تلقيت اتصالاً تلفونياً مقتضباً من بغداد من شخص لم يكشف عن اسمه، يبلغني بمقتل أخي البالغ من العمر 28 عاماً، قتل بالأمس كما قال، ثلاث طلقات من مسدس أنهت حياته. أنهى المكالمة من طرفه، لكنني عرفته من صوته. لم يكشف عن هويته خشية من عقاب على تواصل مع شخص منفي. وبناء على الأنباء الشحيحة، أعرف أن أخي عاش حياة مأساوية لا تقل مأساة عن مصيره، فقد تم تجنيده وهو في الـ 18 عاماً من عمره، وقد أرسل على الفور على أشد جبهات الحرب العراقية الإيرانية اشتعالاً. بقي مقاتلاً فيها لبضعة أشهر ثم وقع في الأسر، أمضي بضع سنواته فيه، أسره في معسكر الأسر خضع إلى عمليات تحويل فكري، «تصفية فكرية» تحوّل بالفعل نسخة طبق فكرهم، بعد الاختبار الميداني والتأكد من تطابقه الفكري معهم، أطلقوه في فرق يطلق عليها «فرق التوابين»، مهمتها القيام بهجمات مسلحة على أهداف عراقية داخل المدن.
– أنا قرفان وجودياً وخجلان تاريخياً
إن مأساة البشرية بدأت حين وضع رجل حقيقة، صدقها، ثم أدعى أنها مقدسة، فأكره غيره على الخضوع لها والتسليم. لا توجد حقيقة، بل عدّة حقائق، لا توجد حقيقة بل الفعل هو الحقيقة. إن المطلوب هو إبطال السعي إلى احتكار الحقيقة وإتاحة الفرصة لتشريع يقضي بتقاسم سوي للحقائق.
ذات مساء أشعر بحزن مرير. اتصل بالشاعر أحمد الشهاوي، أصرح له برغبتي في قضاء إجازة في المغرب. فيبادر مشكوراً بالاتصال بالكاتب جعفر الكنسوسي الذي عبر عن ترحيبه وتمنى عليّ أن أرسل إليه بعضاً من كتبي. أرسلت نسخاً من كتبي إلى الكاتب جعفر الكنسوسي والناقد عبد العزيز بومسهولي.
قبل وصولي إلى مراكش نشر الشهاوي حواراً مطولاً معي في مجلة نصف الدنيا. اتصلت تلفونياً بالناقد عبد العزيز بومسهولي الذي قرأ هو الحوار وتوصل بالكتب، وجدته مرحباً وتوّاقاً بجدية الناقد، وأخبرني أيضاً، انه قد تم تحديد موعد الأمسية الشعرية في 8 نوفمبر 1996 في مراكش، نحن بانتظار وصولك، أنهى المكالمة.
أمضيت ثلاثة أيام في أكادير السياحية جداً. تبدو لي على أنها نسخة عن قرية أوربية، شعرت بالضيق وشرعت في البحث عن الجزء القديم فيها. أبحث فيها عن المغرب والمغاربة، أو أشياء منهما على الأقل. جئت إلى هنا لأمارس ثقافة عربية توقف عنها بحكم النفي والبعد. لا أريد أن سائحاً ضمن أفواج أوربية تبحث عن الشمس والتذكارات. أنشد مغرب المغاربة. أبحث عن بشر من صنع المغرب. أريد أن أرى التاريخ كامناً في مكان ما يقاوم الزمن، نعم التاريخ كيف يقيم معهم وبأية صفة، وكيف يطبع لمساته على الأمكنة ويخلف انطباعات عنه ترتمي في أحضان الذاكرة هرباً من طغيان النسيان. نعم جئت إلى هنا بحثاً عن بشر، حكايات، أمكنة وأزمنة، أنا هنا لأسمع لا لأتكلم. أريد أن أرفد ذاكرتي بحكايات مغربية أسمعها من رواتها وليس من أي مصدر آخر قد يكون حبراً على ورق. لعلني اعرف منهم منْ هم. أتعقب المغاربة في المدينة العتيقة، اندس بينهم تاركاً أحاديثهم تغمرني. اعثر على مطعم للأكلات الشعبية ومنها أتدرج في التعرف على المذاق المغربي. المدينة العريقة ليس كبيرة كما تخليت وامتدادها تم تحديثه. أكادير مدينة حديثة وسياحية تغصّ بالأوربيين السعداء بوجودهم فيها، فالشمس أحد مصادر السعادة للأوربي. قال لي موظف الفندق: إنها مدينة حديثة بينت على أنقاض المدينة القديمة التي دمرها الزلزال الشهير بأضراره.
