حوار وترجمة : عادل خزام
كاتب ومترجم إماراتي
بدأ الأدب بالملاحم الشعرية السردية الكبرى، من الملحمة البابلية جلجامش إلى الملحمتين اليونانيتين الإلياذة والأوديسة، والملاحم الهندية الماهابهاراتا والرامايانا، إلى الملاحم التي تخص الأقوام والجماعات العرقية. ولكن في عصر العولمة هذا، لا يوجد شعر تاريخي مشترك بين البشر على الرغم من حقيقة أن الحضارات البشرية تطورت من مهد واحد، من بابل في بلاد ما بين النهرين إلى مصر واليونان، ومن الشرق في الجزيرة العربية وبلاد فارس والهند والصين.
اليوم، في العام 2022 يقدم الشاعر الصيني تساو شوي، ملحمة شعرية جديدة بعنوان (ملحمة أوراسيا) من خلال دمج تاريخ هذه الحضارات في منظومة شعرية ملحمية لا تعتمد على القصص العظيمة والإيقاعات المتنوعة فقط. بل يأمل المؤلف في إنشاء هيكل للقصة من خلال التأمل في الوجود كله، وضمان حضور المعنى الشعري من خلال التدفق الغنائي الحر.
ولد تساو شوي في 5 يونيو 1982، وهو شاعر وروائي وكاتب سيناريو ومترجم وشخصية تمثل الأدب الصيني المعاصر. في منشوره “بيان القصيدة العظيمة” نادى تساو إلى دمج الثقافات المقدسة والعلمانية، والثقافات الشرقية والغربية، والثقافات القديمة والحديثة في الأدب الصيني. في عام 2008، استقال من إحدى الصحف وسافر حول التبت وشينجيانغ، وهي مركز أوراسيا أو العالم من وجهة نظره، ليكتب هذه الملحمة الكبيرة التي تحكي في ثلاثة أجزاء عن تاريخ التطور الكامل للحضارة الإنسانية. وهو هنا يستخدم دلالات ورموزًا من مختلف الحضارات الإنسانية القديمة لإعادة بناء وطن إنساني طوباوي جديد، وهو يصفه بأنه أوراسيا، قمة برج بابل أو جبال كونلون (جبال السماء).
نشر تساو شوي عشرين كتابًا، منها خمس مجموعات شعرية وعشر روايات وثلاث ترجمات و100 حلقة من المسلسلات التلفزيونية والأفلام. كما حصل على أكثر من 50 جائزة أدبية في جميع أنحاء العالم وترجمت أعماله إلى لغات عدة وهو عضو في جمعية الكتاب الصينيين وجمعية الصين للأفلام وجمعية الشعر الصينية. وهو أيضًا رئيس تحرير نشرة (جريت بويتري)، ونائب رئيس تحرير مجلة الشعر العالمي، والأمين العام لمهرجان بواو للشعر الدولي، ونائب رئيس مهرجان طريق الحرير الدولي للشعر. يعيش حاليًا في بكين ويعمل كاتبًا وكاتب سيناريو محترفًا.
نتعرف في هذا الحوار على تجربة هذا الشاعر المهم، وبعض أفكاره حول الشعر العالمي، ونقرأ جانبًا من نصوص (ملحمة أوراسيا)، الاسم المركب من كلمتي أوروبا وآسيا.
أصدرت مؤخرًا (ملحمة أوراسيا). هل ترى أن هناك ضرورة لوجود الشعر الملحمي اليوم؟
– الملحمة هي علامة على الروح الجماعية للأمة، وقد أختفى وجود الملحمة منذ زمن بعيد. نحن نواجه عالما وليس أمة. نحن نعيش مع العلم بدلًا من القصص الأسطورية. نحن نوظف الشعر الحر بدلا من الشعر الموسيقي. وبالتالي فإن فكرة الملحمة الحديثة تواجه أزمة شرعية غير مسبوقة. مع ذلك، كانت الملحمة هي الشكل الأدبي الأصلي. في العمق كانت القصة الملحمية تصف أحداث أمة بأكملها. وفي الظاهر والشكل، كان هناك إيقاع اللغة الوطنية للملحمة. كان لها وظائف مختلفة تتجاوز الأدب في العمل. يمكن القول إن الملحمة كانت الشكل الفني الوحيد. تقريبا كل أمة في العالم لديها ملحمة خاصة بها. تعتبر ملحمة جلجامش في بلاد ما بين النهرين أقدم ملحمة تم العثور عليها حتى الآن. تشمل الملاحم الشهيرة في عائلة اللغات الهندو أوروبية، الملاحم اليونانية: الإلياذة والأوديسة ، والملاحم الهندية: ماهابهاراتا ورامايانا. تشمل الملاحم اللاحقة في أوروبا (بياولف) في إنجلترا، و(تشانسون دي رولان) في فرنسا، و(كانتار دي ميو سيد) في إسبانيا، إلخ.
