اتضاح الرؤية الجمالية للشاعر وجلاؤها من سنن الوعي الشعري الحداثي الذي يشاقق في جوهره جمود الوظيفة المضمونية المؤدلجة وينفر من سطوة الواقع الثابت. إن هذه الرؤية تتمثل في معايشة الشاعر حيوية عالمه الجمالي الذي لا يقف عند حد، إنه يتغير دائما، ويشهد استقصاءات موغلة في تجريبها وابتكاراتها. وهنا لن ينظر الشاعر الى تناقض ما، أو الى أن توصف نصوصه بالتناقض لأن هذا كلا من قبيل تكامل العالم الشعري عنده، ذلك لأن الوجود نفسه مبني في مغزاه البعيد على التكامل. وما صوره المتناقضة، وثنائياته المتاضدة سوى لعب أولي – داخل النص – بالمستويات الأولى للادراك البشري. والشاعر حين يقيم نصه إنما يبدأ بهذه المستويات ليتجاوزها الى مستويات أخرى، ذات أبعاد ايمائية دالة.
إن هذه الرؤية الجمالية تتحدد وفقا لموقف الشاعر من العالم ووفقا لمذهبه الأدبي الذي يتأثث بشكل تدريجي، تبعا للخبرة التشكيلية والأسلوبية التي تنضوي تحت فضاء متغير، يجسد فيه الشاعر وجوده التقني ويعكس عبره أجلى ما تمثله من نماذج، وما ولده من معان، وما استنبطه من دلالات.
لقد كانت شعرية رواد القصيدة الجديدة تتسم بالثراء والتنوع في محتوياتها الدلالية، كما تتصف بجلاء الرؤية الجمالية وتباين سياقاتها بين شاعر وآخر، إذ إن مسار هذه الشعرية لم يمض وفق أنهاج كلية، خاصة حين تحددت ملامحها وتمددت منذ الستينات، بل وفق الطرح المائز لكل شاعر على حدة على الرغم من شيوع حالات معجمية وصورية متقاربة، وذيوع مباديء جمالية مشتركة بين كل منهم.
إن الوعي التمثيلي قد أعطى بداهة الحركة الشعرية لدى الرواد وصيرورتها، إذ أن نموذج الكتابة/التشكيل كان يفرض مآثره من خلال استحواذ مفاهيم الصورة الشعرية ببلاغتها المؤثثة على سياقات النصوص. الابتداع في جدة التركيب المجازي، جدة العلاقات المعجمية تمثل التراث من الوجهة التناصية، تقمص النبوءة، افتراض التوصيل. الرسالي للخطاب الشعري وغيرها من البداهات التشكيلية. ووجدنا هذا الوعي التمثيلي متكررا لدى طائفة من الشعراء الرواد كما عند أدونيس وعبدالصبور والسياب وخليل حاوي والبياتي – على سبيل المثال – ومن هنا تم نوع من صنع السياق الجمالي المتكامل شعريا ونقديا، والذي قوبل من جانب آخر بسياق تلق أسهم في ذيوع هذا السياق الجمالي وانتشاره.
وفي قصيدة النثر لم تحظ التجربة بوعيها القرائي الذي يمكنها من فرض ذائقتها وأن تصنع سياقاتها التوصيلية. ربما لأن انبثاقها الجمالي، في وعده الارهافي الأولي، يتقارب بشكل أو بآخر مع النثر الفني الذي قدمه كتاب جديرون بالتأمل مطالع القرن العشرين وأواسطه أمثال أمين الريحاني وجبران والمنفلوطي والرافعي ثم ما قدمه حسين عفيف في "أوراق الورد" و "الفسق" كذلك تماسها الشكلي مع قصيدة التفعيلة وخروجها من فضاءاتها خاصة مع تجارب مجلة "شعر" وما تلاها من كتابات عند شعراء أصبحوا الآن روادا كلاسيكيين لهذا الشكل الذي تبلور على يديهم جماليا وتقنيا أمثال أنسي الحاج ومحمد الماغوط وشوقي أبي شقرا ويوسف الخال وغيرهم.
بيد أن ذلك لم يمنع هذه القصيدة التي تسير على حد فاصل ما بين الشعر والنثر الفني من أن تستلهم معطيات كلا منهما في الصورة والمشهد واللقطات السردية، فينجم عنها مزيج تشعيري مدهش في النماذج النثرية فحسب التي يقدمها شعراء يتمايزون في اتجاهاتهم التقنية داخل سياق قصيدة النثر.
إن قصيدة النثر ليست هجرا شكل مقولب ثابت، أو وصفة جمالية يمارسها هذا الشاعر او ذاك، كما أنها ليست بمثابة امتياز يلصق على النص ليمنحه حداثته أو جدته، كما أنها ليست بديلا عن أشكال أخرى إنه حالة إبداعية خاصة تتعدد فيها أنظمة الوعي التصويري، وتتكثف وتتوسع نطاقاتها.
قصيدة النثر منظومة جمالية لا يتمكن من ممارستها سوى القادرين لغويا وتخييليا. هي ليست ملاذا للهاربين من تبعات اللغة والنحو والعروض والايقاع كما يظن البعض إنها – في نماذجها المثالية – فضاء كتابي مفتوح يتلمس إيقاع الوجود ذاته بدراميته وتعدده وتمايزه وتبدي هذه القصيدة مراسها عبر الكشف الدائم عن الشعريات الكامنة في أشياء العالم، وحضورها لا يلغي أية أشكال أخرى لأنها طريقة في الكتابة قد تطغى على اتجاه ما أو تيار في زمن ما وتعاد الكرة لطريقة اخري، وهكذا يتواتر فن الشعر العربي الذي يشهد من التعايش والتجاور بين شعرياته ما لم يشهده من تحولات تطمس تحولا آخر أو طريقة أخرى.
وتتعدد الاتجاهات في قصيدة النثر كما تتعدد الأساليب، إذ إنه لا يمكن أن نضع جميع من يكتبونها في سياق واحد، إذ أن لكل شاعر وهجه الدلالي الخاص، ووهجه التصويري المميز الذي يختلف – بشكل أو اخر- عن السياق الجمالي العام لقصيدة النثر ويتلاقى معه في آن (1). و في هذه القراءة التي تحاول أن تمتثل للفروض النصية التي يمكن أن تصاغ عبرها مسألة صنع الرؤية الجمالية نسعى الى اكتشاف الشعريات المتعددة التي تطرحها قصيدة النثر الواهنة من خلال بعض تجاربها المميزة وصولا الى تقديم الرؤى الجمالية لكل شاعر وبالتالي تكوين سياقاتها التشكيلية المتعددة.
كأس سوداء
يرى نوري الجراح الى العالم الشعري في حالاته الخصوصية النابهة من الوعي بالذات داخل النص، والتي تتمثل لكينونة الأشياء بشكل مراقب وحاسر يرى الى تبدلاتها وتحولاتها عبر الحواس. وليست الكلمات عنده مجرد أصوات للبوح الجمالي، أو لتكوين صياغات قولية، بل إنها جواهر لأشياء الوجود ومنها – وعبرها – يقتنص بداهات رؤاه الجمالية. إنه يصفها في ديوانه: "كأس سوداء" بقوله:
الكلمات أشخاص في حفل،
يقين اضاءه لمعان،
سيف يهوي من زمان الى زمان
يصل
وينفر دم في المرايا. (2)
إن الأشخاص تزهو وتزدهي في الحفل، كذا الكلمات تزهو وتزدهي في سياقاتها الجديدة داخل النصوص الشعرية. لكي تبث يقينها الجمالي في مشاهدها الصورية المختلفة، انها زمن داخل الزمان وهي السيف الذي يصل من الماضي للمستقبل ويعيد تشكيل دم الوقت في مرايا الوجود هكذا تفعل الكلمات – حسب نوري الجراح – هكذا تقدم مآدبها البواحة. لتصبح بمثابة دم يسيل في جسد الحياة، في شكل يبتهج فيه الشاعر بدم الكلمات فيردده في مقطع دال عدة مرات ما بين "دم القوة، دم الأمس، دم الاشارة، دم الضحكة الاخيرة على المنشفة دم الفراشة" حتى يصل الى قوله: الكلمة دم الضحكة.. وزهرتها.