في الصباح أجدني أجمل مما حولي، أجمل مما أكون عليه في الأوقات التي تعقبه أو تسبقه. ما أن تعلن الشمس بالضوء عن شروقها. انهض لأزاول طقس الصباح: حلاقة الذقن واستحمام ومن ثم سيجارة ورشفات متباعدة من القهوة، القهوة التي سرعان ما تبرد. أقبل إلى مطعم الفندق، استقر على كرسي يواجه البحر بي. سرعان ما تهّب عليّ نسائم نسائية، كوكبة من العاملات في المطعم، في اللحظات المسروقة يتحدثن معي عنهن وعن مدينتهن. أجلس وهن يتناوبن بالوقوف حول طاولتي، أشعر أني واقع برغبة تحت مظلة نسوية باسقة بالكلام، الأنوثة والعطر. (آه لو كنتِ شجرة، يداكِ الأغصان مرفوعة أبدا). سألتني أحداهن: ماذا تخدم في الدنمارك؟ فأجبتها: أخدم الأمة العربية. ينتبه إليهن رئيسهن فيكشهن، فينصرفن عني كالحمامات محلقات في سماء عملهن الغائم بالجد والكد.
يمنحني الحديث عزماً وأحوله لاحقاً إلى مادة حية في الكتابة. أرفض عروض لذّة تقدم بها جسدي إلى روحي، روحي عازفة، لم يعد جسدي مؤهلاً لإقامتها، تنوي نقض العقد، لعلها تبحث عن جسد آخر تقيم فيه مؤقتاً يكون رحيما بمتطلباته. الجسد مسرح تعرض عليه الأعضاء فنون الرغبات. أني على خلاف مع نفسي يصل حد الشجار، أتقهقر إلى أعماقي، لا يرعبني ما أرى فيها، بل يرعبني ما لا أراه فيها. في اللحظات التي نطلق عليها صفة السعادة عليها، أوقع أنا ونفسي على هدنة كي تنجز السعادة العابرة نشوتها. لكن، أينما حللتُ تجلوني بغداد عن مكان ليس فيها ولا منها. فيتحول المكان إلى علبة ضيقة، يكون المخرج منها حلم يخاصمه التحقيق. نعم، أينما حللت اشعر بالخواء، يرعبني خوائي مني أنا الذي منْ يكون. في حصار الحياة أستغيث بالموت فكرة ومصيراً، أجده أرحب من حياة يضيقها البشر بفعالهم ووعيهم. الوعي مصدر التعاسة.
أصرف الأفكار وأنصرف إلى النوم. انثر على منضدة الليل أحلاماً لا يحسن عدها العدّ. انتقي أجملها، لأحملها غداً إلى مراكش. أحلامي أمتعتي.
احمل أحلامي الأجمل
وأمضي إلى النوم
أي امرئ أنا
كل ما ألتذّ به
هو أني أقطف أحلامي
حلماً، حلماً من شجرة النوم
إني الآن في بلاد موحشة
فرت منها الأشجار
تتراكم أمامي خطواتي
فيما يجثم
على صدري قلبي
ها نحن
أنا والحلم
نحن الاثنان وحيدان
في غابة النوم.
تأخذ الحافلة الطريق إلى مراكش. سلمت نفسي لأصوات الركاب وهدير المحرك. عند الدخول إلى الحدود البلدية لولاية مراكش، لم أشرع بتكوين أفكار عن المدينة، موكلاً المهمة للأيام القادمة. أزيح الأفكار المتدافعة لأشغال مزاجي بقلقها، نعم أزيحها لكي التقط صورة بصرية لمنظر يكون الناس ليس طرفاً فيه، لا بل مركزه.أريد أن أدعم ذاكرة العين بذكريات بصرية. استعدت بعجالة زيارتي الأولى لمراكش في فبراير من عام 1990 كنت قادما إليها من مدينة بني ملال المغربية. المغرب ليس طارئاً عليّ، فمدينة الرباط التي وصلت إليها في 18 يناير 1979، كانت أولى محطات منفاي الذي لا ينتهي. بعد تعذر بقائنا في المغرب لأسباب اقتصادية تكفلت منظمة التحرير مشكورة بتحمل تكاليف سفرنا أنا وآخرين من الدار البيضاء إلى دمشق ومنها براً إلى بيروت. مهمة نقلنا إلى بيروت أوكلت إلى حركة فتح، ولدى وصولنا إلى حي الفاكهاني في بيروت، فقد ترك لنا مرافقنا الفتحاوي خيار الالتحاق بأي فصيل فلسطيني نشعر بوشيجة فكرية معه. وزياتي الأولى إلى مراكش لم أكوّن فيها انطباعات ترتقي إلى مستوى الذكريات، أخذت غرفة في فندق في المدينة، تناولت الغداء في المدينة، أكلت طعام المساء في ساحة جامع الفنا، أوقفني سيدة أقل من طاعنة بالسن ألحت أن تقرأ كفي فتنبأت لي بامرأة. بعد جهد فائق، عثرت على حانة، شربت قدراً كافياً من البيرة كفيلاً بتأليب النوم عليّ. صحوت، فطرت، أخذت أول حافلة عائداً إلى مدينة بني ملال.