هناك أيضًا “الملاحم الصينية الثلاث” الملحمة التبتية (جيزار) والملحمة القرغيزية (ماناس) والملحمة المنغولية (جيانجر). ليس لدى الصينيين من أصول هان ملحمة خاصة بهم، وإذا كانت هناك ملحمة فيبدو أنها ضاعت في العصور القديمة على الرغم من أنه قد يقال إنها كانت موجودة في وقت لاحق في شكل سير ذاتية تاريخية متأخرة. هناك تواريخ رسمية مختلطة في جميع السلالات- من “السجلات التاريخية” إلى “مسودة تاريخ تشينغ” إلى التاريخ الخامس والعشرين، وهي مكتوبة بالنثر وليس الشعر.
ماذا عنك؟ ما الذي تحاول قوله من خلال كتابة ملحمة في القرن الحادي والعشرين؟ هل ترى أنك تعيد مرة أخرى كتابة السيرة لأمة ما، أو حتى سيرة العالم من حولنا؟
– نحن الآن في عصر الشعر الحر الذي أنشأه والت ويتمان. نحن لا نستخدم النظام الرمزي الواسع النطاق للعصر الملحمي النموذجي. ليس لدينا النموذج الكوني الصوفي لعصر الأدب الملحمي. ليس لدينا حتى هيكل الإيقاع الخارجي. يتم تقسيم الملحمة بشكل أكبر في العصر الحديث، وغالبًا ما تظهر فقط كمصطلح صفة من أوصاف الأنواع الأدبية أو الفنية، مثل القصة الملحمية والمسرح الملحمي والفيلم الملحمي. مع ذلك، لا يزال بعض الأشخاص يكتبون الملاحم على أنها “أعمال متوارثة عبر العصور” ويتزايد عدد الملاحم بدلًا من أن يختفي. لقد دخلنا اليوم عصر “الملحمة الثالثة” التي هي بلا قصص إلهية وأسطورية وبلا إيقاع لغوي نعود إليه. يوجد نوع من “الشعر العظيم” التأملي في شكل الشعر الغنائي. يكتب الناس باللغتين الشرقية والغربية ملاحم حديثة، مثل (كاثاي) لعزرا باوند، و(الأرض اليباب) لتي إس إليوت و(أغنية الحصان الأبيض)، لجي كي تشيسترتون، وكتاب هاي زي (الشموس السبع)، و(نوريلانغ) ليانغ ليان، وغيرها.
تتحدث عن مصطلح جديد هو “الملحمة الثالثة” في عصر الشعر الحر. ملحمة بدون روايات وقصص غامضة أو إيقاعات غنائية شعرية، ما هو نوع “الشعر العظيم” الذي يمكن أن يوجد في هذا الشكل الجديد العصري من الملاحم الأدبية؟
– في مواجهة عالمنا المعولم، يجب أن ننظر في تطور الروح الشعرية، وإلى إمكانية التكامل بين الثقافات الأسطورية والعلمانية، والثقافات القديمة والحديثة، والثقافات الشرقية والغربية. ويتم ذلك من خلال التأمل الداخلي، وبناء شكل شعري غنائي خارجي على جوهر الشعر في العمل. اليوم، ليس لدينا قصة أسطورية وفقدنا إحساسنا بالإيقاع الأصلي. ومع ذلك، وبسبب هذا، يبدو أن الشعر قد عاد إلى نفسه. نحن نقوم بإعادة اكتشاف جوهر العالم من خلال التأمل. ندخل في الإيقاع الداخلي الفريد للتعبير من خلال الغنائية. ما نواجهه اليوم ليس القومية الفردية، بل كوكب المواطنة. وفي ضوء ذلك، يحتاج عالمنا إلى إنشاء أو استعادة نوع من “الملحمة العظيمة” في عصرنا.