هل تصبح القصيدة قرينة الضحكة قرينة الاغتباط والحبور بالعالم، عالم الذات الأثير الباطني؟
إن نوري الجراح يحبذ ذلك وهو في ديوانه: (كأس سوداء) يوقفنا على رؤيته الجمالية الخاصة هذه الرؤية التي يمكن تكوينها عبر النقاط التالية:
– صياغة المشهد الشعري صياغة باطنية، حلمية. لا تقف عند حدود العلاقات الأولى للأشياء بل تنبذ المعهود التصويري كلية وتسعي لحضور الايحاء الغائب، بمعنى أن المشهد يتواتر عبر ما هو محذوف، وعبر ما هو مغيب، وليس عبر ما هو حاضر من كلمات بالضرورة وهنا تصبح لملامسات الوعي الداخلي للكلمات قيمة قصوى في نقل مشاهد الوجود التي هي مشاهد الذات ومرئياتها، والتي تقف بحس برناسي متطور ينحاز للجمال الوجودي الخالص، تقف بجانب الحميم والمأنوس والصغير والثانوي. لكن الأشياء الصغيرة هي ايضا الأشياء الكبيرة في الاشتغال الشعري لدى نوري الجراح.
– التركيز على دالات شعرية محددة وهذا التحديد يضمن للشاعر صناعة أفق جمالي / دلالي مميز، كما يضمن له بالتالي حصيلة موازية من جمالية التلقي وتوقع حدوثات شعرية تؤكد على التواصل بانقطاعها المتمايز عما ألفه القاريء. وتتردد هذه الدالات الشعرية عبر مساحات من الليل، والحلم، والرؤيا، والموت، والطفولة، والحب وايثار المضبب من الألوان الخابية والتي يقودها "السواد" ويجافيها البياض. وتحميل ذلك بأبعاد جمالية، ورمزية أحيانا مما يؤدي الى انتاج دلالة خاصة بالشاعر ذاته.
– التأكيد الشعري على حضور "الأنا" بكل تفاصيلها، وصياغة الأحداث الذاتية اليومية، وتبيان الاحساس اليومي بالوجود، الذي تتمرأي فيه الذات، دون إيثار طريقة ما في مكاشفة الذات بل هي طرق متواشجة متشابكة تتقاطع وتتكامل، وتتمثل في استقصاء الحالات الصوفية والرمزية، وابتكار اللحظات من مواقيت الزمان الدائري لا من الزمان الخطي حيث إنه لا ماضي أو حاضر أو مستقبل، بل تثبيت حركة الزمان الشعري بوصفه كينونة لحظوية واحدة. وهنا يصبح حضور الأنا حضورا زمانيا – بمعنى ما – يرمي بنظرته الطائرة الى خلايا الأشياء، ويجدد دوالها. وهنا تنبثق الحالات الشعرية وتتوالد.
وتتمثل الرؤية الجمالية عند نوري الجراح في العثور على تقنيات شعرية طريفة، وتكوينات أسلوبية تصبح بحد ذاتها ايقاعا فنيا يؤكد على ميكانيزم العمل الشعري الراهن، ويدل على خصوبته. وتنطلق هذه الرؤية الجمالية بداءة من صنع الحياة الخاصة للشاعر، وبالتالي صنع صور شعرية تفارق البلاغة المعهودة، صور تحتفي بسرد الكلام الشعري، وفي الوقت ذاته، تقطيع أواصر العلاقات اللفظية التي كانت مفاهيم البلاغة تؤسسها وتصنعها ويصور الجراح حياته الخاصة في نص بعنوان (متاهة) يقول في أحد مقاطعه:
كلما اقتربت من حياتي وجدتها اطول واعرض
المتاهة المصعوقة بالنزلاء
فيض النور المدمر
كلام الذين اغتبطوا ساعة،
وفارقوا،
لسعة الذكرى
نهضة الامل
الخدر اللذيذ العالي وهو يتساقط
وكذلك،
انزلاق قدم الطفل،
بنعومة،
على البلاط المائل،
الى
ما
لا
نهاية
في طمي النهر. (3)
إن الحياة الخاصة بنوري الجراح تضم المتاهة والنور والكلام والذكرى والامل.. الخ ان الحياة هنا ليست شيئا معزولا عنه، لكنه يعزله قليلا عن ذاته كي يتسنى له التأمل، وتبصر حياته. إنه بفعل زمني متكرر، يقترب من حياته. والاقتراب يتم بالانتقال من مكان لمكان أو من لحظة لأخرى. إنه فعل يتم إما بالحركة واما بالمشاهدة، وهنا يشاهد الجراح حياته يقترب منها ويحدق فيها،. بيد أنها حياة أطول وأعرض تستلب منه حواسه، هي حياة أشبه بالمتاهة وبغيض النور المدمر – كما يذكر – ويتم فيها الانزلاق الى ما لانهاية في طمي نهر الروح والتخيل والرؤيا. وهنا تتكثر الدلالة في مرايا الذات التي تكتب مكامنها بشكل آلي متدفق، بيد أن الشاعر يراعي أن تكون عباراته مكثفة ومشطوفة الى حد بعيد، بحيث لا يقع في التداعي أو التكرار اللفظي والمعجمي غير الدال، وبحيث يقدم نسيجا شعريا متماسكا ومعبرا عن يقظة الأداء وطفرة الكلمات.
سر من رآك
يتشكل ديوان "سر من رآك" للشاعر أمجد ناصر من خمسة نصوص، تتكامل فيما بينها لتشكل نص الديوان كلية، حيث آثر الشاعر الا يضع ثبتا بالنصوص وعناوينها في نهاية الديوان، وكأنه يعطينا إفادة أول بأن الديوان – بوصفه كلا – نص واحد، والعناوين هي: (الرائحة تذكر – وردة الدانتيل السوداء – معراج العاشق – غريب مكلوم بمنجل العذراء – لص الصيف) وكما هو باد من العناوين فإنه لا مجال للعناوين التقليدية المألوفة، بل ثمة عناوين تقدم تجربة الشاعر الخاصة جدا، وغير المتضامنة بشكل مباشر مع واقع ما يعبر عنه سلبيا بيد أن كل هذه العناوين تحتضن الواقع في خلفية سطورها الشعرية. إن المسيطر على نصوص الديوان هو التجانس الأسلوبي عباريا وتعبيريا، فلا مجال لتضاريس تقنية بين نص وآخر، حيث يركز أمجد ناصر في صياغة عباراته الشعرية على العبارات الخبرية والتي تخفي في طياتها إنشائية التصوير، إذ تكثر الأسماء المعرفة بـ (الى) والتي يبدأ بها سطوره الشعرية، وكأنه يعيد تلقيب الأشياء بأسماء جديدة، كذلك لا توجد هذه الفوضى العلائقية بين الكلمات وبعضها البعض، كما نرى في كثير من قصائد النثر. هناك نظام وهناك تخييل على مستوى العلاقات الدلالية، والتصوير، وسوف أحاول التركيز على فضاءين أثيرين لدى أمجد ناصر هما: الاستقصاء، وله ضروبه وأنماطه، وتنوع الضمائر.