حين أكون على سفر، تصعب عليّ القراءة والكتابة. يصعب عليّ اللجوء إلى الكتابة والقراءة والاحتماء بهما من مباغتة الفراغ المشغول بالتوتر. أرى أن الكتابة والقراءة أرفع من أن تقصرا لتكونا مهرباً من موقف أو مخرجاً من محنة. إنهما خيارا لحظة من لحظات الصفاء، تغار الكتابة والقراءة منهما وعليهما. الكتابة فعل يقترح فعلاً أعظم. الكتابة ليست طريقاً خلفية يؤمن عليّ انسحابي من مواجهة ليست كفواً. لكني أدوّن عند الحاجة الملاحظات الضاغطة اتقاء لغدر النسيان. أحمل دفتراً صغيراً أحفظ فيه الفكرات الفجائية. وتكون في كل المواقف حواسي متحفزة لحفظ وخزن المحسوسات، على فرض استدعائها في لحظة كتابة، غالباً ما تكون مفاجئة. تجد عيناي في التقاط صور بصرية عن الأمكنة. وترصدان سيماء بشر لهم خصوصية واضحة ويتمتعون باستثنائية. وتبقى الحواس تنتقي ما يطيب لها من رائحة، طعم ومذاق. وما يروق لها أيضاً من أصوات ونبوءات. وأصنف هذا رداً وقائياً على خيانة الذاكرة. الشعر هو استثناء يجرجرني إليه مستسلماً، فأشرع بكتابته تحت أي ظرف، دون شعور بتعب أو ملل. أستلقي من تعب وأنهض من شعر.
أصل إلى مراكش على الساعة 14.00 تتوقف الحافلة، احمل أمتعتي، أحاول التخلص من بعض الأفكار وأقبل عليهما، أجدهما بانتظاري هما الكاتب جعفر الكنسوسي والناقد عبد العزيز بومسهولي. ترحيبهما وابتسامتها خففا عني الشعور بالحرج وبشّرا الكفلة بالرفع. اقترحا عليّ أن امضي هذا اليوم في فندق الأمير، وغداً سأنتقل إلى بيت مولاي عبد السلام، فقد تعذر التنسيق معه لكونه على سفر وسيأتي غداً.
طلب الكاتب جعفر الكنسوسي من موظفة الاستقبال أن تؤمن لي غرفة مريحة، فيما هو مشغول معها، التفت إلى بهو الفندق فوجدته مزدحماً بنزلاء مغاربة، فرحت سأكون بين مغاربة، هؤلاء المغاربة بملابس تقليدية وخلافها، أدخنة تتصاعد وأحاديث مرتفعة وتلفزيون يغني من أجل النزلاء «يا مسافر وحدك».
يتسلم جعفر الكنسوسي مفتاح الغرفة، يصعدان معي إلى الغرفة. الغرفة قديمة الطراز. تخفي رطوبة ولا تتكتم على انحرافها نحو العتمة. لكنها أعجبتهما. أما الناقد عبد العزيز بومسهولي طاف فيها، أسمعه، وهو يرمي على كل شيء حظي برؤيته في الغرفة عبارات مثل: (زوينا، لا زوينا، مزيان بالزاف)، أكثر من شيء قد توقف عنده ورمى عليه أكثر من مرة عباراته الزائية! المحببة. بعد أن اطمأنا على إقامتي، اتفقنا على موعد بلقاء مسائي، بلطف وذوق تركاني أركن إلى هدوء لعله يفضي إلى راحة ومن الراحة يأتي النوم بهناءته. يغمرني هدوء جديد عليّ، لم آلفه، أتوسل إليه إلا يكون طارئاً. أخرجت قنينة الويسكي، أعددت كأساً من الويسكي. أخذت بهدوء رشفات متوالية. اكتشفت الغرفة، عالية الجدران، كبيرة فيما أشياؤها متناهية الصغر، في زاوية مغالية بالعلو يلتصق إطار صغير يتضمن شاشة، بعد تمحيص بصري أدرك انه تلفزيون، يتضح أن الريموند كنترول (الحاكوم) أكبر منه. اخذ وضع الانبطاح على السرير لأكون في وضع يسهل عليّ استعماله، أحشر الريموند بين الذقن والرقبة وأضغط، فتنفرج أسارير التلفزيون على أغنية: «مرسول الحب فين امشتي، فين غبتي علينا»، أغنية تلامسنا نحن مشارقة الأرض. أحمل الكأس إلى الشباك، أتفاجأ، أجده نقطة لا