ذات يوم رأيت رأسا يُطلّ علينا من فوق الباب قرب الدهليز المؤدي إلى مدخل بيتنا.
انتابتني ريبة فسألت: «من ذا؟»
«بلاش. جئت فقط لزيارة حضرتك».
«تفضل»
بشيء من التردد تقدم الرأس يحمله جسد أسود اللون وقصير القامة، دخل البيت. لونه لون خشبة متينة من شجرة الورد… قوي الأضلاع. قد أثقلت كفيه الأعمال الشاقة. كان يلبس قميصا ذا كمين قصيرين ومنسوجا من قماش نوع جيه، كيه وقد جعله الغسل ناصع البياض. وعلى كتفيه شال، وقدماه عاريتان من النعال، منذ شهر لم يحلق لحيته.
«استرح» أشرت له إلى كرسي، ولكنه لم يجلس، ظل واقفا بخجل. لمّا أصررتُ جلس الكرسي متردِّدا.
من هذا الرجل؟ واحد من عشاقي أم قادم يحتاج إلى مساعدة مالية؟
«ما وراؤك؟» سألته.
«وقد قرأت حضرتك كثيرا. فتمنيت ملاقاتك مباشرا.»
كان نصرانيا من منطقة «شانغاناشيري». اسمه «كوتشو تومّي»، هاجر إلى «المليبار» قبل ثماني سنوات. استقر هناك بعد ذلك. مزارع كادح. زرع في أرضه الفلفل والقهوة. زوجته ليست في قيد الحياة. له تسعة أولاد، أربعة أبناء وخمس بنات. بعد قران البنات أرسلهن جميعا إلى بيوت أزواجهن. أما الأبناء فجميعهم فارقه بعد الزواج واستقروا في بيوتهم الخاصة.
منذ شهر كان في مستشفى. اليوم غادر المستشفى، فور المغادرة جاء هنا ليزورني مباشرا. افتخرت، هاهنا ذا مسيحي جاء ليزور مسلما. ناديت زوجتي «فأبي» لإحضار الشاي. منطقة «شانغاناشيري ليست بعيدة من مسقط رأسي «تالايولابارامبو». ولم يكن المسلمون والمسيحيون في تلك المنطقة مبتعدين بعضهم من بعض.
تحدثنا وقتا طويلا. تناولنا حكايات يتبادلها الناس في «شانغاناشيري» و«تالايولابارامبو» و«فايكام». تذاكرنا تلك الحكايات وضحكنا كثيرا. شربنا الشاي خلال سرد تلك الحكايات. ناقشنا عن أسعار سوق المطاط والفلفل والقهوة. مضى الوقت خلالها دون أن نشعره.
آن أوان المغرب، جن الليل، ولكن لرجل لا توجد في محياه إمارات الانصراف. أُضيئ المصباح في البراندة. تعشينا وسامرنا بعد العشاء. «وقد طال الليل، الوقت متأخر جدا، فلا ترحل. امكث معنا الليلة.» قلت له.
«كوتشو تومي» أيضا وافق على اقتراحي.
نشرت زوجتي «فابي» الحصير على أرض حجرة المطالعة. أعطيناه كتابا لاستخدامه وسادة. كتاب كتبه «جون أوتشان توروتو» بعنوان “Christian Heritage in India” (التراث المسيحي في الهند).
وبعد قليل سمعنا صوت شخيره يرتفع في الغرفة. وفي اليوم التالي بعد الفطور غادرَنا «كوتشو تومي». لما خرج أعطيناه عشر روبيات لسد حاجاته في الطريق. فلم يمتنع من استلامها…. شاطر… قلت في نفسي.
بعد أسبوعين نزل ضيف ليبيت عندنا، أحد أقارب زوج بنتي. فلا بد من أن نعطي إياه أيضا «التراث المسيحي» وسادة. لماّ أخذت فأبي الكتاب وتصفحته سقط من داخله شيئ ما.
انحنت «فابي» نحوه. ففوجئت بورقتين جديدتين من فئة مائة روبية.