لولوة بنت خليفة آل خليفة
شاعرة وأكاديمية بحرينية
لم توجد لحظة أدبية حاضرة أو سالفة، إلا وشعرت بأنه فيها الأب، أبٌ للأدب وعرَّاب له، في كل كلمة من كلماته، ونصيحة من نصائحه، يُشرع للسائرين في دروب الكلمة بوابة الأدب، فتوجيهاته الأدبية توجيهات العارف الخبير، ذلك الذي يفتح للأدب سماءً أخرى.
أستاذنا علي عبد الله خليفة، الذي لما تكون حظيظًا بأن يسرد لك ذكرياته منذ الطفولة، يدخلك في عوالم من الدهشة والغرابة لا يحدها أفق، تسمع معه الحكاية وكأنها خيال، فالحقيقة التي عاشها أقرب للخيال، والحياة التي طحنته وطحنها كانت حافلة، حقيقةً كانت حياةً حقيقية مشبعة بالتجارب، ومعتقةً بعطرها، فلم تكن حياة عادية، تلك كانت رحلة شاعر وأديب ومفكر، والأديب يعيش الحياة مرتين، مرة في أدبه عندما يكتب، ومرةً قبلها وهو يسير ويجرب ويختبر في دروب الأيام مجاهيلها.
عندما يحكي لك تشاهد عيانًا الجسر وهو يُطبق ليحمل العابرين من المحرق حتى المنامة في تلك الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ثم ينفتح كبوابةٍ لعبور السفن بعدها، في مشهدٍ سريالي عجيب، تعيشه حيًا معه، لأنه حيٌ في ذاكرته فتمتزج بها لتصبح ذاكرتك، فلديه تلك الروح الشاعرة التي تصور وتموسق وتبعث حولها انتفاضة الحركة والحياة معًا.
وفي المنامة حيث كان مقر عمله وهو فتىً صغير، ظل يعمل ويقرأ آلاف السطور في آن معًا، والجسر الذي يعبره ظل أثره في حياته حتى اليوم، فلا يزال أديبنا يعبر من المجد إلى المجد، شاعرًا وأديبًا.
سألته يومًا، كيف هي البحرين في قلبك؟ فأجاب، يومًا ما في الماضي البعيد كنت أعتقد بأن البحرين هي العالم، أي عبارة تلك؟! وأي أخذ! وأي بريق! لهذا الحب العظيم للتراب والنخل في جزائر اللؤلؤ.
تئن الصواري في شعره، ويتراقص الموج فتبحر المشاعر في رحلة السطور، هذا هو علي عبد الله خليفة، بشعره الذي يحرك السواكن، وربما يُسكِّن المتحركات دهشةً وإعجابًا!
لست هنا لأحصر مؤلفاته ولا رصيده الإبداعي، ولا لأجمع أو أعلق على الكم الممتد لأكثر من ثلاثين عامًا، فالذي دائمًا يجمع ثم يعطي ويغدق كان هو، الذي لا يلقاك خاليًا هو، ذلك الشاعر الحاتمي الكريم، كريم بعلمه وأدبه وشعره ومؤلفاته، لا يجيء إلا حاملًا معه للجميع ورد شعره يوزعه عليهم بكل حب وكرم.
فيا صواريه ظلي إِنِّي، ويا بحره ظل أزرقَ، ويا ورقه كن معشبًا دائمًا كما أرادك ولايزال يريدك، ويا عصافير مسائه ظلي غردي، ويا مياهه الرقراقة فلتجرِ أنهرك للذي في قلبه ياسمينة الحياة، ذلك الذي لا يشبهه أحد، فقد قالها يوما «لا يتشابه الشجر».