أنت تتحدث عن ملحمة كونية تتجاوز الأعراق والأقوام، لكن ملحمتك الشعرية تحمل اسم (أوراسيا) وهي منطقة محدودة وليست هي الأرض أو الكوكب؟
– بشكل عام، تمتد الحضارة الإنسانية عبر المنطقة الشمالية المعتدلة من القارة الأوراسية. كانت القارة الأوراسية ذات يوم أرض الأحلام المجانية للبشر، وبالتالي فإن ملحمة البشرية هي ملحمة القارة الأوراسية. تشير كل الدلائل إلى أن حضارتنا لم تنشأ في أماكن كثيرة، بل انتشرت من مكان إلى آخر (على الرغم من أن موقع هذا المكان مثير للجدل للغاية). يرى النموذج القاري الأوراسي أن الناس ذهبوا غربًا من بلاد ما بين النهرين إلى القدس ومصر واليونان. وشرق بلاد فارس والهند والصين. زيوس، الإله الرئيس لليونان، والإمبراطور الأصفر للصين، هما مثل مردوخ الإله الرئيس لبلاد ما بين النهرين، وإله الرعد في الأصل. المراكز العملية الثلاثة عشر (أو الرموز) لتكامل الحضارات الشرقية والغربية هي: إسطنبول، بلاد ما بين النهرين أو الشرق الأوسط، القدس، الهند، روسيا، القوقاز، سمرقند، هضبة بامير، جبال الهيمالايا، دونهوانغ، شينجيانغ، التبت، وجبل كونلو. يمكن القول إن هذه المراكز تجسد القارة الأوروبية الآسيوية بأكملها. في الثقافة الشرقية، تعتبر جبال كونلون مقدسة مثل أوليمبوس في الثقافة الغربية.
كيف بنيت مشروع هذه الملحمة، من الفكرة إلى الكتابة؟
– عالمنا هو تجسيد لروح الكون. الملحمة هي وصف تلك العملية من خلال اللغة؛ الهيكل الداخلي لهذه القصيدة هو صورة مصغرة لتاريخ البشرية، كل الأشياء في العالم قد تمنحنا الاستنارة. يمكننا إظهار هذا النوع من الروح. لا مكان في القصيدة بدون أساس. إنها مثل فرن كيميائي، يجمع الإنسان عناصر من العالم لتنقيحها إلى نموذج كوني، ويكشف عن الروح الداخلية والوجود الخارجي للعالم.
الشكل الخارجي لهذه القصيدة هو غنائي الإيقاع بشكل غير مرئي. فقط أستخدم شكل الشعر الغنائي لإظهار الروح الكونية. تصف “المقدمات الكبرى الثلاث ” تطور العالم ، في حين أن هناك ” مقدمة آسيا: وتصف حلم بامير” و”مقدمة أوروبا: وتصف حلم البحر الأبيض المتوسط” وهي أيضًا وصف لعملية التطور لتكامل الجغرافيا والعرق بين آسيا وأوروبا. “القوس البارد: طوبولوجيا العالم” هي عملية تفكك العالم. المخطط هو تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو تفكك المثالية. بدأ العالم يتشتت من أقصى شمال القارة الأوراسية. “الكون المتذبذب بين الثقوب السوداء والثقوب البيضاء: أغنية العناصر” أستخدم هذه العناصر في المقدمات لبناء تصور عن العالم. تتضمن كل هذه المقدمات أغنيتين من الـ (يين) والـ (يانج) وهما كما يعرف الجميع أساس الفلسفة الصينية ويمر هذان العنصران عبر كل شيء، وهو أمر يصعب فهمه بالنسبة للحضارة الغربية. وبالمقارنة مع الازدواجية الغربية، كل شيء متحرك، خارجي، صاعد، دافئ ومشرق ينتمي إلى اليانج؛ بينما ينتمي إلى اليين كل شيء ثابت ودفاعي وتنازلي وبارد ومظلم وما إلى ذلك.
أخيرًا.. هل هناك نسخة ثابتة لهذا العمل، أم أنها كما ملحمة مستمرة ومفتوحة دائمًا؟
– ملحمة أوراسيا مثل تمثال ضخم. في هذه المرحلة يكون في مخططه الأول. في هذه القصيدة يصبح جوهر عالمنا أكثر وضوحا، ولن ينتهي حتى أموت. سيتم نشر نسخة كاملة في الوقت المناسب، وسيتم استكمال المزيد من الفصول في المستقبل.