في "الاستقصاء" ويمكن اعتبار هذه التقنية بمثابة بنية أساسية في الديوان، يستقصي الشاعر الأسماء، سواء بتكرارها والتركيز على إعطائها مدلولات متغيرة بتجاورها في سياقات مختلفة، أو بترديدها في شكل أرابيسكي تتواتر في خلفيته المشاهد واللوحات اللفظية التي لا تطمس ما يكمن في المشهد من بهاء تصويري، كما نرى في هذا المشهد الذي «يعشق» فيه ناصر، مفردة "الأبيض" بترديدها وتكرارها، يقول في «وردة الدانتيل السوداء».. ولنلاحظ التضاد بين المشهد والعنوان:
الأبيض
ذو الشامة
ذو المرمر
الأبيض العسجدي
أبيض الفيروز
أبيض الاستدارة
أبيض على حواف الزهرى
أبيض تلال بلا مرتقى
أبيض مخبوء
ملفوف بالشرائط
غاف في الساتان
أبيض الغالب سواه
الأبيض السليط
أبيض النوم والندم
أبيض الغيم الممطر في المخادع. (4)
من البين أن احتفاء الشاعر بالأبيض هنا، وعدم ربطه بزمنية ما بغياب الأفعال عنه، يؤكد ما نذهب اليه من أن الاستقصاء يتم عن طريق هذا الترديد في تكوين مدلولات جديدة يحضر الأبيض فيها باستمرار برمزيته الدالة على الصفاء والنقاء. وقد يأتي هذا الاستقصاء بتكرار حرف الجر الذي يعطي نمطا سرديا رابطا للمشهد، بحيث لا تنفصم أية دالة منه عن سواها في سلسلة متوالية. يقول الشاعر:
الرائحة تذكر بأعطيات لم يرسلها أحد
بأسرة في غرف الضحى
بثياب مخذولة على المشاجب
بأشعة تنكسر على العضلات
بهباء يتساقط على المعاصم
بأنفاس تجرب مسالك جديدة الى مرتفع الهواء. (5)
فنلحظ أن حرف الجر يربط الأسماء في متوالية واحدة، يتم عبرها تشكيل المشهد الذي تسيطر عليه مفردة الرائحة، والتي تقع في نص (الرائحة تذكر)، وهو أول نصوص الديوان، والذي يظهر فيه الاستقصاء بشكل جلي من أوله لآخره، كأن الرائحة تسللت من الحواس الى الذاكرة، ومن عبيرها الناغم المحسوس الى الغياب المعقول المجرد كما في آخر سطر من النص بالأحكام النهار إذ تبدأ´ القهقري… لتجوس مفازة الهجران" (6).
ويعطي هذا الاستقصاء إفادة تقنية بإيقاعية ما، يمكن أن أسميها بـ "إيقاعية الأسماء" حيث يتم انتاج الدلالة دائما عبر الالحاح على الأسماء لا الأفعال، كأن الشاعر في شغفه الأبيقوري الرائق بالأنثى يسعى الى تثبيت اللحظة المسماة، وتثبيت الشيء بشكل أبدي، لا بتحريكه زمنيا بواسطة الأفعال. وهنا تستأثر الصفات والاضافات والجمل الخبرية بالجانب الأكبر من التشكيل العباري، ويتبدى ذلك على الأخص في النصين الأولين: (الرائحة تذكر ووردة الدانتيل السوداء) ومن جهة ثانية، فإن هذا الاستقصاء يتم عن طريق الكتابة بالحواس – إذا جاز التعبير – بمعنى أن الحواس – خاصة البصرية والشامة – تذهب بعيدا خلف مكمن الشيء المراد معاينته أو شمه، ولعل تكرار دالة (الرائحة) ما يشي بذلك فهنا شاعرية حواس تتواتر فيها ألفاظ الزهور المختلفة وألفاظ الشم والاستنشاق والعبير الفاغم الضواع، هذه الشاعرية لا تتراسل كما تنبئنا الرؤى الرمزية أو الصوفية، بل إن كل حاسة تنفذ رغائبها على حدة:
– باللمسة أحرر المثال من قالبه
وعلى ضوء المياه الشفيفة
أصل الى أصل الصرخة (7)
– بين الأشجار شممناك
ركضنا وراء الرائحة
فأوصلتنا الى ثيابك. (8)
وقد تتحول الحاسة الشمية أحيانا الى حاسة رائية، لكن ليست في شكل تراسلي قديم:
أعيننا بيضاء من الفرح
كأننا عمي نراك بالرائحة
ونتقراك بالأنفاس. (9)
وفي بنية الضمائر، نجد أن هناك نوعا من التوحد بين مختلف الضمائر، فلم تعد هذه النظرة النحوية التي تفرق بين ضمير متكلم، وآخر مخاطب وثالث غائب هي المسيطرة دلاليا على انتاج النص الشعري. ونجد أمجد ناصر يوحد بين هذه الضمائر شعريا، الذات (الأنا هي المسيطرة، وتنطوي في داخلها الذوات الأخرى، كأن الشاعر / الانسان العام يعبر ويصنع هذه الحياة العامة – الخاصة، كأن الشاعر يلتقط هذا الخيط الخافت الذي فتله أولا شاعر جاهلي هو "عروة بن الورد" وأحيانا يفتله "طرفة" وأحيانا "عنترة" والذي يمثله هذا الشطر الشعري:
" أقسم جسمي في جسوم كثيرة".
يلتقطه ويضفي عليه هالة مجازية أوسع، تتسع لاحتضان القدر الانساني العام. ولامتلاك هذا الوجود العرم السيال بالدلالات. أنا، هي: أنت وهو نحن، عند أمجد ناصر، لذا فإنه عندما يتكلم بصوت الجماعة فإنه لا يعبر بالضرورة عن مجموع بل عن ذاته أولا، يقول في (معراج العاشق) (10) – وليس العشاق كما نلحظ – رغم أن الكلام بالضمير (نحن):
بيننا في النهار
الضوء يرفعنا درجات
ويردنا الى شؤوننا قوامين
لنا وزننا في الأورقة والمراسلات
هيبتنا محفوظة في المجالس
مرتفعون في لغاتنا
نتكلم فيصغي إلينا فقهاء العهد.
وهنا تصبح المحبوبة أيضا، تلك الشجرة المتكثرة لا الواحدة في أن، تصبح المحبوبة للجميع المتوحد، لا المتحالف:
امرأتنا كلنا
كثيرة في النهار
وواحدة في شفافة الليل.
ومن المؤكد أن (الأنا) بشكلها المباشر هي المسيطرة على الواقع العباري للديوان، فهي التي تفعل وترى وتشم وتلمس وهي التي تهيمن دلاليا، إن في تسمية الأشياء، أو في تأكيدها في الأفعال بـ (أفعل)، بيد أن ذلك لم يمنع أبدا من ترك الشعرية تنسال من كل دال، الهواء على رسله متروكا والرائحة تذكر، وتستقصي، والحدائق تبذخ وترمي ثمارها، والأشياء المحسوسة المادية تعطى ألقها ووهجها، ولاشك في أن حضور "الأنثى" هو الذي أعطى الشاعر مبررا جماليا في التركيز على ما هو حسي، طازج، لدن، وتغييب ما هو عقلي، الحسي في الديوان هو الروحي /المجرد معا ويبدأ ذلك مع عنوان الديوان الذي يتناص في شكل طريف مع حسية المكان الذي أنشأه الخليفة العباسي وهو مدينة (سر من رأى) كأن هذا الجمال الباذخ المدهش في هذه المدينة، يرده الشاعر فى أنثاه، محسوسا مجردا معا.
ثمة أشياء كثيرة نشير لها هاهنا، وهي تميز لغة أمجد ناصر، بارتباطها بهوية المفردة ومرجعيتها، وعدم خلخلة مواضعتها قاموسيا وجماليا إلا بمقدار، وتوشيح نصوصه بخلالات تناصية رهيفة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والشعر العربي القديم، كذلك الاعتماد بشكل رئيسي على لحظات المفارقة والتضادات التي تتكامل لانتاج نصية مغايرة، ويمثل هذا الديوان تميزا خاصا يؤكد شعرية أمجد ناصر. ويؤكد على رؤيته الجمالية التي تنبثق من التركيز على ما هو حسي، وما هو مثير لانتباهات الروح ويقظتها.
