بدي إياه. (تتكلم بصوتها الطبيعي) يا مدام منذ ثلاثة أيام ونحن نبحث عن درجة اللون المناسبة لبشرتك. شو ورانا؟ (تكرر تقليدها وببكاء) شوفي.. ما مناسب لبشرتي… ولا يُعبر عن شخصيتي أبدا… (تتكلم بصوتها الطبيعي) ألحس هيداك مطرح إذا عندها شخصية.
زبيدة (بتسليم مطلق): وقلبنا الصالون قاعة محاضرات… جلست أحكي لها عن تاريخ العباية… وأفهمها أن الحريم في الكويت والبحرين أيام زمان عملوا ثورة ضد العباية. وما صدقتني؟ (تقلد الزبونة) صايرين يطلعون كلام ضد العباية السودة ويقولون بتنقص فيتامين دال عند الحريم… وإللي تلبسها كأنها إرهابية… والعباية والله بريئة ثلاث مرات. (تتكلم بصوتها الطبيعي) استغفر الله… ما تركت لي فرصة أشرح لها وأفهمها إني مش ضد كلامها لكن تحشرها حشرة.. مرة مسرقعة.
يارا: شو يعني حرمة مسرقعة يا زبيدة؟
زبيدة: كلمة تعلمتها من عمتي وتعلمتها من صديقاتها… يعني يا أخت يارا شكلها تطلع على وزن شرشوحة.
يارا: قصدك إنو بصلتها محروقة؟
نرجس (بالنحوي): ضاعت اللغة العربية.
هداية (تحرك رأسها): آي.
نرجس: آش نحكي لكم عالكليونات (تعني الزبونات) متاعي أنا زاده! والله لما وصلت معاها لطريق مسدود ولّيت نكلم فيها بالتونسي ونحاول نفهمها ونقوللها طيب ما فماش مشكل. نحط التاج عوض السلسلة الملوية، وتلبسين خواتم سامبل لكن لمعتها تخطف الجني من مصباح علاء الدين
هداية: أما أنا الله يحفظنا قمت أفك الشعر البلاستيك، وأتصلت بالمخزن أقول ليهم قبل ما تطلع الشمس يكون عندي شعر أسود أدكن من الليل نوصله للزبونة المحترمة، واضطريت أتصل بالست زمردة ترسل لي بت تساعدني، وفعلا قمنا وصلنا شعرها المجعّد وخليناها ولا أوبرا (وهي تضحك) والله الزبونة الهبلة ضحكتني، (تقلّد اللهجة التونسية) برشة برشة يا بنات… كل الداير اهو يكون شعرها مثل إنجيليا جولي.
– النساء الجميلات يضحكن معا.
– صوت بوق من الكواليس. نفير غضب متصاعد.
يارا (بصراخ): ليكو هيدي التانية… لشو الصوت عم يتصاعد؟ والله فهمنا… أعراس ومناسبات كتيرة بالبلد ونحن مش ملحقين.. الله يقطع نصك التحتاني يا زمردة.. (بغضب) حلي عن سمانا ياه.. شو مفكرتينا؟ مسامير وماكينات؟
نرجس (بزفرة قوية): أكاهو تعبت.
هداية (بضجر): والله أصابعي نملْن وأظافري تكسرن. (بغنج) اشتقت أصبغ أظافري وأعمل مانكيور وبدكيور مثل الحريم (بحزن) لكن تخيلوا يا بنات ما لقيت أظافري.
يارا: زهقت.
زبيدة: قرفت.
– تخفت الإضاءة تدريجيا. تعود النساء لصالوناتهن..
اللوحة الرابعة
عند هذه اللحظة ستسرد كل جميلة عن عالمها الداخلي وتخبرنا عن أسرارها. يعتمد تأدية المشهد على الحركة السريعة والأداء التمثيلي المتناوب بين النساء. يمكن أن تترك النساء الصالونات ليؤدين الدور في الجزء الأمامي للمنصة، أو يمكنهن البقاء في أماكنهن. بآلية معينة يمكن تأدية بعض الحوارات وكأننا نشاهد فيلما سينمائيا أو بسطة أراجوز. هل تخيلتم معي أن الصالون هو صندوق الدنيا، أو قاعة للسينما مثلا؟
– صالون نرجس يتحول إلى كشك هاتف.
نرجس (داخل الكشك تتكلم في الهاتف) : وخاااا. أي نحضر روحي … أوكي أستاذ وقت اللي نوصل نكلمك على الرقم اللي في آخر التذكرة. أوكي وين باش يكون المبات؟ شنوه اسم الفندق ورقم الزنقه؟ طيب.. تشرفنا أستاذ ياسر، في لمان.. شكرا.. ربي يحفظك سيدي… اوكي اوكي (ينقطع الاتصال وتتذكر شيئا على الفور فتتكلم تحاول اللحاق بالصوت) … ماقلتليش شنوه اسم النادي الصحي (تخرج من الصالون إلى المساحة الفارغة وبنبرة مختلفة) وصلّْني حبيبي لمحطة القطار… ِبقيت نستنى معاه ونخزر له ونعانقه ونبوسه.. كان يبوسني في عيني ويقولي ما توخريش في الاتصال ردي بالك يضحك عليك راجل وتحبيه.. والا نذبحك.. وأمي كلامها يرن في وذني ردي بالك على شرفك، تاجنا هو شرف بنتنا. ما تخليش الناس يتكلموا ويقولوا بناتنا ماهمش متخلقين ولا متربين.. وجيت لهنا ونسيت بجيتي المسرح.. (يحدث خليط لأصوات لهجوية وعربية وفرنسية متداخلة. إعلان صافرة وصول القطار. تركض نرجس إلى داخل الكشك. هذا الخليط يشوش على صوت نرجس التي تحرك شفتيها وتخفت إضاءتها، ويخف خليط الأصوات وتدخل زبيدة تدفع بالصالون على هيئة باص للنقل العام).
زبيدة: سامحني يا ابه… وسامحيني يا أمي.. وسامحيني يا عمتي.. ما كنت أشتي أسوي اللي سويته. بس يا ابه أنت ما تفهم… ما تستوعب.. (تضحك) والله كلام عمتي رقية مثل الذهب. كيف أقنعت أبي يرسلني عندها أغير جو؟ وكيف ما قدرْت تقنعني أبقى عندها، وهربت في الباص. (تعنف نفسها) أنتي مجنونة يا زبيدة.. والله لو عمتي قالت لأبي أني هربت أيقتلها ويقول البنت سوت العار. لكن عمتي محامية شاطرة وقوية (تضحك وتقلد عمتها) أبوك إللي هو أخي ما يفهم ولا يريد يستوعب.. لازم يغير التخزين القديم.. (كأن عمتها توجه إليها الكلام) وأنتي يا زبيدة لازم تكملين تعليمك.. زين أخي اقتنع يرسلك عندي بعد الثانوية.. لا تفكرين بطريقة أبوش. ترى العباية مش واجبة، والخمار مش لازم .. بس الحريم يستفدن منها كثير… كلها كم أسبوع وأعرفك على الحريم بنات العائلات والقبايل في ظفار.. إنتي لازم تواصلين بعد الثانوية وبعدها تفكرين في الشغل وفي الاستقلالية وفي الدولارات… (تهمهم بكلام يختفي لحظة صعودها إلى الباص) لا تعتقدين يا زبيدة إن عمتك غبية وما هي فاهمة…
– تصعد زبيدة إلى الباص- صوت محرك الباص- يتحرك الباص دورة كاملة على المسرح ثم يقف في زاوية كأنها المحطة، ما يلبث وتخفت الإضاءة قليلا بحيث نسمع صوت غلق باب الباص ونرى يارا ومعها الموديل المبهم وكأنهما نزلا من الباص معا ولكن في بلد آخر.