تذكر في بحر الستارة. جلّ ما خشيت وقتها أن يكون السرير أصغر من النائم الذي هو بلا غرور أنا. بعد التأكد من أن السرير مطابق للمواصفات الكونية، دلفت بلا سابق تفكير إلى الحمام، فوجدت البانيو يحتفظ هو الآخر بالمواصفات العالمية للسعة. أدير بصري فإذا بالمغسلة أصغر من راحة اليد، تماماً كالدنيا عندما تضيق. والماء أعقد من أن تستوعبه حنفية تتعالى عليه بالحجم. بلا مبررات مدركة يغادر الويسكي الكأس. لكن ما أن يحضر الويسكي اسماً وشرباً إلا وتذكرت ثلاثة، الشاعر مهدي محمد علي، الفستق الحلبي والمرأة. كنا ذات مساء دمشقي في حي دمر وفي الطريق إلى منزل الفنان قاسم الساعدي وعلى وعد أن ينضم إلينا لاحقاً صديقنا الشاعر عبدالكريم كاصد. لمهدي قلت: أتمنى الآن كأساً من الويسكي، حبات من الفستق الحلبي وامرأة، توقف على الفور وتحدث بجدية قائلاً: هذه الأماني لا تجتمع، فرّقها، كي يسهل منالها، تمنّ واحدة منها فقط، المرأة، حبات الفستق الحلبي أم الويسكي. قلت إذن أتمنى الويسكي، رد مهدي بانفعال كاد أن ينهي ليس جولتنا وإنما صداقتنا برمتها، قال: أنت كذاب. وقلتُ أنا أحب الكذب، الويسكي، الفستق الحلبي والمرأة. أضحكُ الآن حدّ البكاء، أرى يومي يتحول بلا أسف إلى أمس، يخلف ذكريات نقتات عليها في غد يمعن في المجهول. أمرتُ الثياب بالانسحاب عن جسدي ارتقاء إلى أمنية الماء. بعد أن تكلل النجاح عملية الاستحمام، أعود إلى السرير ببلل أقل وذلك تم بمعونة المنشفة، أنشر جسدي على السرير وأدعو النوم.
أصحو بعد إغفاءة قصيرة مرت بلا حلم يذكر. أفكر بالاتصال بالشعراء الذين طلب الشهاوي مني الاتصال بهم، وتنويعاً على طلبه فقد اقتنيت في أكادير كتاباً هو(دليل الشعراء المغاربة) لعلني أتعرف عن قرب على الشعراء المغاربة. نقص هذا الكتاب هو خلوه من نماذج من أعمال الشعراء الذين يأتي على ذكرهم. بفضل الكتاب عرفت أن الشاعر حسن نجمي والشاعرة وفاء العمراني يقيمان في الدار البيضاء. تناولت رشفتين من كأس الويسكي. أتصلت بالشاعرة مليكة العاصمي، لكن للأسف لم أظفر للأسف لم ألقها تلفونياً. اتصلت بالشاعرة ثريا إقبال فوجدتها تلفونياً، رحبت بي في مراكش ودعتني إلى تناول فنجان قهوة في نادي الصيادلة. هيأت نفسي، فجاءت على موعدها مصطحبة ابنتها. هناك في نادي الصيادلة عرفتني على عائلتها وعلى أصدقائها. سألتني عما أرغب في شربه، قهوة سادة وكأس ماء بارد لطفاً، قلت. نقلت طلبي إلى النادل عبدالجبار الذي عرفت أسمه لاحقاً، انه شاب هادئ وفير التبسم، لكن أحلامه محبوسة عنه. لكل فقير ضريح يرقد فيه واحد من أعز أحلامه. شهدت الجلسة نقاشاً اختلفنا فيه على الحداثة في الشعر، فالميل إلى الصوفية وهي باحثة فيها يطرح تشدداً لغوياً. فاللغة تصبح هي النص وهي الهوية. الجلسة دامت زهاء ساعة لم يعرض عليّ فيها سوى فنجان القهوة إياه الذي لم يتكرر البتة، أما كأس الماء فحضر متأخراً معتذراً لكونه ليس بارداً، انتظرت عبثاً أن يأتي فنجان قهوة ثان. شعرت بجوع، لأن اضطرابي وقلقي منعاني من الاقتراب إلى الطعام. في منتصف الطريق إلى مراكش توقفت الحافلة، لكن الخوف والحلم أدبرا بالشهية. لكن الشعور بالجوع بقي قائماً. شبعت من مرأى جوعى ينهون جوعهم.