رجل من الربع الخال:
يجول سيف الرحبي عبر أمكنة الروح. لا الأمكنة المحسوسة فحسب. إذن سوف تترى البصيرة الشعرية عبر تفاصيل الذاكرة والذهن حيث يتحول المحسوس الى مجرد، والواقعي الى عقلي. هذا كله من عمل الشعر. الذي يجاوز المألوف ويفارقه على الرغم من أن هذا المألوف يمثل المادة الخام، أو الموضوع الشعري. بيد أن الشاعر ليس ناقلا، وليس معبرا، وليس مجرد مرآة عاكسة. الشاعر أفق خلاق ونسيج من الحواس والذوات المتلاقحة التي تصهر أشياء الوجود في محرقة المخيلة وعلى هذا الحذو يمضي سيف الرحبي في ديوانه "رجل في الربع الخالي"، وفيه ينحاز في شكل مفارق الى الحوار مع الكائنات والأشياء محاورة جمالية، لا تتقصد في إيحاءاتها الأولى الوصف والرصد عبر الحوار، بل تذهب الى محاولة جعل الذات تأنس الى تفاصيل الوجود، وجعلها تحتفي بالطبيعة بدلا من الاحتفاء بالشخوص الطبيعة / المكان الطبيعة الأزمنة الصغيرة للأشياء. وهنا يتقدم سيف الرحبي الى أشيائه بمفرده، يسوغها في وحدته ووحشته الضاجة بالتفاصيل الخصوصية النابهة من أسطرة المكان، ومن بذله لمكنوناته الصحراوية والجبلية والرملية. وهنا يتلاقى الأفق المكاني مع الأفق التاريخي الذي يفند للحظات حميمة يتوامض فيها الماضي الطفولي الصغير.
ويضم ديون "رجل من الربع الخالي" نحو خمسة وأربعين نصا قصيرا، وتتوزع هذه النصوص على قسمين، الأول: في عنوان "رجل من الربع الخالي" ويضم نحو ثمانية وعشرين نصا والثاني في عنوان "فيض الصحراء" ويضم نحو سبعة عشر نصا.
ولو لاحظنا العنوانين سنجد أن هناك نوعا من التآلف بينهما، فالرجل / الشاعر يترقب ويرصد صحراء بلاده، الربع الخالي، والصحراء تقدم له فيوضها المكنوزة. وبذلك يعطي الشاعر وحدة دلالية لديوانه، ولنصوصه التي تترى في بنيات قصيرة تؤكد على إيثار السرد الشعري المكثف. وعلى احتذاء طرق الكتابة التي تهيمن عليها فروض البنية القصيرة ومشترطاتها التقنية والتي تتمثل بمعنى ما للوحدة الصغيرة للقول الشعري بمعنى أن هذه الوحدة تنهض على الجمل القصيرة المعطوفة على بعضها البعض في الأغلب، وعلى تقديم حالة واحدة للذات، في زمن وفي مكان أحاديين، والتي تمتثل أيضا لاستثمار ظروف المكان والزمان واستخدام حروف الجر والنفي وأسماء الاشارة وضمائر التكلم والغياب والخطاب. في شكل مكثف جدا وقصير، مع الحفاظ على عنصر المفارقة النصية والذي يأتي غالبا في نهاية النص.
إن الرؤية الجمالية تتحقق عند سيف الرحبي عبر مجالين: الأول دلالي، يحتفي فيه الشاعر بأمكنته ولحظاته ومشاهدات الذاكرة والثاني: تقني، يقدم فيه الرحبي نصوصه في شكل جمالي أسلوبي خاص ومائز. ولن نقفو هنا نصوصه الخمسة والأربعين بل سنركز فحسب على بعض اللقطات التي تعضد هذه الرؤية. ونستهل تلك اللقطات ببعض العبارات الشعرية التي تدلنا على حالة الذات التي يقدمها الشاعر عبر "رجل" من الربع الخالي، أو عبر ذاته بالأحرى، نما هي حالة هذا الرجل، هذه الذات الشاعرة ؟
يقول سيف الرحبي في فضاء نصوصه؛
– بين ليلة وضحاها
اكتشفت أنني مازلت أمشي
ألهث على رجلين غارقتين في النوم
لا بريق مدينة يلوح
ولا سراب استراحة. (11)
– وحيدا، وخلف الجبال البعيدة في الذكرى
… سادرا، أرقب المغيب..
………..
وحيدا من غير أمل
ومن غير رغبة
هكذا… هكذا
حتى اختفى مع سكان مدينة
غرقت في البحر.
أو اختفى في كأس. (12)
– والآن
أقف فوق أقصى مراحل النسيان
حيث الجبل والذئب ينتحبان بأفظع الذكريات
والأغاني تصعد من أفواه بنات آوى
مطرزة بالنجوم
وجدت أفقا يعيد إلي اسمي القديم
ملفعا بوجوه غائبة
وأخرى
ستغيب. (13)
العبارات الشعرية السابقة هي صورة مصغرة من عبارات كثيرة يتكون منها الديوان، فالنصوص تركز في جوهرها على هذه الأنا الوحيدة التي تمارس عزلتها شعريا. ولما كان الشعر فنا توصيليا بوصفه فنا يتخلق عبر الكلام وعبر اللغة، فإن المفارقة تتبدى في أن سيف الرحبي وهو يمارس وحشاته الصغيرة، يبوح بما يضطرم في ذاته الشعرية، وبالتالي فإن المكتوب لم يعد سرا بينه وبين ورقة الكتابة. بل دخل في نطاق العموم، وفي أفق التلقي. بيد أنه يعد تلق عبر الكتابة لا عبر الصوت. وهنا تنشأ ما يمكن تسميته بـ "جماليات المكتوب" والذي يحتاج لرؤى أخرى قادمة.
إن العبارات الأولى تنم عن المفارقة، بذكر عبثية اللحظة، وتواترها الرتيب لدرجة أن يقول الرحبي: "بين ليلة وضحاها… اكتشفت أنني مازلت أمشي" وهنا اندماج ما بين فعل الوعي اليقظ، وما بين الحلم. فالعبارة تستجلي دلالتها بعد ذلك من سياق السطور التالية "ألهث على رجلين غارقتين في النوم" حيث أكد البعد الاستعاري هنا على فعل الحلم.ولكن لا شيء يلوح في الأفق، لا بريق ولا سراب، ثم نعبر العبارات عن الوحدة والحيرة والفقد والاختفاء والغياب. والتي يؤكدها قول الشاعر في أحد المشاهد السابقة
وجدت أفقا يعيد إلي اسمي القديم
ملفعا بوجوه غائبة
وأخرى … ستغيب
هل الغياب هو أفق الشاعر؟ هل هذا البحث عبر مراحل النسيان، عبر الذاكرة، عبر تواتر الأشياء وحضور الكائنات، عبر ترداد مفردات الأمكنة ومفردات الكائنات. هل ذلك كله هو ما يشكل الأفق الدلالي للشاعر؟ والرؤية الجمالية له ؟ إن قراءة نصوص سيف الرحبي تدلنا على الجوهر الرؤيوي الذي يصطفيه، والذي يبتغي توصيله. فهناك بنى قصيرة مكثفة تضمن لنا حضور بنى الحذف والتكثيف والتكرار والمفارقة واستثمار الظروف المكانية والزمانية أسلوبيا، وهناك موقف جديد من الأشياء. لم يعد الشعر يحتفي ببهائه الرومانتيكي ولا الواقعي. ثمة مناظير جديدة للعالم مناظير تؤكد على تعيين اللحظات الذاتية، وترتيب الحياة من جديد واللعب بالكائنات والتحاور معها شعريا. ولعلنا لو نظرنا لنصوص مثل "مقاطع (1)" و" مقاطع (2)" لدلنا ذلك تماما على الرؤية الجمالية للرحبي التي تكتب عن الحياة التي تتسلل من اليد خلسة، وعن الاحتماء بنخيل الماضي، وعن صلوات النجوم وعن العيون التي توقظنا حدقاتها في الليل، وعن الألم الذي يشمر ساعده أمام النبع.