يارا (إلى جانبها الموديل- بانزعاج) ولك خلاص بكفي تبويس… يلعن حريشك… (تضبط من شعرها وهندامها- بحزن) ما بتعرف شو يعني أترك لبنان وعالمي كله وسافر منشانا. (وجهها لوجه مع الموديل تمسكه من رقبته) إيه منشانا.. بدي جيب دولارات كتيرة. (باستغراب) إيه… إيه! شو بدي أعمل بالدولارات؟ (تخنق الموديل) ولك حياتي كلّـا ضاعت بسببه هيدا التافه البغيض؟ (تتحرك إلى حيث موقف المحطة. تعلق الموديل وتكلمه) مش قلّنا الدكتور إنه العملية بسيطة وما فيها ضرر… بنات كتيييييير عملوها… ولك اسمعني… أنا بعرف إنك ما بتحبني أبدا ولا عندك استعداد تضحي منشاني.. سكوت ولا كلمة… ولا حرف… (تتقدم إلى أمام المنصة) حياتي كلها ضاعت بسببه. (تتكلم عن امرأة غائبة) أنا انكتب عليا السفر وأنتِ انكتب عليك تظلي هُنيك. أنا هون بالخليج وأنتِ هنيك ببيروت (نفس مختلف وبصوت امرأة أخرى) يارا من سنة 1975م، وأهلنا مسافرين.. وعايشين في اختبارات صعبة. إللي سافر ع كندا وتزوج فيها واستقر، واللي هاجر ع السويد، واللي ضل بالجنوب، واللي انضم لحزب الله، واللي سرق، واللي طلق، واللي قتل… بس انتِ كارثتي أنا. (يارا بصوتها) أنا كارثتك يا جنان؟ (يارا بصوت امرأة أخرى) كان لو شنقوني ومتت ودفنوني أريح لك بدل ما تعيشي بهالعذاب. (يارا بصوتها) إيه بتعذب وبدي أتعذب لأنك أختي الكبيرة ولأنك طيبة… (للجمهور) تركت بيروت تا جيب مصاري وطلعك من السجن.. (ترجع للموديل) والله ما صار بينا شي بيعيب.. هو كان عم يحاول معي، بس أنا كنت عم صده.. بعرف إن جنان كانت بتحبه، بس هو كلب ونذل وخاين وبستاهل الذبح… يا ريتك ما سممتيه… الخنزير مثل البسين بسبع أرواح…
– يختفي صوت يارا وتخف الإضاءة على المنصة لترتفع على صوت هداية وهي تصعد من الصالة بالثوب السوداني وحولها عدة بنات بأثواب مبهمة يغنين معها الموال السوداني.
هداية (تتقدم موكب الجوقة وهي تغني أغنية شجية بصوت غنائي عذب غائر في القِدامة والبنات يرددن من ورائها- تصعد إلى المنصة وتجلس وسط البنات اللواتي سيؤدين وظيفة الجوقة)
أنا عمري هسه 44 سنة. وصار لي في مسقط تلاته سنين… دايرة أظفر شعر الحريم من صالون لصالون لحد ما لقيت صاحبة هذا الصالون إللي بتدفع لي كويس. المشكلة إنو النساوين ديل ما بيفكروا مزبوط. الوحدة منهم تفتكر إنها لما تركب إكستنشن ورموش طويلة بتكون كاملة الأوصاف. وإن الزول بتاعها ما حيشوف مره تاني غيرها! طب ما أنتي يا هداية كنت مفكرة حالك كاملة الأوصاف من غير ما تتهبلي مثلهن لحد ما ضحك عليك ود الصادق مع البنت الحبشية. (البنات يضحكن) أيوه أضحكوا… إن شاء الله تضحكوا بلا اسنان… (البنات يضحكن) ود الصادق يا بنات استغفل قلبي وطار… كنت موظفة في شركة ولما التقيته بيهو غشاني بكلامه اللذيذ ده… وكان كل يوم يبعث لي سطر من قصيدة أغدا ألقاك… ولما كمّل كل أبيات القصيدة لقيت حالي زي الزفت متنيلة ومتزوجة.. في بداية زواجنا كان كل شيء كويس، لما فكر يوسع تجارته رحت اتهبلت وأدينت ليهو قروش من التاجر عبد الرحيم عشان أساعده… قامت سرقته الحبشية… (البنات يضحكن) تضحكوا بلا ضروس… الحبشية سرقت زوجي وقروشي.. ولما رحت ليها تترجين ترّجع الحمار زوجي هانتني. (تغني الأغنية السابقة، تصمت لبرهة ثم تعاتب نفسها) دايرة تكرري نفس الكلام لي شنو يا بت حامد؟ قالوا بتلاقي وظيفة محترمة في شركة مرموقة بمسقط… ركبت الطيارة ومن سنة للتانية ما شفت بخلقتي إلا الست زمردة. (تعاتب نفسها بقسوة)
الجوقة (معا): طيب كنتي وين لمن قالوا ليك في السفارة ترجعي السودان ولا تبقي؟
هداية (بنبرة حادة): أرجع لييه؟ عشان أهل ود الصادق يشمتوا فيني…؟ قلت لهم أنا أصيلة ومؤدبة بقف جنبه وانتظره يرجع. قالوا لي أمين يا بت حامد هرب برات أفريقيا وما داير يرجع تاني للبلد. الزول ضاق حلاوة الحبشيات تاني ما بتشوفيهو. (بنبرة حزينة تعود للأغنية السابقة وهي تجدل لفتاة جديلة طويلة)
– تختلف درجة الإضاءة.
– الجوقة يجلسن في صف وظهورهن للجمهور كأنهن يشاهدن عرضا أو فيلما أمامهن. النساء الجميلات في كتلة واحدة يتوسطن المنصة وأمام الفتيات يؤدين مشهدا غنائيا تمثيليا باللغة الفصحى. على الحركة ألا تكون جامدة، حيث يشترك جميع النساء والجوقة في حوارية هذا المشهد الغنائي معا(5)
النساء مقطع غنائي: « أيّها الحب، الحبّ الذي لا يُقْهر
الجوقة بالمقطع الغنائي يكررن: لا يُقهر… لا يُقهر
النساء : أنت في وقت معًا تنقضُّ على البهائم وتسهر
الجوقة يكررن: وتسهر… وتسهر..
النساء: «- خفية دائما- على الوجه النضير لفتياتنا.
أنت تسبح فوق الأمواج، كما تتجول في الأرياف حيث الحيوان الوحشي.
الجوقة يكررن: الوحشي… الوحشي..
النساء: وبين الآلهة أنفسهم وبين الناس الفانين لا يوجد إنسان قادر على الإفلات منك. ومن يَمْسَسْك يصَبْ في الحال بالهذيان.
أنت تجرّ الأخيار على طُرق الشر ابتغاء إهلاكهم. وأنت الذي أوقعت في هذا النزاع الابن ضد أبيه»
الجوقة يكررن: ضد أبيه… ضد أبيه…
نرجس: الابن ضد الأب. أقسمَ أبي ليقتلنْ أخي إن تزوج من فتيحة. لأن فتيحة كانت حرمة سيئة السمعة. وأبي المسلم مثل أمي المسلمة مثل أي بيت ناسه مسلمين متربيين ومتأدبين حريص على السمعة. قلت لهم جاني عقد في الجريدة، وراح وباش ناخذ راتب باهي ونبعثلكم باش تعمروا الدار وتخلصوا أقساط رسوم خويا إيهاب بالجامعة. لكن خويا خلانا وعاش مع فتيحه في الحرام ودخل بينهم الشيطان نساهم الحب والاحضان وقتلها. قتلها على خاطر خانته مع صاحبه. جيت لهنا وكنت معمله على خدمتي بالجريدة تجيبلي فلوس وتعملي مركز وهيبة، لا لقيت الجريدة ولا الهيبة ولا المركز!.. لقيت مطعم وبار وخدمة أخرى.. خدمت ونسيت قلبي غادي في الوطن.. (كأنها تنادي) إيجا يا بابا شوف بنتك شنوه تعمل.. كيفي كيف خويا. هو قتل على خاطر الحب.. وأنا قتلني الحب..
زبيدة: بسش يا نرجس، بتقتلين عمرش.
يارا: خليها تحكي وما راح تكفي. سامعتا كل ليلة بتصرخ بنومها سامحني يا بييّ.
نرجس: قريت في الجامعة وتخرجت بتقدير جيد جدا . فركست على خدمه وما خليتش مؤسسة إعلامية ولا تجارية الا وخدمت فيها. لكن تونس كانت غرقانه في اليم. وغرقوا معاها بناتها ونساها وشبابها. أنت راجل من حقك تعمل كل شي.. وانت مرا ممكن تعملي كل شي على خاطر البلاد. أما ما تتغشيش وتتمردي. أهلي ناس بسطاء علمونا… خفت على روحي مالغرق في اليم وركبت الطياره وجيت لهنا.
– تختلف حدة الإضاءة.