المقدمات الثلاث الكبرى
لملحمة أوراسيا
المقدمة الكبرى الأولى:
الماضي والحاضر والمستقبل للرجل الوحيد الذي بلا ظل
أفتحُ عيني وأتذكر أو أتطلع إلى حياتي في الظلام
تم لم شمل ماضيّ ومستقبلي في العتمة العظمى
الظلام اللامحدود هو المظهر الأبدي
أما حياتي، فهي وميضٌ من نار
عشتُ في الحُلكة الداكنة طويلًا، وفيها ولدت أفكار مخيلتي
وأنت، اجلس في أي مكان في العالم
وراقب حياتك على هذا الكوكب من زاوية بعيدة
لقد تم وضع كل شيء بالفعل في مكانه
الشيء الوحيد الذي لا يمكننا لمسه هو أنفسنا
وهذا بالضبط السر الذي يربطنا
وهو عمود النار الذي يسري عبر الكون
كل شيء موجود بسبب هذا العمود السري للنار
كل شيء يبدأ هنا وينتهي هنا
أنا أتقلب في النور والظلام
متنقلًا بين ثقب أسود وثقب أبيض
ناظرًا إلى أفراح وأحزان النور والظلام
ليس لي عونٌ أو صديق في مواجهة هذا الكون
أنظرُ إلى هذه الكائنات
وإلى الأشياء التي تدور حول عمود النار السري هذا
أغرق في الصمت العظيم
وهذه ليست سوى واحدة من صور العدم التي لا حصر لها
المكان الوحيد للجلوس في حضن الماء، هو هضبة بامير
إنها فرصتي الوحيدة
تأتي الرياح من جميع الجهات
وأنظر وأتأمل حولي
كتلة الماء هذه سخيفة للغاية
لا معنى لها، ولا معنى للأرض التي ستطفو قريبًا فوق الماء
كل الأرض تمتد تحتي
سيكون أفقى أن أمتلك أكبر مساحة في الشمال
مساحة تمتد لثلاثة أشباه جزر إلى الجنوب
وهناك ثلاثة طيور كبيرة تهرب من الظلام والنور
تتدلى سلسلتان من الجزر من الشرق إلى الغرب
لا أستطيع أن أحب أو أكره هذا الشكل
إنها أشكال تمتد إلى الماضي أو الى المستقبل في الظلام.
ما الذي أحبه أو أكرهه أيضًا؟
وماذا يهم؟ كل شيء هو وميض وهم
وهم الوهم – عمود النار السري الذي لا أستطيع لمسه
وإلا فإن العالم سينهار في لحظة
يُشعرني تصاعد الماء بالملل
لقد اختبرت ورأيت كل هذا مرات عديدة
إذن، كيف يمكنني قبول تكراره
أرغب أن أعيش هذا الوهم الى الأبد
ولذلك، سأحيا على هضبة بامير
عندما يعبر نهران مثل توأمين، أشعر بالملل
يعيش هنا اثنا عشر أخًا،
تتجه الصور الاثنتا عشرة إلى الشرق والغرب على التوالي
عندما ينظر الأخوةُ إلى السماء المرصعة بالنجوم، فإنهم يبكون مثل المطر
كلٌ منهم يشعر أنه المركز
وكانت المراكز الثلاثة عشر دائمًا في قلوبهم فقط
إنهم مفتونون بهذا
سيعانون إذا لمسوا عمود النور
لا يزال اشمئزازي مستمرًا من مشهد السماء المرصعة بالنجوم
أراقبها وأنا محاط بمثل هذه المياه اليائسة
أريد أن أرى حب وكراهية هذا العالم
كل شيء يبدأ هنا.. كل شيء ينتهي هنا
المقدمة الكبرى الثانية:
لك أن تبدأ أو تنتهي في الكأس السرّية
ابقِ عينيك مغمضتين في الظلام
اليوم سأقدم لك الكأس المقدسة الوحيدة
أسرار هذه الكأس كانت منذُ أمدٍ بانتظارك
اليوم أسلّطُ الضوء على الكأس المقدسة لتتكشف النار السماوية
لتنبعث الأسرار، ونرى النور يتشبث بالظلام
جسيمات مخفية تدور داخلها
النور والعتمة والطيور الأسطورية تسقط من السماء وتذوب فيها
ترتفع الجبال الثلجية، وتتصاعد السحب الداكنة فوقها
طائر يطير في النار، في كأس النبيذ، ويرفع الستارة
كل شيء سيبدأ في الظلام، ولكن بدون صوت
تتجمع الجزيئات من كل الزوايا
تتجمع في أربعة وعشرين اتجاهًا وتتخذ وضع الاستعداد للطيران
تأتي من مكانها البعيد إلى النار المخبأة
ترتفع الحرارة في حمى هذا الاكتئاب المرتبك
ترتفع من الأسود إلى الأحمر،
وأكمل عليها جميع الألوان وصولًا إلى الضوء غير المرئي
أيضًا..