هناك إذن رؤى جديدة، واعادة نظر في الطروحات الدلالية السابقة، التي تخلقت من عبر مسيرة الشعرية العربية. وأبرزها النظر لموضوع دلالي أثير في الشعرية العربية وهو الكتابة عن المرأة، بيد أن هذه المرأة الرومانتيكية، التي عبثت كثيرا في أروقة الغزل. لم تعد لها هذه الخطوة، وصارت كائنا عاديا جدا ليس لدى الرحبي فحسب بل في شعرية قصيدة النثر ككل. هذه المرأة يقول فيها الرحبي:
المرأة التي تخب امامنا
حاملة وردا ولعابا
حملت حتفها قبل قرن. (14)
كذلك هناك كتابات كثيرة متناثرة في نصوص الديوان حول الموت والميلاد، حول الصحو واليقظة، حول الغياب والحضور. وأيضا حول الغبطة بمأساوية الوجود وربما بمشيئته مع إشارات فلسفية شعرية خاصة في نصوص المقاطع الفلاشية المكثفة.
رؤى مفارقة
إن قصيدة النثر تفصح عن قسط كبير من معايشة اللحظة الشعرية التي يخلقها الشاعر حيث تتحرك الرؤية الجمالية غالبا حركة أفقية، تستقصي المشهد الشعري على انبساطه وامتداده لا على عمقه، وبعده الرأسي، وهنا توغل الصياغات التصويرية الشعرية في توسيع مساحة الرقعة المشهدية حيث تتقصى الحواس مرئيإتها ومحسوساتها ومشموماتها، وتحاول في الأغلب أن تفي بما يعن للبصر، وربما بما تضيئه البصيرة.
واذا كان لنا أن نسوغ التفاتنا الى تقنية أخرى تشكل مهادا للرؤية الجمالية لقصيدة النثر، فيمكن القول بأن المشهد الشعري الراهن قد أصبح يحتفي احتفاء شاسعا على نطاق الشعرية العربية ورقتها الواسعة بكتابة هذه القصيدة، وأصبح هذا المشهد يمتثل لآليات محددة تتمثل في:
– إيثار العبارات الشعرية المتقطعة التي لا تفي بمتطلبات اكتمال الدلالة، أو متطلبات التلقي المعهودة التي تعتمد الترتيب حيث البدء والموضوع والختام، إذ تأتي النصوص غالبا على شكل مشاهد صغيرة، ربما لا تواشج بينها ولا اتصال. وتأتي من خلال تمثل الشاعر لبنية الحذف، أو ما يمكن أن يسمى بـ "الكتابة بالحذف" حيث تتقشف العبارات الشعرية الى أبعد، مدى، وتتكثف، وكل ذلك ربما يشير الى نوع من تفتيت الوحدة الكلية للوجود التي كانت تطرح من موقف صوفي أو فلسفي حينا، أو من موقف أيديولوجي في أحيان كثيرة، والى نظر الشاعر الى ذاته التي تشظت الآن والتي لم تعد تقدم شيئا طيا للعالم، بل تقدم نوعا من الذات الفردية المهشمة والمهمشة معا، لكنها رغم ذلك لا تحقق خصوصيتها ولا أناها العليا، بل تنخرط – بمعنى ما – في المجموع على رغم من انعزاليتها وانتباهها الى همومها الشخصية.
– اعتماد الأساليب الخبرية،وتقريرية العبارات، برودها وحيادها في شكل يعين الأشياء ويسميها ولا يحولها الى بنى مجازية ولا الى بنى ايمائية.
– الالتفات الى المهمش في الوجود، والاهتمام بحوارية الكائنات والأشياء، والتأمل من جديد في الصيغ الانسانية ودلالتها، واعادة النظر الى القيم التاريخية والأسطورية والاجتماعية. حيث يؤدي ذلك لا الى توسيع امتداد الوعي الشعري المألوف للشعرية العربية، بل الى ابتكار أنماط من الوعي الخلاق الذي تهيمن عليه رؤى المفارقة والسخرية من الكبير والاحتفاء بالموجود الصغير والايناس له.
– مفارقة الأحداث الواقعية، وعدم مباشرتها شعريا، والاكتفاء بالنظر الى الابعاد الزمانية للواقع وللمكان وللشخوص. وايثار التعبير عن ذات الشاعر وأحداثه الخاصة.
– توسيع نطاقات البلاغة المعاصرة باستقصاء بعض التقنيات الأسلوبية خاصة الاعتناء نحويا بالحروف وبالاسماء بوصفها إشارات ثابتة لأشياء العالم والتركيز على الأفعال في نهايات النصوص الشعرية فحسب. مع الحضور الظاهر والخفي للأنا الشعرية في أغلب العبارات الشعرية. وتكرار لوازم أسلوبية تغير إيقاعية المقاطع والعبارات الشعرية مثل: فقط، إذن ربما، حيث، فيما، هكذا، هنا، هناك،… الخ حيث تتواتر هذه الحروف والكلمات فتعبر ربما عن دلالة زمنية أو مكانية لكن ورودها بكثرة لافتة يؤدي الى أن تصبح أحد العناصر الأسلوبية اللازمة لانتاج شعرية القصيدة النثرية.
– استثمار عنصر السرد الشعري في تكوين سياقات النصوص. وهي تقنية مستدعاة من فن القصة القصيرة، حيث يؤدي ذلك الى تنشيط الوعي الجمالي والصياغي في النص حيث يتخلق مزيج مدهش ينتج عن التآلف بين ما هو شعري وما هو سردي. فالشعري يحتفي بما هو استعاري بالأساس، والسردي يؤكد على ما هو كنائي. وهذا المزيج يؤدي الى تخليق جديد للعبارة الشعرية يتمثل في مدى حضور الصور البلاغية أو الصور المشهدية، وفي مدى التركيز على حكى التجربة أو الايحاء بها.
إن هذه المحددات وغيرها، تؤدي الى صنع رؤية جمالية مائزة لقصيدة النثر. بيد أنها وهي تفارق المعهود من الرؤى، تصبو الى تحقيق نطاقات من التوصيل والتواصل الذي حققته الأشكال الشعرية الأخرى. والى الآن لم يتحقق لها ذلك تماما. فهل المثلبة في الصانع أم في المصنوع الشعري؟
إن المشهد الراهن يؤدي تماما ما عليه من صياغة جماليات العالم. ويحتاج هذا المشهد الشعري لقدر كبير من التحليل والتأويل بيد أننا سنترك هذه الحاجة قليلا لنتحول الى قراءة موجزة لبعض الرؤى الجمالية الأخرى، صبوة الى التحديق في بعض المشاهد البارزة في شعرية قصيدة النثر، وطموحا الى الانتباه الى شعريات ماتعة تدلنا على هذه الرحابة الجمالية التي يبحث عنها المتلقي دائما. وسوف نتخذ أمثلة من شعرية بول شاؤول وسركون بولس، وعادل خزام، وخالد المعالي، وقاسم حداد. ومحمد صالح. وهذه الأمثلة تدلنا على ما في المشهد الشعري من شعريات متمايزة، ومن اتجاهات مختلفة في قصيدة النثر كما تؤكد أن التجارب الشعرية رغم تقاربها في أواصر الشكل وطرق التصوير المشهدي إلا أنها تتمايز في موقفها الشخصي من العالم وفي طريقة تشكيلها الدلالي للأشياء الحميمة.