جوعان
يجوع بي الجوع
أنا الجائع الأبدي
جوعان
إلى
كل
شيء
وكل ما حولي جوعان
لا خبز يودي بجوعي ولا جوع
ألا يموت من الجوع الجوع
حاولت أن أحجب أفكاري وأتعلق بما أرى. لكن الجوع شرع بإرسال تحذيراته، الجوع خصم الديمقراطية، طغى الجوع على آرائي فتطرف بها. انتظرت أن تعرض السيدة عليّ فنجاناً آخر، كأس ماء أبلل به على الأقل الحديث قبل أن ينشف كما نشف ريقي. زاد المطر الجوع بلّة. تساقط المطر على شكل زخات خفيفة، لم تقهرنا على اللجوء إلى سقف. اجتهدت كي لا أبدو كئيباً. سقوط المطر علامة على انهيار لحظة مشرقة. يعتبر سكان الشمال الأوربي ظهور سحابة أو زخة ماطرة خيبة وتعدّ خسارة من خسائر سفرهم نحو الشمس. الشمس ما نفتقدها نحن القابعون في العتمة والبرد، نعيش رهن مطر يذهب لكي يأتي بأكثر غزارة. سقط الأمل كلياً بفنجان آخر من القهوة وكأس ماء، وتلبية لنداء الجوع ولوعته، استأذنتها بالذهاب. تطوف الشاعرة ثريا إقبال بسيارتها، تقطع شوارع وساحات، لا تخلو من زحام بشري ومروري، فالمغاربة يتواجدون بوفرة في الحدائق، على الأرصفة، في الساحات وتغص الأسواق بهم، إنهم ليس في ظهور له شبيه، انهم في حالة انتشار لا شبيه لها. تتوقف الشاعرة ثريا إقبال عند بعض المعالم السياحية منها صهريج المنارة، أثر الموحدين للري، تقول وتنطلق بالسيارة، تشير بيدها إلى مئذنة الكتبية، أعلى صرح في مراكش ويمكن مشاهدتها عن بعد ومن أي مكان، تضيف. تفضلت عليّ بمعلومات وشروحات تاريخية وجغرافية، لولا الجوع لحظتها لتذكرتها الآن. الشاعرة ثريا إقبال سيدة جادة وعميقة التفكير والمبادرة. وجدتني مديناً لها بذكريات تنشأ بسرعة دقيقة عن المدينة وناسها. كما قلت، اختلفنا بجدية على الشعر، وجهات نظرها بالحداثة كانت مدعاة لألمي وأسفي. لكن مع ذلك توطدت الثقة بيننا وانعقدت صداقة نتج عنها لاحقاً تعاون ثقافي وترجمة.
تضعني السيدة ثريا إقبال أمام باب الفندق. تاركة لي وعداً قابلاً للتنفيذ بدعوة غداء مع أسرتها. أدخل الفندق بعد التأكد من مغادرتها. أجري إلى المطعم المقابل للفندق وأطلب على الفور طاجناً مغربياً (لحمة، بطاطا، بازلاء، زبيب وخبز). ما أن تجّسد الطبق أمام ناظري حتى أجهزت عليه.
يأتي الكاتب جعفر الكنسوسي مساء، ننتقل بسيارته إلى ساحة جامع الفنا. يركن السيارة ونذهب مشياً إلى مقهى فرنسا المطل بطوابقه الثلاثة على الساحة. ينضم إلينا الناقد عبد العزيز بومسهولي. نتناول القهوة، نتحدث عن الأمسية الشعرية، وينقل عبد العزيز بومسهولي بعضاً من الأفكار الواردة في ورقته النقدية عن «كتاب أسئلة العقل». التي سيقدمها في الأمسية الشعرية الموعودة.
ينفصل عنا جعفر الكنسوسي ذاهباً إلى منزله، فأطلب من الناقد عبد العزيز بومسهولي أن نأخذ الطريق إلى الفندق مشياً. لا يمانع. تطأ أقدامنا ساحة جامع الفنا. تطالعنا مئذنة الكتبيّة، تشرف على الساحة محال لبيع الصناعات التقليدية، مصارف، مقاهي، مطاعم وفنادق. ساحة تتجدد في كل لحظة، لا تكرر مشهدها. كرنفال متنوع لإشباع الحواس بهجة. تتبارى الألوان وتتنافس الأصوات. تتعالى أصوات، هتافات، رواة، حواة. يترنح ناقرو دفوف، قرادون يتقافزن وعلى وقع الرق تتراقص القردة. محفل لبشر جادين بأزياء شعبية متعددة الألوان منفتحين على الفرح، الدهشة والمفاجأة. يقصد الساحة أهالي مراكش وزوارها للشراء أو لتناول أكلة معينة. بعض الأكلات أصبح تحضيرها في المنازل نادراً أو يحتاج إلى وقت وأدوات طبخها يصعب توفيرها. تتوقف عربات باعة العصائر على شكل قوس يحزم الساحة. في المساء تنتشر نقاط لبيع الأطعمة الشعبية، يتشكل ظهورها على هيئة صفوف متوازية، تتألف من طاولات، مصاطب وأدوات طهي وخزانات مياه صغيرة. يكثر في كل نقطة أكل القائمون عليها، يطغى عدد الرجال على قلة النساء العاملات في هذه المهنة. الأجساد وأطرافها في حركة غير قابلة للسكون، والألسنة تهدر في ترغيب المارة في أطعمتهم ودعوتهم إلى تناولها، دعوة لا تخلو من إلحاح. رائحة الشواء، أنوار تتخلل أعمدة الدخان وسحبه الواطئة. توابل لا تتورع بنشر روائحها بلا رادع ولا داع أحياناً. تحيط الساحة محال مضاءة. يشغل حيزاً كبيراً منها باعة الأطعمة والعصير، حشد من المغاربة وجمع من السياح من هم منْ يتوقف في الساحة ومن هم منْ يسير عبر بوابات عالية إلى الأسواق القديمة الطراز. الصمت معزول، نساء بجلابات يفخرن بأنوثتهن ويعبرن عنها بتحركهن، يشاع عنهن عطرهن ويصدر عنهن كلاماً منغماً. الضجيج مؤثر صوتي يرافق ظهوراً بشرياً بأزياء تقليدية وحديثة بعرض يتجدد باستمرار رافضاً الركون إلى توقف. ساحة جامع الفنا مكسب كوني.