يخرج ضجيجٌ عالٍ وتبدأ الجسيمات في التراجع
يتشتت الضوء
هناك جسيمات تطفو في الفراغ
ثم تتكثف حول الأضواء المتناثرة وتقاوم تراجعها
العناصر مبعثرة في العدم
بدءًا من حول النار الخفية وانتهاءً بمكان بعيد بعيد
أمام النار الخفية هذه
تتجمع الجزيئات حول جسيم مشكلةً حلمَ كل العناصر
في البداية يبدو الجسيمُ صامتًا مثل الرماد
النار السرية تنادي من العدم
تبدأ كل الجسيمات بالدوران
من الصغير إلى الكبير، من الداخل إلى الخارج
كل هذا يحدث عندما يكون الظلام والنور متقاربين
في لحظة، تتجمع الصخور في كتلة محاطة بالمياه
الجسيم الذي تحلم به كل العناصر ينمو سرًا في الماء
يريدُ مقاومة أي شكل من التراجع
وسنرى أن كل النور يلم شمله مرة أخرى
يتكاثر هذا الجسيم في الماء
تقاتل الجسيمات وتقاوم في الماء حتى تجد قائدًا
هذا القائد يزدهر إلى أن يصل الى الحرب العالمية القادمة!
لماذا؟
لأن كل ازدهار، هو أيضا تدمير
قطعة أرض ترتفع تدريجيًا فوق المياه
أول ما يتكشّف هو قمة جبل عالٍ
كل شيء يمتد من هنا
يخرج العشب من الماء
تتسلق الأسماك الأرض، وتطير الطيور أيضًا من هذه المياه
كلهم يتقدمون من كل الاتجاهات إلى وسط الأرض
يتحلقون حول الكأس المقدسة الزرقاء المتروكة على الجبل
في هذه الكأس العظيمة يوجد الجسيم الذي يؤوي حلم كل العناصر
يوجد ماء في الجبال وتحت الأرض وفي السماء.
وهو مرتبط سرًا بالمياه العظيمة التي تحيط بالأرض
يتقدمون ليلا ونهارا نحو الجبل الذي يضم المياه المقدسة
ويضم أيضًا الكأس العظيمة
كل المخلوقات تنبع من هذه الكأس المقدسة، وكل الأسرار تسطع منها
التكوين الداخلي لهذه الكأس شاسع ويروي تاريخ النار
شكل الكأس المقدسة قابل للتغيير أيضًا
إنه مثل رأس أسد، مثل نسر طائر أو حصان يركض
وحقيقة الأمر، إنه يتخذ وضع طيران تم جمعه من 24 اتجاهًا
الكأس المقدسة مغطاة بالغيوم الداكنة طوال اليوم
تنمو الأشجار بأنواعها معًا في الجبال المحيطة
هناك تنمو
تتصل جميع الحيوانات البرية، جميع الطيور، فوق هذه الجبال
هناك عنصر سري هو الغمغمة في الماء
الغمغمة التي تختمر على شكل التجمع المثالي- وهو تجمع البشر
وهذا بمثابة دحر للتراجع، واختيار قائد للنور والظلام.