بالكلية تعرفت على صديق عماني كان يدرس عندنا. في الربيع كان يجي أهله يقضون اجازتهم معنا. حصل التقارب وقال لي أبوه بعد ما سمع صوتي إنه ممكن يحصل لي وظيفة مذيعة في قناة خاصة. فرحت وما كذبت خبر. هم سافروا وبعث لي التأشيرة ولما وصلت استقبلوني في المطار واستضافوني عندهم. أخذت الضيافة تطول يوم وراء يوم فسألته عن الوظيفة قال إن الشركاء ما اتفقوا على تأسيس القناة وكان أمامي خيارين إما أرجع لأغرق في اليْم أو أشتغل. كنت في يوم رايحة للصالون مع بنت العماني، وأعطيت خبرتي في الإكسسوارات. أعجبت صاحبة الصالون الست زمردة بثقافتي وعرضت عليَّ الشغل عندها فوافقت.
– تخفت الإضاءة ثم ترتفع مع صوت بوق من الكواليس. نفير فرح متصاعد.
– تعود الإضاءة إلى المنصة. تدخل المجموعة الراقصة كل واحدة تضع فوق رأسها (بقشة، قفير، مجمر كبير، مجسمات للهواتف الذكية المطرزة بإكسسوارات عجيبة، ريش نعام.. ريش طاووس.. مجسم لمندوس مزخرف..) يتبادلن القبلات مع زبيدة ويارا وهداية ونرجس، ثم تنسل الجميلات خارجا بينما تتحرك المجموعة الراقصة في الساحة الفارغة تطرق الأبواب وتعلن عن داعي الفرح. على حركة النساء أن تكون خفيفة ورشيقة بحيث تتحرك دون أن يشعر المتفرج بجلبتها التي يُحدثها خطوها السريع على المنصة بأيّ ثقل.
– النساء الخبيرات يعدن إلى مزاولة عملهن السابق مع زبونات جديدات. يتصاعد نفير البوق بين فترة وأخرى ثم يخف حتى يختفي وتخرج الراقصات بينما تظل النساء الخبيرات في أماكنهن يواصلن نشاطهن بابتسامات مصطنعة.
اللوحة الخامسة
– صوت بوق من الكواليس. نفير غضب متصاعد.
– الخبيرات يناقشن فكرة تمردهن بصوت مرتفع.
يارا: أنا مش معكن بالفكرة، شيلوا اسمي.
هداية: غايتو حيرتينا، نشيله ولا نشطبه؟
يارا: ما بتفرق؟
هداية: عندنا في السودان بيفرق كتير لأن نسبة الوفيات مرتفعة في الجنوب بسبب الحرب. الأسرة إللي مات راجلها أو المره… تجي من بعيد أسرة تانية تسجل في السجلات الرسمية إنها تقرب للميت عشان تشيل التأمين الصحي أو ضمان اجتماعي أو معونة من الحكومة والجمعيات.
زبيدة: يا بنات انتن كبرتن السالفة وهي صغيرة كما لسان العصفور.
هداية: نمر ياكلك وياكل لسان عصفورك؟ انتي دايرة شنو يارا بتفكر؟ إحنا عددنا لما ينقص واحد بتقل قيمتنا، ولما نطالب بتأسيس اتحاد الصالونات ما رايحين يشوفونا جادين ومعنا وحدة ما بتعرف الفرق بين الشطب والحذف.
يارا: ما تفتكري حبيبتي إنه الاتحاد رح يعمل شي. هاي نحنا بلبنان لليوم في اتنين جنوب وشمال، وعاملين حالهن ما بيفهموا على بعض.. علما إنو النسوان من الجهتين متأثرين بالحرب.. فكيف بدّن يشاركوا بالبرلمان وهِني مش ملحقين؟
هداية: أنحنا كمان متأثرين. بس ما وقفنا وما لازم نوقف. لما اسمك ينكتب ويُشطب هم بيقولوا أنحنا مترددات ومش متفقات، ولما ما ينكتب اسمك من أصله بنكون ناقصين..
نرجس: أفحمتيني يا هداية. هاتي جبينك نبوسه. (تقبل جبينها)
هداية: بلدي نسبة الوفيات فيها عالية بين النسوان وما توقفنا…الاتحادات النسائية دايرة توعي النسوان والعايلات ما يطهروا بناتهم والاستجابة ضعيفة وما توقفنا… أقول ليك النسوان يموتن بسبب الأمراض والنسوان يسافرن للعمل خارج بلدهن لاجل لقمة العيش وما توقفنا… والوحدة مننا تشتغل في الحقل وينكسر ظهرها كمان ما توقفنا…
يارا: شفتي لما أحكيلك إنه ما بيفرق كتير. هلا انتوا متأثرين ومتضررين مثلنا، يعني طلعنا متساويين ما حدا أحسن من حدا.
– تتدخل نرجس.
نرجس: أخواتي… صديقاتي… خلونا نتفق على صيغة التشكيل. نحن نعاني من سلبية الكليونات (الزبونات) ونظرتهم لينا كاينا آلات أو مسامير داخل تروس. إذا نحب نعمل برلمان أو اتحاد مثل براكسا يلزمنا مجلس وانتخابات.
زبيدة: أي برلمان وأي اتحاد وأي مجلس، ومن هاذي البراكسا؟ خلو البساط أحمدي.
هداية: يعجبني تفكيرك يا أخت زبيدة.
زبيدة: فهموني أحنا ليش مجتمعين اليوم؟
– يارا ونرجس تضحكان.
هداية: الظاهر عايزه تهظري يا زبيدة؟
زبيدة: لا أردت أمزح ولا شيء يا هداية. أنا مع يارا ومع نرجس ومعش. اللي ينقصنا مش المكان، لأن المكان إللي بنشتغل فيه موجود… ينقصنا اتخاذ موقف بالإجماع… والموقف اللي نعلنه للست زمردة هو الاضراب عن العمل مرة واحدة وبصوت واحد.
يارا: هيك بتقطعي رزقنا… ولو..
زبيدة: اسكتي أنتي يا أخت يارا. أمس اشتغلنا حتى الساعة 9 الصباح وما أحد قال شيء، وقبلها داومنا دوام متواصل لثلاثة أيام وما أحد قال شيء… وصار لنا أكثر من مرة ننام داخل الصالون وما أحد قال شيء، ننام ونصبح على اللي تقول لبسيني الستيان…
يارا (تتبعها) : مكيجيني مكياج رقصة الساموراي، ولوني جسمي بلون الحنا.
هداية: ظفري لي مية ظفيرة كل خمسه ظفاير بلون.
نرجس: حطي على رقبتي سلسلة ذهب وفوق سُرتي خاتم سليمان.
زبيدة: وآخرتها إيش؟
النساء بصوت متقارب وبفرح معا: دولارات… دولارات… دولارات…
نرجس: يمكن ما تعرفوش إن المعيشة ارتفعت عندنا كثير.
هداية (تسألها) : من متين؟
– نرجس تحرك رأسها دلالة عدم فهم السؤال فتعيد هداية جملتها
هداية: منذ متى يعني؟ قبل الثورة الأخيرة ولا بعد الثورات الكثيرة؟
نرجس: بعدها كيما قبلها كيف كيف.
يارا: ما فينا نخسر الدولارات اللي تركنا بلداننا عشانن. بتعرفوا لما يصير عندي مبلغ كبير راح أشتري بناية وأفتحها قاعات متخصصة للرياضة والرشاقة. بالمصاري بقدر عيش مستورة وما مد إيدي.
نرجس: على خاطر هذا اخواتي…. ربي يهديكم فكروا بلجدا . ماناش ناقصين خراب بيوتنا. نحب نبقى نجيب دولارات ونسافر لبلادنا مستورات
زبيدة: بين أبصراتكن تراجعتن. ترى الدولارات تروح وتجي لكن إنسانيتنا إذا راحت من فين بنجيبها؟
هداية: يعني شنو يا زبيدة؟
زبيدة: في الأول اقترحت على والدي أسير البحرين أدرس بالجامعة ولما أنهي دراستي أشتغل وأدرس. ضحك عليَّ ووصفني بالمهبولة.
نرجس: عليش؟
زبيدة: قال لي استحي على نفسك تسيري تدرسين في البحرين وهم يجون عندنا يتعلمون مننا. بعدين عرفت إن هذا مش كلامه.
هداية: كلام منو؟
يارا: أكيد عمتك رقية.
زبيدة: سِلِمْ فمْش يا يارا. عمتي رقية المحامية تعرف الكثير… قرت للشيوعيين والإشتراكيين وللماركسيين وتأثرت بهم. (تستدرك) لا تسأليني عنهم… أبصري أنا ما أعرفهم… ورغم إن عمتي رقية أصغر من أبي إلاّ إنه كان يخجل منها.
