جوناه راسكين*
في رواية «المسخ» المبهرة الصادرة عام 1915 يستيقظ جريجور سامسا مثل كافكا المخالف للعرف فيجد نفسه وقد تحول إلى حشرة، كقصاص له على النكاح المحرم كما اقترح بعض النقاد.
في «أصدقائي»، التي نشرت في فرنسا عام 1927 -وترجمتها حديثًا إلى الإنكليزية جانيت لوث- فإن بطل إيمانويل بوف المتعارف عليه، فيكتور باتون يرى وكأنه قد ولد ليكون قملة. محارب مصاب من الحرب العالمية الأولى. إنه دخيل، غير ملائم، وشخصية مرسومة يحب القارئ أن يكرهها، أو يحب أن يحتقرها. هو حتمًا قابل للاحتقار، رغم أن الشخصيات التي يقابلها لا تستطيع رفض تبنيه ومحاولة ضبطه.
إيمانويل بوف، مؤلف «أصدقائي» وأعمال أخرى، ولد باسم ايمانويل بوفينكوف عام 1898، عندما كانت فرنسا قوة إمبراطورية. وتوفي عام 1945، عندما كانت الإمبراطورية الفرنسية قد تحطمت بشكل كبير، وظهرت وجودية ألبير كامو وجان بول سارتر من ظلال الحرب العالمية الثانية.
لو بقي بوف حيًا بعد 1945، كان من الممكن أن يصبح مشهورًا مثل المفكرين الأوروبيين الذين صنعوا الحياة الفكرية الأوروبية والأمريكية في أواخر 1940 وبدايات 1950.
كان بوف معاصرًا قريبًا من كافكا. كتب باسم مستعار كما كتب باسمه الحقيقي. في السنوات الـ 50 الماضية، كان بوف قد غاب عن الأذهان بشكل عام، بالرغم من أن إعادة نشر «أصدقائي» ساعدت على إحياء سمعته ثانية.
ترجمة جانيت لوث تعطي نفس الإحساس الذي أعطته الفرنسية الأصلية. هي أيضًا تذكر بالصوت الأمريكي القاتم الذي يسمعه الإنسان في كتب جيم طومسون، مؤلف «المحتالون»، وقصص أخرى حول المجرمين والدونيين والخارجين عن القانون.
سواء أكانوا فرنسيين أو أمريكيين، فالشخصيات السوداء غالبًا ما تتبع لولبًا ينزل ببطء حتى يطول الأرض الصخرية فلا ينهض ولا يقع. نجده في نهاية الحكاية في نفس المكان حيثما بدأ، بالرغم من أنه قادر على النظر إلى الخلف نحو رحلته والتعليق عليها.
قد يعجب عنوان الكتاب المتهكم «أصدقائي» -بعد قراءة التعليقات على الفيسبوك- مجموعة من المعارف، بما في ذلك الخادمات، المومسات، والعامل الذي يقابله في البارات والمطاعم وفي شوارع باريس، في فترة بعد الحرب العالمية الأولى.
لا يحدد بوف أي تاريخ لقصته، بالرغم من أن الراوي والشخصية الرئيسة، فيكتور باتون، يقول عن مالك قهوة له عين زجاجية: «هو يتمنى أن ننسى الحرب، وهو يأسف على أننا لسنا في عام 1910». فيكتور نفسه يشاركه هذا الشعور.
سلسلة من سبع مقالات قصيرة موصولة، «أصدقائي» تتبع باتون وهو يسقط من شقة إلى أخرى ومن شارع إلى آخر ومن سرير إلى سرير، حيث يمارس الجنس بشكل تلقائي. تتشكل حياته بشكل حتمي من مواقف كل ليلة على حدة، ولا واحد منها مُرضٍ بمعنى الكلمة.
ربما يرى فيكتور نفسه بدقة، كضحية للظروف. ولا يرى، في نفس الوقت أنه هو الذي ابتدع مصيره بيده، وأنه قد وصل لهذا الوضع في المجتمع الباريسي لأنه هو الذي اختاره في كل خطوة خطاها على الطريق.
يتلو فيكتور قصته بكلماته هو، جملة مؤلفة معظمها من الأسماء والأفعال، قصيرة وفي صميم الموضوع. لا تحتوي كثيرًا على الصفات أو الظروف…. وهي قصيرة ومباشرة.
كراوٍ غير شريف، يدعو فيكتور القارئ ليصطاد المعاني بين السطور. يكتب في الهوامش ويجمع معًا الضغوط غير المرئية في مذكراته في الأدلة المرئية التي يقدمها عن نفسه.
فيكتور يريد أن يستعيد صداقة لوسي، هنري، نوفو، بلاتش، ولاكاز. وهو يصر على ذلك. ولكن كل ما يفعله تقريبًا -سواء أكان حركة بسيطة أو تصرفا مؤكدًا- يقوده إلى تخريب صداقاته الكامنة.
قد يكون يكذب على نفسه دون أن يدرك ذلك. هو أيضًا قد يكون يخبر نفسه قصصًا لتمضية النهار وحمايته من التقاط حالة خطيرة من الملل.
يصف بوف مظهره وثيابه وبعض الأغراض التي يملكها، بما في ذلك محفظته الثمينة، التي لم يكن أبدًا بها الكثير من المال. وحتى عندما يكون فيها مال، فهو من تقاعده الذي يصله من الحكومة كمحارب قديم.
يصف فيكتور ميدان ليون وصفًا عبقريًا بأنه الميدان الذي يزوره، لأن محطات خطوط السكك الحديدية «تحيط بإحكام حول الحياة الخاصة للأثرياء».
إنه يحتقر الفقراء العاملين والعاطلين عن العمل وكل من هم ليسوا أثرياء. كان يحب أن يكون فردًا من البورجوازية الفرنسية.
في إحدى رحلاته المتعددة قابل امرأة شابة جميلة، ثم أخذ يطاردها ويخيفها. لم يتفاجأ أنها ركضت بعيدًا. يبدو أن فيكتور لا يعرف ما هو المناسب وما هو غير المناسب من التصرفات. وربما يعرف، لكنه يكسر قواعد السلوك.
عندما يفقدها حقًا، يقول: «كنت الرجل المجنون الذي كان الجميع يرغب أن يكون». هو حتمًا مجنون، بالرغم من أن لا أحد يريد مشاركته جنونه.
داروين سيخلص إلى أنه لم يكن جديرًا بالحياة.
فرويد قد يدعوه بالوهمي، العصبي، والمعجب بذاته.
ماركس سوف يقول إنه بروليتاري غبي ولن يثور أبدًا.
سارتر سوف يقترح أنه يساوي صفرًا عاش على حافة عالم من اللا شيء.
في نهاية قصته -التي تقدم صورة جماعية للباريسيين وصورة صارخة للمدينة نفسها- يدعو فيكتور العزلة، «شيء محزن وجميل» مضيفًا، «ما أجملها عندما نختارها! ما أحزنها عندما تفرض علينا سنة بعد الأخرى!»
«أصدقائي» تتبع رحلة فيكتور الملحمية نحو عزلة هو اختارها وهي أيضًا مفروضة عليه. جزء منها شخصية روائية من القرن التاسع عشر لعالم إميل زولا المظلم والجزء الآخر شخصية روائية من القرن العشرين لعالم كامو.
لحسن الحظ، روايته قصيرة. نتحمل 150 صفحة وأحيانًا تسلينا ونحبها، لو كانت أطول من ذلك لكانت مملة وممطوطة.