اليوم أعطيك الكأس المقدسة. من فضلك اشرب منها
فعل الأمر هذا سوف يكمل الاختيار الأكثر مثالية
سيتم ربط عوالمك الداخلية بسر النار
سيكون تكوينك متسقًا تمامًا مع بنية الكون
اليوم، من فضلك اشرب هذه النار الزرقاء
كما تشرب الماء من الكأس المقدسة
ثم افتح عينيك
كل هذا يمكن أن يتم على الفور في داخلك من خلال التأمل
ستبدأ في تبني خيارات سرية
لن تكون قادرًا على رفع نخبك من هذه الكأس
إلا حين تتوقف جميع الجسيمات عن تراجعها
وتعود جميع عناصر النار مرة أخرى لتتحد في مصدر النار
المقدمة الكبرى الثالثة:
من الماء إلى الأرض الأولى
ننجرف في الماء لفترة طويلة
ننجرف نحو الأرض من أربعة وعشرين اتجاهًا
نجر الغيوم الداكنة
وننشبها في القوس ونركز على الهدف الذي هناك
في الجزء العلوي من هذا الأفق السحابي يوجد طائر ضخم
ونحن، سنعيش على هذه الأرض
وسنتقلب مع تقلب رياحها
كنا نتوق إلى أرض مستقرة
لكننا التقينا بوحوش البحر والحيتان
نعم، أخضعنا وحش البحر، روضنا الحيتان وكأنها أسودٌ في بحرنا
صنعنا الرمح من عظام سمكة ضخمة
وصنعنا الرماح ثلاثية الرؤوس، مقلدين الإله بوسيدون ملك الماء
هكذا جلسنا فوق الأمواج الهائلة.. وتقدمنا
واجهنا إعصارًا
وحلقت السحب الداكنة في السماء
كأنها عيون الموت القاتمة
كنا نعيش وسط هذا الهدير المرعب
لكننا دفعنا الإعصار بعيدًا
وحملنا قلوبنا إلى الأرض
أصبحت الجزيرة واضحة الآن
هناك سلاسل من الجزر الكبيرة في الشرق والغرب
يعيش بعض الناس في الجزيرة تحت سماء ملبدة بالغيوم
سيكون نسلهم أول من يصبحوا ملوك البحر
هناك ثلاث شبه جزر بارزة- في الشرق والغرب والجنوب
أما الشمال البارد فهو أنيق مثل سكين
نصلُ إلى الشاطئ في الخليج
فرحين نعانق بعضنا
وفي الليل، ننظر إلى القمر والنجوم ونتطلع إلى المستقبل
مؤمنين بأن أطفالنا وأحفادنا سيكونون سعداء
نسير من الشاطئ إلى السهل
على طول اتجاه النهر
نضع أقدامنا في الداخل العميق
نتقدم من ثلاثة اتجاهات متوغلين في القارة
هناك سحب مظلمة ونيران مخيمات
هناك أعشاش لكل الطيور، ومكامن لكل الوحوش
ستكون أمتنا قوية هنا
بعض الناس يبقون في السهول
مفضلين الحراثة والعيش في بيوت العريش
يمارسون الحب في العراء حول نار
وسوف تتكاثر ذريتهم بعد ذلك
سوف يخزنون الطعام وبقايا صيد الطيور والحيوان
وستكون سعادتهم، على حساب حرية هذه الطيور والفرائس
سيبنون قراهم حول بئر
وبعد ذلك، قراهم وبلداتهم ستزداد ازدهارًا
أما أولئك الذين يحلمون بالنار، فيواصلون المضي قدمًا
يستريحون في الأراضي المعشوشبة
ويصطادون الخيول البرية لينطلقوا عليها
يشربون في الليل، ويواصلون امتطاء الريح نهارًا
يصنعون الأقواس والسهام من الأشجار
حاملين خيامهم في مواسم الحصاد
ومع الوقت تزداد شهوة الرحيل في قلوبهم
هؤلاء الذين يحلمون بالنار، يمضون قدمًا
مسابقين أنفسهم
إن الأشياء التي يتعذر الوصول إليها هي الأكثر كمالًا
هكذا يعتقدون
إن الأماكن الأكثر أمانًا هي الكامنة في الأعماق البعيدة
يصلون إلى الصحراء ويعبرونها
وأحيانًا تتجلى أمامهم الجبال الشاهقة
يتأملون في مشهد النجوم ويتقدمون
إنهم دائمًا يتقدمون
لا ينظر الحالمون بالنار إلى الماضي
لا أحد منهم يتذكر ما حدث قبل الطوفان
إنهم يعبرون الأرض ويصلون إلى جبل شاهق عند الغسق
ينامون على العشب عند غروب الشمس
وفي الصباح، يتأملون الشروق من الغابة
يحتشدون من كل الاتجاهات
باحثين عن عمود النار في أبعد قمة فوق الجبال
لا تقتربُ الأقوامُ من عمود النار هذا من ناحية الطوفان
بل ينطلقون من قمته إلى البحر
يصلون إلى العالم من اتجاهين
سنمزق النور والظلام معًا
سوف يتدفق أربعة وعشرون طائرًا عملاقًا
النار العظيمة ستضيء العالم
كل شيء يبدأ من هنا، كل شيء يتم تدميره من هنا.