يارا: قلتيلنا إنو عمتك أقنعت بيّك يخليك تروحي لعندها.. كتير قوية… قوايا الماركسيات.
زبيدة: صرخ في وجهي وقال ما عندنا بنات يخلعن العباية والخمار ويسافرن لوحدهن.
نرجس: وكيفاش جيتي؟
زبيدة: صادف إن عمتي اتصلت تكلم أمي وتطمن علينا بعد الثورات الأخيرة، وبالعادة أكون أنا آخر من يكلمها، فقلت أحكي لها السالفة. قالت أعطيني أخي أكلمه، ما أعرف يا سبحان الله كيف تحول من أسد يزأر إلى حمل وديع!.
هداية: متل زوجي الحمل الوديع.
زبيدة: فجأة اقتنع وسار لمحطة السيارات وقطع لي تذكرة السفر، وسبحان الله راح بعدها إلى عند أهل زوج عمتي وكانوا مسافرين لبنتهم واتفق معهم وركبنا السيارة إلى ظفار. لما وصلت ظفار وشفت البلد وعجبتني قالت لي عمتي رقية أصلا ما راح أرجعك لليمن إلا وأنتي مخلصة الجامعة، قلت لنفسي يا سبحان الله كيف تغيرت الأحوال؟ يا الله يا زبيدة أدرسي وبعدها اشتغلي وحققي ذاتك وإنسي..
يارا ونرجس وهداية بصوت واحد: تنسين شنو؟
زبيدة: أنسى البنات الصغيرات إللي تزوجن بسرعة الصاروخ لأن أهلهن خافوا عليهن من المكروه. أنسى الولد الذي حبيته ولما واجهته بالزواج قام يماطل وبعدها اختفى فترة وسمعت من معارفي إنه لاقى شغل في الإمارات وتجنس وتزوج مواطنة. أنسى الفقر والديون والبطالة… والأهم من هذا كله أنسى الثأر بين قبايلنا…
نرجس: وتتصوري خدمتك في الصالون باش يخليكي تنسي؟
يارا: السؤال المهم يا نرجس كيف جيتي لهون يا أخت زبيدة؟
زبيدة: وصلت ظفار وتعرفت عن طريق عمتي على عوائل وقبايل… رحبوا بي بينهم وخبرت الموّلدة خديجة من وراء عمتي إني أريد أشتغل عشان أجيب دولارات للدراسة. الحرمة صديقة عمتي ما قصرت وما كذبت خبر. بنتها تدرس بمعهد في مسقط ومستأجرة غرفة في شقة كبيرة وتريد أحد يونسها ويساعدها في الأجرة.. قالت هي تعرف كيف تقنع عمتي.. رتبت الموضوع مع بنتها وقطعت لي تذكرة وقالت لي ركبي الباص وبتستقبلش أختي في مسقط وبتاخذك أول شيء لمكان شغلك وبعدين بتروحين للسكن عند بنتها..
نرجس: وعمتك وافقت؟
زبيدة: عمتي امرأة تعلمت في الأردن وعندها شهادة عالية بالحقوق. وقفت معي وساندتني.. أعطتني المتيسر وقالت لي الله يوفقك. حسيت إنها تريد تتخلص من مسؤوليتها تجاهي.
نرجس: تكوني خيبتي ظنها فيكي بطريقة تفكيرك.
هداية: وأبوكي والقبيلة؟
زبيدة: لو عرفوا بيقتلوني بقذيفة آر. بي. جي.
يارا: طيب لما سألتك أول ما تقابلنا انتي شو بدك؟ وشو جاية تعملي هون؟ قلتي …
نرجس وهدية ويارا بسرعة وبصوت واحد وبخوف وببكاء يتذكرن كلامها ويقلدنها: أنا اسمي زبيدة، جيت من اليمن لزيارة عمتي في ظفار.. وركبت الباص وجيت لهذه المدينة أدور على شغل في صالون الست…
هداية: كنتي تكضبي علينا ولا شنو؟
زبيدة: أبدا ما كذبت عليكن. لما قطعت لي خديجة المولدة تذكرة الباص ركبت وجلست فوق الكرسي القدامي وسألت السايق هذا الباص رايح مسقط؟ ما جاوبني لكنه حرك راسه بنعم. المهم وصل الباص وتوقف وقاللي السايق إنزلي يا حرمة هذي محطة الباص الأخيرة. لما نزلت شفت نفسي في المطار.
هداية: والمره المولدة اللي بتاخذك لمكان الشغل؟ والسكن؟ والبت إللي كانت تستناكي بالمطار؟
زبيدة: سمعوا أنتوا هاذي الثانية! لا طبعا. ما طلع أحد يستقبلني.. ما قدرت أميز من جاي لي ومن جاي لغيري.. كلهم لابسين ثياب عجيبة ومطرزة ويتكلمون لغات غريبة.. لما شفت نفسي متورطة ما أعرف كلمة من كلامهم… وخايفة لا يفتكروني هاربة ولا مجنونة … شافتني الحرمة «كبة تكبها» (تعني الله يأخذها) صاحبة هذا الصالون محتاسة. في الأول افتكرتها هي المعنية وجاية تنتظرني وكانت تدور عني… قرّبت مني وبعد سالفة طويلة وعريضة عرضت علي الشغل عندها فوافقت بلا تردد.
يارا وهداية ونرجس بصوت واحد: دولارات… دولارات… دولارات
زبيدة: إنسانيتنا أولا. خوفي وخجلي خلوني ما أقدر أكلم عمتي وأشرح لها السالفة… ما كانت بتصدقني.. بتقول عني (تقلد عمتها) غبية مثل أبوك إللي ما يفهم ولا يريد يستوعب ولازم يغير التخزين القديم.
يارا وهداية ونرجس بصوت واحد: دولارات… دولارات… دولارات
زبيدة: قضيتنا فايزة ومنصورة بإذن الله.. عمتي محامية شاطرة بكلمها وأستسمح منها، وبنخليها ترفع لنا قضية إذا فشل إضرابنا.
هداية: الإضراب يعني شنو؟
يارا: يعني بدل ما تجدلي للزبونة مية جدولة حلقي لها شعرها ع الزيرووووو.
نرجس: الإضراب كيفاش؟
يارا: يعني بدل ما تزيني في عيونها حلاوة الإكسسورات ربطيلها إيديها بالسلاسل وخرمي لها دنيها بالمسامير وحطي بمنخارها ناب فيل يقطع نفسها.
زبيدة: الإضراب يعني …
يارا: يعني بدل ما تزينيلها الفستان بالحلي والمجوهرات الصينية أسجنيها بعباية سودة وخليها تشوف العباية لونها وكل حياتها. (بنفس تعليمي) الإضراب يعني شو؟
زبيدة: نخنق البياض بالسواد. (تتدلى عباءة كبيرة من أعلى تسحبها النساء الثلاث وتلفنها حول يارا)
نرجس: ونقبض على فكك كيما يقبض تمساح على الضحية متاعو. (يطبق الجميع على يارا) هداية: ونشدك من شعرك نسحله. (يشددنها من شعرها)
يارا (تصرخ): خنقتوني… آاااااااااااه (تنفلت منهن)
زبيدة (بغضب): تشتينا نعمل ضد أنوثتنا!
هداية (بغضب): ونتنكر لأصالتنا.
نرجس (بغضب): ونهمل وجودنا.
يارا: أي أنوثة وأي أصالة وأي وجود وأي خراااااااااا؟
– صوت بوق من الكواليس. نفير غضب متصاعد.
هداية: خليكي معنا يا بت يا يارا. (لزبيدة) لكن إذا نحن أضربنا عن العمل، الست زمردة ما راح تسكت! أول شيء بتسويه بتقول قفلوا خشومكم، وإذا ما تريدون تشتغلون باجيب غيركم.
نرجس: شنوه الغاليين رخاص؟
هداية: من زمان رخيصات. يوم هرب ود الصادق مع الحبشية وأنا رخيصة في نظر أهله. قالوا أنت رخيصة يوم عرستيه. ده زول ما فيه خير لأهله. كان يضرب زوجته الأولانية، وأمه صار عندها جلطة كبيرة لما راحت مصر تتعالج استهجنت عمايل ولدها الشينة.