يتوقف عبد العزيز بومسهولي عند احد نقاط الأكل وبالتحديد عند بائع الشوربة «الحريرة»، نندس بين آخرين مغاربة وأجانب، نجلس متراصين. الأفواه لا تتوقف عن الكلام. تبذير بالكلام. التراص يسمح باستخدام اليدين إلى الأمام. يطلب عبد العزيز صحنين من الشوربة. اخجل منه، لا استطيع أن أرد طلبه. فأنا يصعب عليّ الأكل من الباعة المتجولين، لعدم استيفاء أكلاتهم لشروط الصحة والنظافة. يستدرك توجساتي، يجيب على سؤال لم يطرح بعد، هناك رقابة صحية صارمة، يقول. أرى شكل الملاعق الخشبية جميلاً. يأكل هو بشهية يحسد عليها، وآكل أنا بطريقة تثير الشفقة. آكل على مضض ودون تذوق لطعم. أسبقه إلى تسديد الحساب، يعترض ثم يقبل بذلك. نخلّص أجسادنا من الآخرين المتكاتفين ونتجه مشياً إلى الفندق الكائن في «جليز» الحي الحديث في مراكش. في الطريق نتحدث عن الشعر، ويريد هو أن يعرف مصادر كتابتي الشعرية. يعترضنا متسولون وشحاذون نفلح في تفادي طلباتهم.
أودعه، أدخل الفندق أفكر في تناول قنينة بيرة، أجده مقفراً، يخيم عليه الصمت والعتمة. الصالة نصف عتمة، مهجورة، التلفزيون منفتح على مباراة كروية معادة. لا أثر. ينزوي رجل أوربي، يواسي الصالة على خوائها. لعله، ينتظر ابتسامة تخطئ غيره فتحط على شفتيه أو صدفة تنتج عنها فرحة. صعدت إلى الغرفة ونمت.
انهض على الساعة السابعة والنصف. اقصد المطعم المقابل للفندق، أطلب فطوراً مغربياً مع قدح من الشاي الأكحل «الغامق». اقطع شوارع ضيقة وأخرى أضيق بقليل، تتسع بالناس وبي. يصبحون عليّ بسيماء راضية عن ظهوري الطارئ عليهم. يعيرونني اهتماماً، نسوة يحملنني ابتسامة ونظرة. يسعدني ذلك ويؤكدني مرة أخرى. على الجدران شعارات بعضها تحذر من التراخي بالفضيلة. على الأرض نسوة يبعن الخضار.
اتجه نحو مقهى التجار الكائن في حي «جليز». منتظراً جعفر الكنسوسي وعبد العزيز بومسهولي. يأتيان بثالث هو مولاي عبد السلام، يعانقني بحرارة، كأنه يعرفني منذ زمن سحيق، يعبر عن سعادته باستضافتي في منزله. يجلسون قبل أن ننتهي من تناول القهوة ينضم إلينا الفنان أحمد إسماعيل طريقة مصافحته رغم حرارتها المبالغ فيها لا تخلو من توجس وتحفظ. سرعان ما تتسع دائرة جلوسنا بآخرين، لم احتج وقتاً لأندمج معهم. أضفي جواً من المرح الجاد على الأحاديث، أريد الخروج بها من الأجواء الأكاديمية والخطب إلى الناس في الشارع. نفترق على وعد بلقاء مسائي. أنهي وجودي في الفندق، بسيارته يقلني وحقيبتي جعفر الكنسوسي إلى منزل مولاي عبد السلام. لأحل ضيفاً عليه حتى مغادرتي من مراكش.