إن تجربة مثل تجربة «سركون بولص» الشعرية، تستحق عناية كبيرة من قبل التأويليين والجماليين من النقاد. إنها تجربة تتحرك في رواق السخونة اليومية للحياة البشرية المعاصرة تجربة تحاول أن تمسك بعنفوان اللحظة، ويقين التساؤل الذي يهجس بدرامية الوجود ويفاجيء الواقع بانكسارات الذات الصامدة، ووجعها المأساوي الصارخ في برية الكلمات. يتميز سركون بولص بتجربته المدهشة في فضاء قصيدة النثر فهو لا يكتب من الذاكرة تماما ولا تنزلق شعريته من خلال أطر لغوية مسبقة وجامدة، إنه يصنع حياة شعرية من حيواته الذاتية الصغيرة، ويمتثل تماما لما تمليه فروض الكتابة الواعية المنظمة التي تنقل فوضى العالم. و تنهض كتابته الشعرية في ضوء ديوانه "الحياة قرب الأكربول" (15) على عدة رؤى تقنية تشكل الأبعاد الجمالية لنصوصه، وتتمثل هذه الرؤى في حضور الذات الشاعرة بشكل متكثر إن حضورا وان استتارا في بنيات النصوص العبارية، والتعبير الوصفي عن شخوص ما مهمشة تعبيرا يركز على ما فيها من ألم أو غبطة وادراك الموقف المكاني، أو بالأحرى الموقف من المكان في مشاهد حيوية تتحدث غالبا عن السفر والمنفى الاختياري الذي يواجهه الشاعر في كل بقعة والحفاظ كذلك على نوع من الوحدة الدلالية للتجربة حيث تلجأ هذه الذات الى أماكن محددة مثل البارات أو الفنادق أو المطاعم وهذه الذات تقبل على الشراب والسهر وتؤثر المروق والرفض على الهدوء، وتنشد دائما متعتها الحسية. ويتم ذلك كله عن طريق بنيتين أثيرتين في خطاب سركون بولص الشعري، أولهما البنية السردية، وفيها يتقصى بولص عباراته الشعرية بشكل سردي واضح، مع تطعيم هذا السرد بفلول تقنية استعارية قادمة من البلاغة العربية. وهذه العبارات تتصف – إذا اقتبسنا لغة النقاد القدامي- بالجزالة وبالفخامة اللفظية. بيد أنها لغة مشتظية، لا لفة أرابيسكية تتأتى بشكل بنيوي متراتب.
وثانيهما: البنية السينمائية، وهذه البنية من أبرز ما يميز نصوص بولص حيث يستخدم الاساليب السينمائية من سيناريو، ومونتاج وترتيب اللقطات استخداما مدهشا خاصة في نصوص: شتاء في باريس قبل نهاية السنة، وحدود وصديق الستينات، وزفاف في تبة كركوك، وتلميذة من بيركيلي، وغيرها من النصوص التي تستثمر منجزات الفن السينمائي وأبعاده البصرية من حيث الرؤية والمنظور.
إن سركون بولص يتساءل في نص دال: "إذا كانت الكلمات خرزا أين الخيط، وبماذا تفتله ؟ المجهول لن يستضاف أما الخسارة فضيفها ولكن لا تقم لها وليمة (16) فالكلمات أشبه بحبات الدر التي تنتظم في خيط. الكلمات موجودة، زاهية ومتلألئة بيد أنها تحتاج الى صائغ. الى خيط يفكه الشاعر. وهذا هو الصراع بين اللغة والخطاب اللغة بوصفها "الخرز" والخطاب بوصفه "الخيط، الذي يفتله الشاعر وصولا الى عباراته الفردية، وأسلوبه المتميز. إنه يقتطف من المجهول. بيد أنه لا يستضيفه. يستضيف الخسارة من دون وليمة. الخسارة هي النصوص التي تكتب وتتجلى لأنها تولدت وانبثقت وانتهت. بيد أن النصوص الجملية، المجهولة هي التي لم تكتب بعد. سركون بولص يبحث عن المجهول دائما، وعن لغته الخاصة المصورة بعين سينمائي شاعر حينا، ربعين تشكيلي أحيانا، ولعل ذلك يتجل على الأخص في تصويره لشخصياته الشعرية التي تتواتر وتتخلق من مجتمع المدينة، وهي في الأغلب شخصيات مأساوية تحوطها الوحشة والفجيعة والفقد، وهي شخصيات تمثل من جهة ثانية – ذروة الدراما الاجتماعية في المجتمعات المدينية، فيتحدث سركون بولص عن "عامل المصافي الأعزب ذي الأصابع الناقصة – عازف الزانة المارد ورفيقه الطبال – العجائز العمشاوات – البغايا – الممرضة الليلية ذات الحذاء الأبيض الحزين – الموظفون الصغار – الميكانيك عبدالهادي – السينمائية المنتحرة بحبوب نومها – عابري السبيل – السكير النائم في كابينة الهاتف – العاشق الغبي المتفائل بجراحه – الحرس الليلي – الجار اليوناني – الشحاذ الأعمى – الساحر – الشيطان – الطاغية" الى آخر هذه الشخصيات التي تنضح بدرامية الحياة وصخبها ومأساويتها فضلا عن أجواء المنافي التي يسوغها سركون بولص شعرا له وهجه الحيوي ونزقه الدلالي، وصياغاته المشهدية اللافتة يقول في "بستان الآشوري المتقاعد":
النجوم تنطفيء فوق سقوف كركوك وتلقي
الأفلاك براماحها العمياء الى آبار النفط المشتعلة
في الهواء الى كلب ينبح في الليل مقيدا الى المزراب
حزنا؟
أو رعبا أو ندما وضفادع تجثم على أعراشها الآسنة
في بستان مهجور عندما
تشق حجاب الليل صرخة مقهورة إنه الآشوري
المتقاعد يقلع ضرسه
المنخور بخيط مشمع يربطه الى أكرة الباب
ثم يرفس الباب بكل قواه مترنحا
وهو يئن مغمض العينين الى الوراء. (17)
إن ميزة هذه الكتابة أنها تتحرك بوعي وبحرية صياغية لا يقيدها سوى الابداع، إنها كسرت الحد الفاصل بين لغة الشعر ولغة النثر، حيث أصبحت لغة متعددة الطبقات تجدون السطح لتكتب من أعماق التجربة وترى بعيون أخرى. تشق حجاب الليل بصرختها المقهورة. إنها كتابة تبحث عن المعتم بعد انطفاء النجوم، وصعود الأفلاك برماحها العمياء. إنها كتابة تبحث عن الرعب والندم. إنها كتابة القلق والاثارة.
ولعل ذلك كله يصب في المشهد الشاسع لقصيدة النثر، والذي تبدى أكثر ما تبدى في اهتمامه بما هو إنساني، وبالشجن الروحي الداخلي، بعد أن تسللت شيخوخة الواقع وتقليدية اللغة الكلاسيكية الجديدة التي قدمتها قصيدة التفعيلة، الى مشهدنا الشعري العام. سركون بولص يرى هناك. لا هنا. هناك داخل الذات، وداخل ما يفجر طاقة الحواس في صالح الشاعر، وفي صالح الشعري. لا في خدمة الحدث أو في الترويج الاعلامي الشعري لواقعة ما، أو شخصية ما. وهنا يتخلف هذا الوعي الرهيف بشعرية الانسان وجمالية رؤاه.
عناقيد سردية
لا ريب في أن السرد داخل في أية عملية كتابية وحين تكون هذه العملية الكتابية شعرا، فإن دخول السرد في صلبها سيصنع نوعا من الامتزاج المتآلف لا المتنافر بين السردي والشعري. ولا شك في أن هذا الامتزاج يتقدم ليقوم بتنقية أجواء العبارات الشعرية من استطراداتها التصويرية، وتطهيرها من فلول البلاغة المعهودة. كما يقوم عبر السرد بتقريب المسافة ما بين الشاعر وكلماته. إذ تغدو الكتابة أكثر بوحا، وتغدو الجمل أكثر بساطة وشفافية. وأكثر قربا – من وجهة أخرى – من المتلقي. ومن الحدث الشعري ذاته. وهنا تتهاوى – أو تتراجع الى الخلفية النصية على الأقل – مفاهيم مثل الغموض، والأبعاد الاستعارية للنص. لتحل محلها مفاهيم مثل جماليات المباشرة، والبعد الكنائي. والاهتمام بالزمن النصي، وباللوحات المشهدية المسرودة والتي لا تقف اللغة أمامها حائلا. ويصبح الابداع والتخييل الكنائي هما المعيار الأول في قراءة نصوص القصيدة النثرية.