نرجس (تكرر): الغاليين رخاص؟
هداية (تتكشف): أيوا رخيصات… أبوه قال لي يا هداية انتي تزوجتي ولدنا وما كنا موافقين، لكن الرخيص ياخذ رخيصة مثله. ما يعرفوا إن قلبي تعلق بيهو وما همني كلام الناس.. اليوم أشوف نفسي أخدم بالصالون وإللي أكسبه أوفره في البنج عشان أسدد القرض إللي عليه يمكن الرخيص يرجع للرخيصة إللي تحبه..
– تخفت الإضاءة بالتدريج.
اللوحة السادسة
– تسعى هذه اللوحة إلى تقديم صورة تاريخية عن رحلة الستيان وفكرته.
– صوت بوق من الكواليس. نفير غضب متصاعد. تختلف درجة الإضاءة. مزيج صاخب من الألوان. تدخل مجموعة الراقصات وهن يرتدين ثيابا غريبة مختلفة التشكيلات. يؤدين أدوار النساء المقاتلات تترأسهن المقاتلة الأم الست زمردة.
– زبيدة ونرجس ويارا وهداية في مقدمة المنصة في قلق وفزع.
الست زمرة امرأة راقصة تضع فوق صدرها ثديين اصطناعيين بحجم الكُرة، وفوقهما ترتدي ستيانا يشبه الطاقية المُطرزة. من المناسب أن تكون هذه الراقصة هي المقاتلة الأم نظرا لكبر حجم صدرها. تحاول المقاتلة الأم التأكيد على أنوثتها الصارخة وخيلائها. في الواقع هي رشيقة وأنيقة، لكن شعورها بصغر ثدييها يجعلها على عدم تصالح مع جسدها. لذلك ترتدي ستيانا كبيرا لا يتناسب مع حجم الثديين الحقيقيين لتبرهن على القوة والتملك والخصوبة. في أثناء وقفتها المصطنعة أو حركتها على الركح قد يتحرك الستيان، وكلما نظرت إلى رشاقة النساء المُزينات تُعدل من هيأتها حيث ينتابها الشعور بالانزعاج.
الست زمردة: وقبضنا عليكم بالجرم المشهود. يا مدبرات … يا بلطجيات … يا خائنات…
الراقصة-المقاتلة رقم 1: (تلف حول صدرها حزاما من الجلد الضاغط، وتتقدم بخطوات عسكرية إلى حيث تقف المقاتلة الأم)
تأمريني أسحقهم وأبيدهم عن الأرض هذيلا المدبرات البلطجيات الخائنات يا أمنا المقاتلة؟
الست زمردة: وين الإخلاص؟ الكلب الأصيل أخلص منكن. أنا أنقل كفالتكن من كفيل لكفيل وأهيئ لكن مكان إقامة لائق… غرفة بحمام ومكيف وملابس ومن غير ضرائب… هذا غير الهدايا والعطور.. وتاركة لكل وحدة لها هاتفا تغازل وتعمل رانديفو ويا صاحبها وفي الأخير تريدين تعملن إضرابا ضدي.
الراقصة-المقاتلة رقم 2: (تبدو ثقيلة جدا بالكم الهائل من الملابس التي ترتديها وأغطية الرأس التي تلف بها رأسها وصدرها بحيث تخفيه)
يا مدبرات… يا بلطجيات… يا خائنات…
الست زمردة (تنادي) : يا مقاتلات..
– مجموعة الراقصات المقاتلات هن نساء سمينات. هكذا يبدون للمشاهدين لأنهن يضعن فوق خصورهن ما يجعلهن يبدون عريضات جدا. يتقدمن بخطى متثاقلة ويقفن في صف واحد أمام المقاتلة الأم لتلقي الأوامر.
المقاتلة الأم: خذوهن إلى السجن.
هداية (تصرخ في وجهها): إنتي… إنتي يا أم طاقية بو راسين مالك علينا؟ لي شنو ياخذونا للسجن؟
الست زمردة: وبعد لش عين تتكلمين يا رخيصة. تأدبي لما تكلميني.
نرجس (تحاول أن تتقدم أمام الراقصة لكن إحدى المقاتلات تمنعها): ما تقوليش عليها رخيصه وإلا نقطع وسطك المصطنع مادام زمرده.
الست زمردة (بانفعال): أنا تقطمين وسطي يا ساقطة؟
زبيدة (تحاول أن تتقدم أمام الراقصة لكن إحدى المقاتلات تمنعها): إخرسي قطع لسانك.
الست زمردة (بانفعال): أنا تقطعين لساني يا اللي بعدك ما ختنو لك.
يارا (تحاول أن تتقدم أمام الراقصة لكن إحدى المقاتلات تمنعها): ولك خرسي يا مفضوحة.
الست زمردة (بانفعال): أنا مفضوحة يا اللي خنتي أختك مع زوجها.
النساء المقاتلات بصوت معا: دعينا نسحق أثداءهن هذيلا المدبرات.. البلطجيات.. الخائنات..
الست زمردة (بانفعال حاد): يا حريمي المقاتلات.. قيدوهن ورموهن بالسجن.
– يتم تشكيل أعمدة السجن بواسطة الإضاءة، أو تنزل سلاسل من أعلى، أو يتم تسخير الصالونات بحيث تشكل سجنا.
– تجرّ المقاتلات النساء إلى السجن.
الست زمردة (بانفعال وهي تدور حول الزنزانة): هذا جزات الكلب المخلص اللي يخون صاحبه. أنا لولا وجودي في حياة كل واحدة منكن لكنتن مرميات بالشوارع تشحتن أو تبيعن شرفكن. شغلتكن عندي وفتحت لكل واحدة منكن أبواب الرزق. سنة تداومن في بيت الوزيرة وسنة في بيت الشيخة، وسنة في بيت الوكيلة. فلوس وأعطيتكن، وثياب ولبستكن، وأكل علفتكن، وبعد الخدمة الطويلة تريدين تخربين بيتي وراس مالي يا جاحدات يا ناكرات الجميل. (توجه كلامها للنساء المقاتلات) خلوهن في الزنزانة بلا طعام أو ماء، وأي محاولة منهن للهروب يا حريمي المقاتلات أطلقن عليهن النار بوحشية. (تخرج خارجا)
صوت المقاتلة رقم1: إمكن يضربن عن الطعام.
الست زمردة (بانفعال): إللي تضرب منهن رموها في سجن انفرادي.
صوت المقاتلة رقم2: إمكن يألبن علينا الرأي العام.
صوت المقاتلة3: إمكن يشتكن علينا للجنة حقوق الإنسان.
الست زمردة (بانفعال مضاعف كالثور الهائج) : أنا الرأي العام… أنا حقوق الإنسان…
– النساء في الزنزانة الافتراضية وحولهن تتحرك النساء المقاتلات بثقل في الحركة للدلالة على طول الزمن.
زبيدة: فين كنا وفين صرنا.! الصالون من غيرنا كالسنين العجاف… كنا في حركة وبركة فلانة تريد تتزين وفلانة تريد تظفر…
نرجس (تقلد المنادية للعرس): يا بيت ربيع… يا بيت سعيد…
يارا (تقلد المنادية للعرس): فلانة بنت فلان بتدعيكم لعرس ابنها… وحضري نفسك يا يارا..
هداية (تقلد المنادية للعرس): العريس فلان بن فلان والعروس فلانة بنت فلان… وقوي أصابعك يا هداية..
– تتقدم إحدى المقاتلات وتهمس في أذن الأخرى فتنصرف إلى الخارج
زبيدة (تنادي على المرأة المقاتلة): يا مَرة… أنت يا مَرة.. كبة تكبك!
المقاتلة-الراقصة1(وهي تتقدم نحوها تتقصع وتتمايل): نهمتيني؟
زبيدة: نعم نهمتش. أسألش عندش لوسي؟ (غطاء للرأس)
المقاتلة-الراقصة1 (تتأمل ثيابها): أنت إيش شايفاني لابسة؟
زبيدة: ملابس القتال.
هداية (تناديها): طيب عندكيِ توب سوداني؟
المقاتلة-الراقصة1: وأنت إيش شايفتني لابسة؟
نرجس: تعالي عندي أريد أسألك.
المقاتلة-الراقصة1 (تقفز بسرعة وتقول بغضب): أنت إيش شايفتني لابسة؟
– زبيدة ويارا وهداية ونرجس يضربن الأرض بأيديهن وبصوت معا: عارية… عارية…
– المقاتلات يغضبن ويوجهن أسلحتهن للنسوة السجينات.
زبيدة: على مهلكن… ما نريد أذية أبدا.
نرجس: عمتها محامية ذكية ادافع علينا حتى لو فشل اضرابنا.