في المساء بعد لقاء قصير في مقهى التجار، يعطي الفنان أحمد إسماعيل إيعازاً لا رجعة فيه بوجوب الانتشار إلى جهة البار، بيرة، بيرة يا شباب يعلن. وقت البيرة قد أزف. اشكره في سري، فعلاً الوقت مناسب للبيرة. نذهب مشياً إلى بار «النخيل» الكائن في «حي المسيرة». ندخل البار، نأخذ طاولة في الحديقة. نطلب قنينتين من النبيذ الأحمر «الروج». أتحسس القنينة أجدها مبردة، اطلب من النادل أن يستبدلها بأخرى غير مبردة. نشرب نخب تعارفنا وصداقتنا الصاعدة. يتشعب الحديث بنا عن الأدب، الدين والسياسية. أحمد إسماعيل يلتمس عذراً مسبقاً على ما سيطرحه، يتابع مولاي عبد السلام ما سيلي بتحفز واهتمام. أحمد بن إسماعيل يقول: أعلم بوجودك في مراكش، أقبلت على لقائك من زاوية الفضول لا أكثر. فقد أقلعت عن لقاء الكتّاب العراقيين، فالذين صادفتهم كانوا عدوانيين وقساة في أحكامهم، ندمت على لقائهم وتأسفت عما قرأته لهم. لكن لقاءك أسعدني، بصحتك، ينتهي قوله، بصحتك يبدأ قولي: إن القسوة تمكث في العراق منذ فترة طويلة، والعنف والأحكام بالإعدام والإعدام بالأحكام كما يقول غيري، سارية دون تمييز أو نقض. طالعنا العالم بالتشريع، لم نرث ولا نورث تقاليد تشريعية. القسوة توحد البشر. نحن دولة بلا تشريع. رأس الدولة يقول ما القانون كلمتي هي القانون. شريعة حمورابي تقرّ بالتعذيب كعقاب، والعقاب التشريعي يعني الثأر والانتقام وليس إجراءً ملزماً لرد حق وتحقيق عدل. لا صلاح ولا إصلاح فيه. قد تكون القسوة عادة لفرد أو لعدّة أفراد، لكن الخوف أن تتحول القسوة إلى تقليد شعبي يستدعي قيام مؤسسة تنظم شؤونه، بصحتك ينتهي قولي.
بعد كأس أو ربما أكثر، تطرح المرأة في المحفل الذكوري أينما ينعقد وفي أي مكان تطوف المرأة عارية مرة وأخرى محتشمة. النساء خامة الحديث، هن الماكرات، الخائنات، المتمنعات، شريرات، عظيمات الكيد، ناقصات عقل، يساوي بينهن وبين الساقطات الوضيعات وبين القتلة العظام. في لجة بحر التهم تنجو بسمعتها أكثر من امرأة وتخرج ليست محترمة وإنما شريفة بوثيقة لفظية من مجمع المتكلمين. التعليقات والردود تمثل سجالاً، فهناك دائماً صوت مع المرأة ينتصر لها ويحمي كرامتها من الانتهاك الغيابي. أما التعميم فالغرض منه دفاع ثأري عن علاقة مطعونة، علاقة غير متكافئة. أو غضب على نساء لا يتجاوبن أصلاً، التعميم هنا هو خاص في جوهرة، يخص تجربة فعلية مع امرأة معرّفة، لا تجريِ الإشارة إلى اسم امرأة بل لجنسها. غير أن عدم التصريح مرده الخوف من مكائد الصراحة ومآزق الصدق. في الجلسات حدثت بيننا غير مرة مشادة بين الآراء وشجار بين وجهات النظر. وبالتحديد عند طرح كيف تجد أمة في مستبد بطلاً. وهل يمكن إعادة قراءة سيرة الابطال التاريخيين على أساس دورهم في العدل وموقعهم من البناء. ولماذا البطل القومي هو المسلح أبداً. لكن ما يجمعنا نحن السكارى بالحب وبالخمر كان أقوى مما يفرقنا. فغياب المرأة عن المكان يجعله صلباً وأقرب إلى السقوط في تيه القسوة. تأنيث المكان تكريم لكلا الجنسين. نختتم الحديث بأضمومة معتبرة من النكات.
تشير الساعة إلى الثانية بعد منتصف الليل. نذر جوع تلوح. اقترح عليهم تناول طعام، ينال الاقتراح كل الرضا. توكل المهمة إلى أحمد إسماعيل ليقوم بها. في مواقف كهذه يكون قائدها الأبرع ومديرها الناجح. فهو قائد يحسد على قيادته في اختيار الحانات، المشروبات ورفاق المنضدة الندماء. بثقة العارف يطلب طبقاً. هو معروف من الندّل ورواد الحانات، رغم أنه يقيم في الدار البيضاء ويعمل فيها، لكن حفلات أنسه وأجمل مناسباته تعقد في مدينته الأصلية مراكش. توابل ترسل رائحتها الزكية لتمهد بها الشهية إلى الطاجن. أخذت أقبل على الأكل باليد أسوة بالمغاربة.