وفق ذلك سوف نحاول استشعار بعض الرؤى الجمالية التي تمتثل للسرد الشعري وقيمه التقنية المتعددة تبعا لهذه المشاهد الشعرية المختلفة:
– عادل حزام: اللغة الصديقة
كل يوم أمر
معصوبا بأوراق المرابين على روح المعرفة
جار ومجرور وجيران ألوف
تبقى نخيل الكلام طالعة من الأفواه
تبقى عصافير المنابر دوارة فوقي
سأشك في فوقي
أنا المريض المتوج باستعارات الجدود
أمشي
أو تركض الأرض
أو كلانا يسبح بالجاذبية. (18)
– خالد المعالي: قصائدي أيها الشعر القديم
أخلو من رغبة في البقاء جامدا
مخدة تسندني ورياح تطيب المكان
أخلو من الأكل والورد اليابس
أخلو من الخيول
……..
أخلو من الاشارة
……..
أخلو من موت لا يموت
أخلو من السطح
ومن عمق الزجاج
أخلو من عشقي هيامي بشخص هناك
هائما بشخص آخر
سافرت أحلامه الى بعيد وما عاد يرجع
أخلو من لسان قد أسكنه
ومن مهج جريحة
من ظلام العصور التالية
أخلو من كل هذا
وفمي مليء بقيء
سأرتاح بعد هذا
سأضحك (19)
– قاسم حداد: احتفال خاص
قادم من الحديقة
أعطيتها تاريخ الماء
ورأيت العشب يكفر عن أحفاده
زرعت بوحشتها حكايات وقصائد
عن أسرى حرب ينتظرون على شرفاتي
كي يكتمل الوقت
وينتشلوا النعناع الهائم في جسدي
كانوا موتى يحتكمون على سجادة أيامي
يفتضون بريدي
ينتهكون.. يوارون.. وينتظرون
قبل قليل جئت
حديقة داري تكتظ بهم
يصغون الى مأخوذين بالأخضر الذي يهب
مثل غزال يسور اعضائي ويهيئوني للذبح. (20)
– محمد صالح: الموتى
منذ صارت المقابر أحد أحياء المدينة
وهؤلاء الموتى لا يكفون عن إثارتي
أمس
خدعني أحدهم أيضا
قال انه رتب كل شيء
وأنه يتحدث عنهم جميعا
وناولني صكوكا مذيلة بتوقيعات وأختام
الصكوك الصفراء اللعينة التي يتركها الموتى عادة
وقبل أن أجد الكلمة المناسبة
كان قد تحصن في ابتسامته الراضية
ومات
مثلما يفعل عادة
هؤلاء الذين راحوا ضمائرهم. (21)
هذه مشاهد مختلفة من شعرية قصيدة النثر الواهنة. مشاهد تأخذنا الى رؤى جمالية متمايزة من حيث التفكير في العالم شعريا. ومن حيث نشدان الذات لأفقها الدلالي والتقني سواء كان في ولوج العوالم الباطنة، أو الانسراح بين ما هو سوريالي أو روحي وبين ما هو برناسي تشع في خلفيته أعداء رومانتيكية تعلي من قيمة الأنا المخيلة المثالية، التي تتردد في خلفيتها الأنا الحالمة بيد أنها أنا كابوسية تتحلل قليلا مما هو واقعي أو مما هو منظم. وفي الوقت ذاته فإنها «أنا» غير متعالية بل هي أنا ذائبة في الوجدان الجمعي العام. على رغم مما يبدو على سطح مشاهدها من انعزالية.
إن عناقيد من السرد تترى في هذه المشاهد. لتدل على أن السرد قد اخترق عصمة العبارة الشعرية المعاصرة لا ليدمر مجازاتها بل ليكمل طرفها الحاكي الأخر، ليكمل بعدها الكلامي.. التخاطبي بعد أن استهلك التشكيل اللغوي معظم العلاقات الاستعارية التبادلية بين الألفاظ في قصيدة التفعيلة، وبعد أن تقاربت الأجواء والمعاجم الشعرية بعضها من بعض الى درجة التماس وهنا بدأت قصيدة النثر تتحرك حركتها الجمالية وتدلي برؤاها عبر أصواتها الناجزة لتحقق مساحة نوعية عريضة، على الرغم من إساءة البعض الى جوهر الابداع الشعري بكتابتهم نصوصا شعرية لا تصب بالضرورة في فضاء قصيدة النثر المنظم المخيل، بل تصب في مناطق أخرى أقرب الى الخاطرة، والى النثر الفني وربما الى المقالات الأدبية منها الى فن الشعر.
إن السردية تتحقق في كل قول إبداعي شعرا كان أم نثرا، بل في كل فن بصري تشكيلي أم سينمائي، وهنا فإن القول بالسرد في النص الشعري ليس ابتداعا. لأن الشاعر – فيما هو يعبر وينشيء ويخلق – يحكي تجربته، ويقص أحداثا أو مواقف أو يصف مشهدا أو شخصية. وهنا لابد أن ينوجد السرد في مناطقه الأثيرة هذه. بيد أن المسألة لا تبدو وكأن السرد هو المهيمن، بل المسألة تتبدى في درجات حضور هذا السرد، وذلك باعتبار أن النص الشعري بنية استعارية كبرى في نهاية الأمر. والسرد – كما قلت سابقا – يحتفي بالكنائي. في الاستعارة تتم الدلالة عبر علاقات الألفاظ، وفي الكناية تتم الدلالة عبر علاقات الجمل، وعبر معنى النص ككل. ولقد أثر هذا كله في قصيدة النثر التي ركزت بالأساس على علاقات الجمل، وعلى صياغة المشاهد أكثر من تركيزها على علاقات الألفاظ، والتشكيل باللغة. على الرغم من احتفائها بالبنية القصيرة المركزة المختزلة.
إن المشاهد السابقة تدلنا على اختلاف الرؤى وتمايزها على الرغم من أن هناك أرضية كبرى مشتركة بين الشعراء وهذا أمر طبيعي لأن الكتابة تتم وفق مفاهيم وتصورات جنس أدبي محدد ومعين. عند «عادل خزام » نجد هذا التلازم اليومي المكرر بين الذات الشاعرة وبحثها عن المعرفة مرة في اللغة والكلام ومرة في الأرض. والشاعر المسكون بخطابه يمشي. وهو يشك في فوقه في الأعلى – ربما في السماء – وهذا الشك لا يشير بالضرورة الى الشاعر إنما عن الذات المعبر عنها داخل النص الذات المنشطرة عن الأنا الكلية للشاعر، التي هي – بمعنى ما – مجموعة من الذوات تتغير حالاتها وتتعدد – وربما تتناقض وصولا للاكتمال – تبعا للتجربة الشعرية نفسها. وهذا التكرار المؤسى المريض الذي تتوجه استعارات الجدود، هو ما يبغي خزام أن يتخلص منه بالبحث عن إيقاع أسرع، في ركض الأرض وفي جاذبيتها. إن عادل خزام يعبر عما تحت لسانه من آفاق دلالية. ويحتفي بالأساس بحضور العبارات ذات الطابع الايمائي والتي يولدها الاحتكاك بين الاستعاري والكنائي. وهو يميل كمعظم شعراء قصيدة النثر الى الجمل الوصفية والى البدء بالاسم بديلا عن الفعل كما يتبدى من ديوانه «تحت لساني» خاصة في نصه "وحدة دون حرب" ونصا "قصيدة الشرف ".