المقاتلات (بصوت معا): مدبرات… بلطجيات… خائنات… جاحدات… ناكرات…
– عند هذه اللحظة تبدأ النسوة المزينات بإعداد خطة للتخلّص والهروب. يبدأن في مواجهة النساء المقاتلات بواسطة الكلام، فتستجيب المقاتلات لكلامهن على مهل. تنهض خطتهن على كشف المقاتلات وتعريتهن من الداخل ويتم ترجمة الكشف في كل لحظة تقوم فيها المرأة المقاتلة بمحاولة فسخ الثياب التي ترتديها. يحدث نوع من التعاطف بين المقاتلات والسجينات.
زبيدة: عمتي رقية المحامية قالت لي مرة بالجسد قدرة غريبة على الشفاء. قالت إنه يُعبِّر، ويُعمّق، ويُثير، ويعزز العلاقات الاجتماعية بين الناس. لكن جدتي ماتت وهي تدور على هذيك القدرة.
هداية: وشنو طلعت القدرة!
يارا: بتقلك ستّا ماتت قبل ما تلاقيها.
زبيدة: لكنها حصلت سر الجمال الأبدي.
هداية ويارا ونرجس بذهول وبصوت معا: سر الجمال الأبدي!!!
المقاتلات (ينتبهن لكلامهن فيتقدمن نحوهن وبصوت معا وبذهول): سر الجمال الأبدي!!!
زبيدة: اقْرِبن أخبركن.
– هداية ويارا ونرجس يقتربن أكثر من أجسادهن.
هداية (وهي تشير بيدها للمقاتلات): تعالوا قريب يا المقاتلات… تعالوا قريب.
– المقاتلات يقتربن وهن مترددات.
نرجس: قوليلنا يا زبيدة شنوه سر الجمال الخالد؟
زبيدة: قبل ما تموت جدتي الله يرحمها (هداية ويارا ونرجس كأنهن يبكين) وكنت أنا طفلة صغيرة نادت على عمتي وقالت لها (تقلد صوتها الواهن بوضوح) يا بنتي أنا نهايتي قرّبت.. وكان ودي أترك لك وأخوك فلوس كثيرة لكن ما باليد حيلة.
نرجس: هاااااااااااااا وبعد.
هداية: تعالو قريب يا المقاتلات… تعالو قريب.
– المقاتلات يقتربن أكثر وهن مترددات.
زبيدة: قالت لها عمتي يا يمه الفلوس تروح لكن الروح باقية. فقالت لها قلبي بيكون مرتاح إذا خبرتك عن سر الأسرار وكنز الكنوز العظيم إللي يمنح الحرمة الجمال الخالد. فجأة سكتت جدتي وأظلمت حجرتها وكان نور القمر جاي من شباكها الصغير.
يارا: شو اللي صار لما عتّمت الحجرة؟
زبيدة: كنت أنا صغيرة… شفت جدتي إللي صار لها خمس سنين ما تحركت تقوم من فراشها صوب الدريشة وقالت السلام عليكم يا حبيبي..
المقاتلات بحماس: وبعدين!
زبيدة: أنا لما كنت صغيرة بالحق ما سمعت أي صوت.. لكن شفت عمتي جسمها ينتفض (هداية ويارا ونرجس ينتفضن) وسمعتها تتكلم وتبتسم وتقول ما أضوأ وجهك يا حبيبي… ويا ترجمان الروح في الفناء… وترجمانها في الخلود… هبني سر الجمال الأبدي… ثم ابتسمت جدتي ورجعت لفراشها وحطت كفها اليمين تحت مخدتها وخرجت قطعة ملونة ومزخرفة كأنها ورق بردى… كان مكتوب عليها كلام…
المقاتلات (أصبحن قريبات جدا من أجساد المزينات وبحماس كبير وبصوت معا): إيش كان مكتوب؟
زبيدة: سؤال. (توجه كلامها للمقاتلات) أنتن يا المقاتلات كم عدد قطع الملابس الداخلية اللي تلبسنها كل يوم؟
– يحدث نوع من الجلبة والفوضى لدقيقة
المقاتلة 1: هذي العباية وتحتها الدرع (تفسخ العباءة)
المقاتلة 2: وتحت الدرع تنورة. (تفسخ الدرع)
المقاتلة 3: وتحت التنورة سروال طويل. (تفسخ التنورة)
المقاتلة 4: وتحت السروال الطويل شورت.
المقاتلة 5: وفوق الصدر مطاط من الجلد.
المقاتلة 6: وتحت المطاط ستيان.
– زبيدة ويارا ونرجس وهداية يخرجن من الزنزانة الافتراضية ويأخذن ملابس المقاتلات.
– المقاتلات يتكلمن كأنهن مسحورات أو مزبهلات.
زبيدة: الله أكبر… سبع قطع يا المقاتلات.
المقاتلة 1: أخبرش… المقاتلة الأم تلبس أكثر عنّا. عباية وجلابية وفانيلة وشلحة وتنورة وسروال طويل وشورت وفوق الصدر مطاط من الجلد وتحت الجلد ستيان وفوقهن كلهن درع.
المقاتلة 2: ولما يكون عندها حفل عرس تلبس فوق القطع السابقة حجاب وخمار وشيلة ودلاغات.
هداية: وتظل لابسة الشرابات في العرس!
المقاتلة 3: لأنها الأم الكبيرة. أمنا كلنا… تفسخهم أول ما تروح لعرس ثاني.
زبيدة: أربع تعش قطعة!
المقاتلة 4: يا الله قوليلنا عن سر الجمال الخالد؟
زبيدة: عمتي أخذت قطعة الورق وحصلت كلمة مكتوبة بحروف من ذهب ومزخرفة بخطوط من الفضة.
زبيدة: اقْرَبِن يا المقاتلات… اقْرَبِن.
– المقاتلات يقتربن ويشكلن حول زبيدة دائرة، بينما تتناول يارا ونرجس وهداية الأسلحة الملقاة على الركح ويشهرنها على المقاتلات من الخلف.
زبيدة: الجسد. الجسد هو الأصل، هو ترجمان الروح في الفناء وترجمانها في الخلود. وهو اللعنة حينما بدأ ينتقل من المقدس إلى المدنس.
المزينات (يوجهن الأسلحة لظهور المقاتلات وبصوت معا): أرفعن يديكن واستسلمن يا المقاتلات.
يارا: يا الله فوتوا ع الزنزانة. (يدخلن إلى الزنزانة الافتراضية ويتكورن)
هداية: قلنا ليكم من البداية ما دايرين أذية.
المقاتلة 5: هذي مؤامرة وعقابكم بيكون عسير عند المقاتلة الأم.
نرجس: هيا نهربوا قبل ما يعرفونا.
– المزينات يحاولن الهرب بالأسلحة لكن تدخل المقاتلة الأم وتمنعهن بقوة المقاتلات المرافقات معها.
الست زمردة: معقولة… معقولة يا ناس… كيف طاوعتكن ضمائركن تروحن من غير ما نتوادع ونسلم؟
زبيدة: نتوادع ونسلم!؟
الست زمردة: هيييه. صحيح أنتن عملتن عندي ليل ونهار وأنا بعدني ما قصرت معكن. لكن أقولكن… العشرة ما تهون إلا على بنات الحمار.
هداية: حلوة… يعجبني تفكيرك.
الست زمردة (تغير نبرة صوتها لتبدو حنونة ورقيقة): إيش رايكن نجلس ونتفاهم ونعقد صفقة بيننا.
نرجس: صفقة شنوه؟
الست زمردة: أول مرسوم كل واحدة منكن تاخذ هديتها. (توزع إحدى المقاتلات الهدايا)
يارا (تفتح الهدية): شو هيدا؟ لواسي؟
الست زمردة: اللواسي لها قيمة ووظيفة عظيمة.
صوت نسائي من الكواليس: إعلانات مبوبة… إعلانات مبوبة… إعلانات…
المقاتلة 6: إذا صابك زكام تستخدميه بدلا عن الكلينكس. (تصدر صوت التمخط)
المقاتلة 7: وإذا حد عطاكي فلوس تربطينها في أطرافه. (تربط أطراف اللوسي)
المقاتلة 8: وتربطين بأطرافه جميع مفاتيح البيت.
المقاتلة 9: وبعد ما تخلصين الطبخ تقبضين به الطنجرة.
المقاتلة 10: وإذا خلصت ابنتك الحمام تنشفين به جسمها.
يارا: يا سلام.