ننتهي من الأكل، الشرب والكلام ومن الرغبة في البقاء يقظين. أدخن كثيراً. يتسلم أحمد إسماعيل الفاتورة، يجمع، يطرح فيقسم المبلغ على الجميع ليس بالتساوي وإنما بالعدل. نترك بار النخيل نقطع درباً ترابياً شحيح الإضاءة. موحشاً يخلو من غيرنا. نأخذ تاكسي إلى رياض العروس حيث يسكن مولاي عبد السلام وأحمد إسماعيل وهو جاره. ادفع أجرة التاكسي تضاف خمسين بالمائة على التعريفة ليلاً. رغم ميلهما إلى الطرافة، لكنهما عندما تطأ أقدامهما شارع حيهما، يحيطانهما بجدية واتزان تصل إلى حد الافتعال أحياناً. وذلك لكونهما ينحدران من العائلات المراكشية المعروفة. فضلاً عن ذلك احمد إسماعيل يعمل أستاذاً في احدى ثانويات الدار البيضاء ومولاي عبد السلام يحمل شهادة دكتوراه في البيولوجيات. يمر بنا عدد قليل من المارة في هذا الوقت المتأخر من الليل يحيونهما بوقار.
نودع بعضنا بالأحضان والقبل كأننا نفترق إلى الأبد. وليس على أمل وعد بلقاء على طاولة الفطور بعد بضع ساعات.
أميل إلى الغناء، لا أعرف هل هي رغبة أم أنها حاجة. أتذكر أغنية مصرية، ارددها:
كلنا بنحب القمر، بس القمر بيحب مين؟
يكتظ البيت وفناؤه بالأصوات، أصداء نداء تتعقب منادى، وقع أقدام وارتطامات، أناس وأشياء لا تظهر لعين، كأنها موكلة بطرد الصمت وكسر عزيمة الوحشة، هنا لا يسعني أن أطل من الشرفة، غرف الطابق العلوي ترتبط بشرفة غير مأذون إشغالها، توجد مسافة فاصلة بين أبواب الغرف ونوافذ عالية على النظر، مشغولة بنقل الأشعة، تسريب الحرارة ورفد ضجة البيت بشيء من صخب الشارع -الخارج. الصخب بدا حميماً أنهى أعراض هدوء كوبنهاجن البادية عليّ، ففي شوارع كوبنهاجن الخلفية تصاب بالوحشة، إذ يندر ظهور شخص أو تحليق طير. فالصمت المتسلط يخلي الشوارع والأبنية من الحركة والصوت. كائنات مجبولة من السكون المحض. الأضواء تطرد الوحشة عن الأشباح. كيف تكون البيوت مأهولة ولا يتسرب شيء منها لعين أو لأذن.
أتحزّم بالمنشفة وأتجه إلى الحمام، أحلق ذقني، وأترك الدوش يغمرني بمائه حد الحس بالملامسة. أريد أن أستقبل الساعات التي توشك على القدوم أنيقاً ونظيفاً. أدخل الغرفة، أدخن أطوي رسالة حب تلازمني، أخفيها في مفكرتي، ولا أعرف سر إصراري البليد على حمل مفكرة، تعلن عن بيع جملة الوقت بالمفرّق. أجلس كيفما أتفق، إن فكرة ما تداهمني الآن، أخرج دفتراً أزرق وأختار بعناية مبالغ فيها القلم ولون حبره. أدع ضوءاً جسوراً يتخللني بمودة وأشرع بتدوين أفكاري، لا أعرف لِمَ هذه الأفكار التجريدية النظرية المحضة وليست غيرها، لِمَ لا تكون ملاحظات حسية تحتفي بالمكان وأهله. كتبت:
«يستحيل الوجود الواعي إلى مشروع يبعث على القلق. وانقسام البشر إلى وحدات فكرية ظاهرة طبيعية. ونظراً لعدم تيسر الوسائل الطبيعية لإدراك طبيعتي الوجود والعدم، فسيتراوح العيش بين تجربة ومغامرة. وهنا، ستختلف درجات النظر ووجهاته إلى مستوى آراء سرعان ما تتحول إلى مواقف عقائد وأيديولوجيا تتصارع على احتكار الحقيقة. غير أن من المؤسف أن ينحاز الإنسان كلياً إلى رأيه، نازعاً عن الآخر الحق في المغايرة. أرى أن الآراء في حالة نسقية وليست عمودية، ويمكنها أن تتجاور بسلام وبتأثر، تختلف الآراء لكنها لا تتناقض بالضرورة. لكني، أرى أن التفاوت الجمالي، وتباين الإحساس بالجمال قد يلحق التعاسة بأي سعيد محتمل. ألومني عليّ، لماذا اعزلني عن مكان يرحب بي بالضجة وبتنوع الحالات والألوان، الإنسان ضحية طبعه، والتطبّع رد غير مكفول».
ينتصب أمامي مولاي عبد السلام نصف عارِ، كأنه تمثال إغريقي هرب لتوه من قاعدته، لكنه ليس مسكوناً بالخوف من ملاحقة حراس التاريخ المطالبين باسترداده. يقبل مرحباً، باسماً ومستعداً للقيام بأفعال مرحة.
* جزء من نص طويل.
منعــم الفقيــــر
شاعر عراقي مقيم في الدنمارك