– المقاتلة الأم تتمسكن حتى تتمكن. تؤدي دور امرأة محتاجة فتتنازل عن كبريائها وتقبل أيادي المزينات. هيئتها تصدم الجميع.
الست زمردة: أنا من لي غيركن يا بناتي الحلوات؟ هذا الصالون لولاكن ما قامت له قايمة وما استمر. كيف طاوعك قلبك يا هداية تتركيني وأنا اللي حنة بناتي كلهن على ذوقك؟ وشعرهن المستعار من إيديش الحلوة؟ وأنت يا نرجس خلاص نسيتي الكسكس اللي علمتيني إياه عشان أبو عيالي ما يتحجج كل جمعة (تقلد صوت الزوج) بروح أتغدا كسكس في بيت عمي. (تعود لطبيعة صوتها) وأنت يا ختي يا يارا خلاص ضاع المعروف اللي عملته معش لما سترت على علاقتش بزوج صديقتي وبنت خالتي؟ ولولا تدخلت في الموضوع كنتي الحين مرمية في الشوارع؟ وأنت يا زبيدة نسيتي معروفي ووقفتي معش في المطار لما جيتي على حيلة الثوب والسروال… أشفقت عليش ورحمتش وشغلتش عندي؟ لكن مثل ما يقولون أبواتنا الطيبين إللي راح زمانهم خيرا تعمل شرا تلقى.
زبيدة: والله قطعتي قلوبنا يا ست زمردة. هاتي من الآخر وقولي إيش تريدين؟
الست زمردة: خلونا نعقد صفقة ونبرم عقد مكتوب بيننا.
يارا: ما فهمنا؟
الست زمردة: أنتن عارفات إن هذا الشهر كله أعراس والصالون حجز في حجز بالليل وبالنهار. ومرواحكن من عندي بيجيب لي خسارة وبيجيب لكن انتن بعد خسارة.
نرجس: اختصري.
الست زمردة: بنكتب ورقة بيننا فيها التزام من الطرف الأول الصالون والطرف الثاني المزينات الشغل حتى نهاية هذا الشهر بصفة مستمرة طال الوقت أو قصر وحتى تنتهي الحجوزات. وبعد الشهر ما يخلص بنقل كفالتكن إلى كفيل ثاني، وأنتن تتفقن معه على ساعات شغلكن وعلى المعاش وأيام الأجازة بعد. إيش رأيكن يا حبيباتي؟
نرجس: وإذا ما اتفقناش ترجعينا لبلدانا.
الست زمردة: طبعا أرجعكن لأوطانكن ورجلي فوق ركبتي. تذاكركن على حسابي مع مكافأة نهاية الخدمة. هااااااااااا إيش رأيكن يا حبيباتي؟
هداية: أنا ما فاهمة شنو الرحمة اللي نزلت عليك من السما دي. معقولة بترجعينا لبلدنا؟
الست زمردة: معش حق تشكين في نواياي الصادقة يا هداية. أنا فكرت وحسبتها صح. إذا تركتن الشغل عندي وانتشر خبر إضرابكن بالصالونات لا أحد بيستفيد ولا شي. مكتب تشغيل العمال الوافدين بيشدد علينا في الرسوم، (تقولها بالخطأ) ولجنة حقوق المستهلك بدخل عمرها في السالفة. وبدل ما انتظر على أوقات العز شهر عشان أستقدم عاملة بنتظر ست شهور… وإمكن أخيس وما يطلعلي… هذا غير عمولة المكتب، وعمولة الموظف بمكتب التشغيل. والأهم من هذا كله بخسر زبوناتي. وأنا أعرف الصالونات الطالعة اللي بتنافسني… يكفي وحدة منكن تروح تشتغل في صالون ثاني والزبائن يجون مثل النحل.
يارا: يعني بتعرفي قيمتنا؟
الست زمردة (تمتدح ذاتها وتطريها) : أنا دربتكن وأعطيتكن دورات متخصصة (بنبر حاد) وبصراحة ما أريد تجي صاحبة صالون ثانية وتاخذ مجهودي على الجاهز. فهمتن ليش أنا مستعدة أعطيكن حقوق نهاية الخدمة وأسفركن لأوطانكن.
– النساء يجتمعن على طرف الركح يتناقشن ويتحاورن.
هداية: خلاص موافقين على كتابة العقد المشروط.
يارا: بس عنّا شرط.
نرجس: إذا رفضتيه بين البائع والشاري يفتح الله.
الست زمردة: على الرحب والسعة يا بناتي الحلوات.
زبيدة: فلوس … فلوس … فلوس…
الست زمردة: إيش قصدك؟
يارا: حتى نشتغل صح… أكتبي أربع شيكات ضمان، متنازلين عن الحقوق وعن التذاكر بس نقبض أول دفعة من الشيك نقدا والباقي آخر يوم بها الشهر.
نرجس: هذا شرطنا. انت مدخولك كبير مالصالونات الموجودة في كل بلاصه.. ونحن ما نحبش كان السترة والعودة الى أهلنا.
الست زمردة (بصوت آمر): ألقن أسلحتكن وسأرمي بشيكات الضمان الأربعة.
نرجس (تقلّد مشية من سترقص): نحنُ بنات طارق… نمشي على النمارق.. إن تدبروا نفارق… وإن تُقبلوا نعانق… فراق غير وارد. (تُطلق الزغاريد)
– صوت بوق من الكواليس. نفير فرح متصاعد. تنصرف المقاتلة الأم وتتبعها المقاتلات. يتم إدخال الصالونات إلى الركح من جديد. تدخل النسوة المزينات كل واحدة إلى صالونها.
– يتكرر نداء الأصوات التي كانت تتلفظ بها النسوة الراقصات في المشهد الأول من الكواليس.
الأصوات بتداخل واضح: يا بيت ربيع…. يا بيت سعيد… يا بشارة… يا بيت يعقوب فلانة بنت فلان بتدعيكم يوم السبت.. الأحد.. الاثنين.. الثلاثاء.. الأربعاء.. الخميس.. الجمعة…إلى عرس ابنها… (تتكرر الجملة)
اللوحة السابعة
– المقاتلة الأم والنساء المقاتلات يجتمعن على الركح بكامل عدتهن وعتادهن.
المقاتلة 1: إذا نجحت خطتش يا أمنا إيش تعطينا؟
المقاتلة الأم (تقول كلاما غير مفهوم) : كل حاجة في أي حاجة في كل وقت… المهم إن الحيلة تنجح. البنات شغلهن حلو ومكسب لأيّ صالون. لكن اللي تلعب معي بالماي أرشها بالتيزاب وأحرق وجهها.
المقاتلة 2: يعني ناوية تحرقين وجوههن؟
المقاتلة الأم (بغضب): ولش عين يا المتفسخة تسألين؟ أخليك حارسة عليهن ومعك المقاتلات أوصل أحصلكن تتفسخن؟ فعلا ما تفهمن ولا عمركن بتفهمن.
المقاتلة 3: كنا نبحث عن سر الجمال الخالد يا أمنا.
المقاتلة الأم: أيّ جمال وأي خالد يضحكين عليكن؟ أفا بس أفا. ربيتكن على الشجاعة والسنعة مش على البطالة وقلة الفايدة. لكن عقابكن بعدين. يا الله نروح عندي مشوار هام جدا وعاجل لازم أرتب له قبل نهاية الشهر. (ينصرفن في مشية عسكرية)
اللوحة الثامنة
– النساء المزينات كل واحدة منهن في الصالون تعمل بحماس.
– المقاتلة الأم تقف في طابور تتجول في الصالونات وخلفها مجندتان يرتدين ثياب القتال وأثدائهن الإصطناعية في قمة البشاعة.
– النساء المتزينات يتباهين أمام المقاتلة الأم بأجمل صرعات الموضة وأقبحها.
اللوحة التاسعة
– النساء المزينات يجلسن على فضاء الركح يضحكن ويُقلدن بعض المواقف التي حدثت معهن.
نرجس: الغاليات رخاص؟
زبيدة: لا والله الغاليات مش رخيصات. شفتوا كيف الست زمردة تغيرت مواقفها بزاوية 180 درجة؟
يارا: هيدا كله منشان المصاري. الحقيرة بتذلنا… ناقص تهددنا.
هداية: ضنب الحقير عمره ما ينعدل حتى لو علقوا في ضنبوا قالب طوب.
زبيدة: يعجبني تفكيرش يا أخت هداية. (يضحكن)
يارا (تقلد المقاتلة الأم): أنا من لي غيركن يا بناتي الحلوات يا حبيباتي؟ هذا الصالون لولاكن ما قامت له قيامة وما استمر. (تعود لصوتها) الكلبة الحقيرة بتعترف إنو لولانا ما صار هيدا الصالون أشهر صالون بالخليج.
هداية (تقلد المقاتلة الأم): كيف طاوعش قلبش يا هداية تتركيني وأنا اللي حنة بناتي كلهن على ذوقك؟ وشعرهن المستعار من إيديش الحلوة؟ (تعود لصوتها) أصلا بناتك منو بيشوفهم؟ صدقوني لو ما ركبت لبتها الوسطانية شعر مخصوص مسشور جايني من أمريكا وركبته بنعومة أصابعي كان زوجها يطلقها من أول ليلة. مره شيطانة هي وبناتها.
نرجس: ولا أنا إيش تقول لي؟ (تقلد المقاتلة الأم) خلاص نسيتي الكسكس اللي علمتيني إياه؟ أصلا زوجش لو شاف عندش الحب ما راح عند زوجة عمه! طبيخش كله خالي الدسم، كل يوم مشاوي وسلطات وتونة وعصير جريب فروت. مالها الطواجن والمقالي. الحياة بدونها سُلطة وتحكم. زمردة الهبلة متصورة إن أبو عيالها ما راح يتخطف؟ تروح تشوف السيارة اللي تقف عند المول كل يوم الساعة عشرة وتركب فيها إللي في بالي بالي.
يارا (تفضح نفسها): أنا ما عملت شيِ. (بإغراء) هو اللي بلّش.
زبيدة: أما أنا قصتي قصة مع المتعفنة إللي شايفة نفسها صاحبة خير وفضل. سواد وجهش وأنتي جالسة تجاهرين بالمعروف وبالصدقة. يجتيف عمرش من مَرَة مزلقمة.
يارا: شو يعني مزلقمة؟
زبيدة: يعني مثل المسرقعة!
يارا: (تتجه نحو نافذة متخيلٌ وجودها بالإضاءة تتأمل الجو): السما عم تبرق. (إضاءة عاكسة لظاهرة البرق) شفتوا البرق؟ (تنادي) يا بنات بكرا آخر ليلة إلنا بهيدا الصالون. بكرا كل واحدة منا راح يكون بإيدها شيك ضمان. خلونا نتمكيج ونرقص ونغني. يا الله يا هداية سشوريلي شعري. (تقف أمام هداية وكأنها تسشوره)
نرجس: وأنا يا زبيدة تخيليني لابسة ثوب خليجي وعلميني أرقص به. (تصطفان وجها لوجه وتعلمها رقصة نساء ظفارية)، أرفعي رأسك… يا الله… تمايلي … تثاقلي.. تهادي… يا الله…
– يتم تبادل الأدوار السابقة فيما بينهن.
هداية: يا الله يا يارا لونيني وخليني أجمل سمراء في الكون. (تقف أمامها وكأنها تكحل لها)
زبيدة: وذا الحين جاء دورك يا نرجس. (تقف أمامها وتعلمها رقصة من بلدها)، يا الله … تمايلي.. تثاقلي.. تهادي… يا الله… يا الله
– عزف بأنغام شرقية… يعلو إيقاع الطبل… المزينات يتمايلن… يرقصن بنشوة… يتثاقلن… يتهادين… يزغردن… يضحكن من القلب والروح.
– تخفت مع إيقاعهن درجة الإضاءة.
– صوت الرعد والبرق يتصاعدان. صوت بوق من الكواليس. نفير غضب متصاعد. طرق قوي على الباب. همهمات من الكواليس. يبين صوت المقاتلة الأم مع عدد من رجال الأمن.
صوت المقاتلة الأم: يا عاهرات… يا فاسقات… فتحن الباب.
صوت الأمن: فتحن الباب يا قليلات الأدب.
– المزينات يتراكضن على الركح كأنهن سرب حمام… خائفات… مذعورات…
زبيدة: إيش إللي صاير يا بنات؟ هذا صوت الرعد ولا طرق الباب؟
صوت المقاتلة الأم (تكرر نفس الجملة) : يا عاهرات… يا فاسقات… قلت فتحن الباب.
هداية: ده الكلام الشين البقولوهو لينا؟
نرجس: هذا صوت الست زمردة. (تكرر كلاما سابقا لزمردة) كنا مدبرات، وبلطجيات، وخائنات، وجاحدات، وناكرات… إلى عاهرات وفاسقات؟ تفو عليك يا كلبة.
يارا: إخرسي يا شرموطة.
صوت المقاتلة الأم: سجل كلامها يا رجل الأمن. هانتني في شرفي.
زبيدة: علة تعلك… وكبة تكبك… إيش سوينا؟ إيش تهمتنا؟
رجل الأمن: إساءة مكان العمل، وإعابة الست زمردة. أنتن متهمات بالقوادة ومخلات بالآداب العامة للمجتمع وللدولة.
يارا: طز فيك وبآدابك العامة.
– يتصاعد صوت الطرق بشدة.
نرجس: ما راح نفتح الباب. الظاهر إن زمردة دبرت ضدنا مؤامرة. يعني كان لازم نرقص ونتهادى ونتمايل؟
صوت المقاتلة الأم (بغضب): ستك زمردة يا تافهة؟
يارا: شو دخل تمايلنا وتهادينا بالحمارة؟
صوت المقاتلة الأم (بغضب مضاعف): إخرسي يا تافهة.
هداية: وين عمتك الحقوقية يا زبيدة؟
زبيدة (تصرخ باتجاه المقاتلة الأم): علة تعلك. (كأنها تذكرت شيئا) يا بنات أنتوا نسيتوا شيكات الضمان؟
صوت المقاتلة الأم: بلليهن في ماي وخل وعصري عليهن ليمون. الشيكات كُتبتها تحت الإكراه. سجل يا أمن الدولة. سجل… مثل ما قلت لك كتبت لهن شيكات ضمان تحت الإكراه، هذينا الكلبات استغلن حاجتي حالهن وغصبنني على كتابة الشيكات (تبكي بحرقة) إحميني يا أمن الدولة وإحمي حقوقي… إحميني يا أمن (تبكي بحرقة مبالغة وتستغيث) وااااااااااااااأمنااااااااااااااااااااااااه!
يارا (بغضب): خفِ علينا يا عرصة يا للي زوجك بيخونك معي.
صوت المرأة المقاتلة (صرخة مدوية): آااااااااااااه… لاااااااااااااا
هداية: أنتيِ دايرة شنو قلتي.. بتثبتين التهمة علينا. وينك يا ود الصادق تشوف آخرتها.
– يتصاعد صوت الطرق بشدة.
رجل الأمن: بأمر قانون الدولة آمركن تفتحن الباب ولا بنكسره. (ينادي) يا حراس…
– تتحرك نرجس إلى الأمام وهي تهمهم بصوت غنائي عذب
نرجس: «أيّها الحب، الحبّ الذي لا يُقْهر، أنت في وقت معًا تنقضُّ على البهائم وتسهر- خفية دائما- على الوجه النضير لفتياتنا.
زبيدة: أنت تسبح فوق الأمواج، كما تتجول في الأرياف حيث الحيوان الوحشي.
يارا: وبين الآلهة أنفسهم وبين الناس الفانين لا يوجد إنسان قادر على الإفلات منك. ومن يَمْسَسْك يصَبْ في الحال بالهذيان.
هداية: أنت تجرّ الأخيار على طُرق الشر ابتغاء إهلاكهم. وأنت الذي أوقعت في هذا النزاع الابن ضد أبيه»
– المزينات بصوت خافت معا.
المزينات معا: الابن ضد أبيه… الزوج ضد الحب… الأخت ضد الأخت… (تتكرر الجملة حتى تخفت)
– المزينات في كامل زينتهن يقفن أمام الجمهور ينظرن للأفق البعيد.
– مع استمرار الطرق على الباب يُسمع صوت الرعد. يبدأ هطول المطر.
– تتبلل وجوه النساء وتعلو الأصوات والهمهمات ويستمر هطول المطر.
(*) إشارات:
(1) أنتيجونا، لسوفكليس.
(2) يقبضون المنديل: تعني يقبضون النقود التي يدفعها الضيوف لأهل العرس.
(3) أحد يعرف إذا معهم شعبي: تعني هل يُعرف إذا كانوا سيقيمون سهرة للرقص؟
(4) ما قتيت: تعني لا أعتقد.
(5) الكورس في مسرحية أنتيجونا.