ويعبر "خالد المعالي" في ديوانه (عيون فكرت بنا) عن مشاهداته الشعرية التي يعانقها الأفق السوريالي وتكسرات الذات المارقة من ثبات الأشياء وجمودها ورتابتها بحثا عن إيقاع أخر للحياة، وعن مقاصد أخر تتوتر فيها الانفعالات ويعني فيها البصر أكثر، وتدل فيها الرغبات الصغيرة على عالمها الخاص وفي المشهد المزجي يتخلص خالد المعالي من أشياء كثيرة معهودة، ويخلو منها – انظر المشهد – حيث يخلو من حياة الدعة المترفة التي تغمرها الطيوب، والأكل والورد، ويخلو أيضا من أشياء متعددة من الخيول ومن الموت، ومن الضوء ومن الظلام ومن السطح ومن العمق، ويصبو الى منطقة المابين لكي يصل الى ضحكه الأخير، بعد أن يتقيأ هذه العوالم المعتادة التي يقدمها الشعر القديم بحثا عن – وتحقيقا لـ "قصائده الخاصة". وقد استخدم خالد المعالي الفعل المضارع المتكرر في إبراز سرده الشعري وبتكراره أضحى المشهد مجذوبا الى فعل آخر يحقق النقلة الأسلوبية والدلالية في نهايته، وهذا ما حدث بعد تكرار (أخلو) تحقق وجود الفعل الآخر (سأضحك) وتحققت المفارقة التي نقلت المشهد نقلة أخرى. توحي بالتخلص النهائي والأخير من الدلالات والعوالم الشعرية المألوفة. ولدى "قاسم حداد" و«محمد صالح» نطالع – كما في مشهديهما السابقين – هذا الاحتفاء الدلالي بعالم الموت الذي يتحرك فيه الموتى ويقدمون أفعالهم الخاصة. فعند قاسم حداد يفتضون البريد، وينتهكون ويوارون وينتظرون ويصفون. وعند صالح لا يكفون عن الاثارة وعن الخديعة، حيث يمثلهم أحد الموتى الذي يتحدث باسمهم جميعا. وهذا العالم الموتى عالم أثير في الشعرية العربية المعاصرة. إلا إنه قد أخذ أبعادا أكثر تجريدية وأكثر سريلة في قصيدة النثر، حيث يطغى الحس المتأمل الدقيق الذي يلحظ ويرصد ويستقص ويوغل في استشراف كل دال على حدة. حيث يستقص قاسم – كما في المشهد السابق – حديقة الموتى، فيعطي دواله الشعرية من معجم الحديقة، ومن معجم الجسد، حيث الماء والعشب والزرع والنعناع والخضرة، وحيث الجسد والأعضاء. وعند محمد صالح نراه يستحضر تصرفات أهل المدينة، من خلال أحد الموتى الذي يقدم أختامه وصكوكه ويرتاح ضميره بعد أن يموت للمرة الثانية. بعد أن كان ميتا بالحياة – كما يقول المثل الشعبي المصري – وباستحضار الموت لابد أن تتحرك مشاهد الشعر المنفعلة بها الى مشاهد أكثر مأساوية وأكثر مفارقة منها عن الشعر المعبر عن دلالات أخر. هذا ما رأيناه في مشهدي قاسم وصالح.
واذا نظرنا للمشاهد السابقة نظرة أخرى سنجد أنها تتضمن أمرين على قدر بالغ من الأهمية يشيران الى بعض المكونات الرؤيوية في قصيدة النثر، وهما:
أولا: حضور الأنا الشاعرة الطاغي في عبارات المشاهد سواء بشكل مباشر عبر ضمير المتكلم أو عبر الاستتار في همزة المضارعة في (أفعل)، أو عبر استخدم الضمائر والحروف في التعبير عن حضور الأنا مثل تاء الفاعل أو ياء المتكلم، أو حتى باستخدام ضمائر الخطاب أو الغياب، حين يتم استثمار فاعليتي التجريد والالتفات في النصوص. وهذا الحضور يتجلى بكثافة في المشهد الكلي لقصيدة النثر، بوصفه مكونا جوهريا في صنع هذه القصيدة وتعيين دلالاتها. وتتمخض عن هذا الحضور عدة آليات وملاحظات، تتبدى في أن هذه الأنا تصبح أنا درامية متعددة الذوات داخل النص، أنا متشظية متناقضة أو متكاملة، أنا تسترجع ماضيها طفولتها، تجاربها تفاصيلها الصغيرة، وعيها الحاد بالأشياء حسها وحواسها وهمومها اليومية براءتها، في شكل شعري يحدق تماما في أشياء العالم عبر الذات ويستقصي تفصيل التفصيل ويجرد ويكثف ويوحي. بيد أن أن هذه الأنا التي أصبحت كينونة داخل العالم، كينونة جمالية تتحرك بوعي ثاقب، بديلا عن كونها وسيطا بين الحدث الجمالي أو الرمزي وبين القاريء كما كانت تطرح شعريتنا العربية القديمة والمعاصرة على السواء. هذه الأنا لن تصل تماما الى مغزاها الايمائي الى تحقيق حضورها في المشهد الشعري ما لم تكن أنا مثقفة قارئة للوجود، تختزن بداخلها عشرات التجارب والأحداث والمواقف. وما لم تتمسك بالموروث الشعري العربي والعالمي. وتتكيء عليه. لا لمجرد أن تتمثله بالضرورة وتستدعيه بل لينبسط بصورة مصفرة جدا في فضاء تعبير شعري أو في نسق صورة مشهدية معنية. ذلك لأن الكلمة تختزن في داخلها عشرات الاستدعاءات والتصورات التي مرقت بها في سياقات شعرية مختلفة وفق ذلك فإن حضور الأنا في النص الشعري ليس مجرد حضور سلبي، أو مجرد عنصر أسلوبي يتكرر هنا وهناك، بل إنه عملية منظمة ومعقدة ومركبة. تفسح صياغاتها للتكثيف المتوالي للمخيلة ولابتكار ايقاع ذاتي خاص للعالم.
ثانيا: حضور السرد، وتلبسه بواطن وظواهر الواقع العباراتي الشعري بشكل رهيف في المشاهد السابقة، خاصة لدى قاسم حداد ومحمد صالح. وهذا الحضور ايضا له سطوعه وانبجاسه في قصيدة النثر الواهنة. ذلك لأن الشاعر احتاج الى أن يبوح أكثر عن ذاته ويومياته وعن سيرته الخاصة مع الأشياء، فاقترب من آليات الفن القصصي وابتكر سرده الشعري مثلما احتاج الى أن يرى أكثر، ويستجمع تأملات بصره، فنزا على اليات الفن السينمائي والفن التشكيلي، مثلما احتاج أيضا أن يتحاور، وأن يتجادل فاقتبس تقنيات الدراما ليتخلق من ذلك كله نص شعري معبر عن عصره، وعن زمنه. وهكذا تكون متطلبات الفن الشعري الحداثي.
إن السرد يعمل داخل النص الشعري فتمتد عبارات النص، وربما تطول الى حد أن يصبح النص مطبوعا ومكتوبا بشكل يأخذ طريقة النثر في الكتابة كما عند سليم بركات، وبعض نصوص سركون بولص وحلمي سالم وكما يتخفف الحمل الاستعاري وتتقشف المجازات، وتتبسط اللغة الشعرية الى درجة كثيرة الشفافية والرهافة وتصبح العبارات ذات بنية وصفية تكثر فيها الأسماء والاضافات والصفات تبعا للمشاهد المصاغة، وتبعا لآلية التجربة النصية ذاتها ودلالاتها المزجاة.
هكذا فان السرد يتحرك بجلاء في نصوص قصيدة النثر، بيد انه لابد من الاحتراز الجاد من ان يقع النص الشعري في منطقة ما يسمى بـ "القصة / القصيدة"، او فيما يسمى بـ "النثر الفني" الخواطر "اليوميات" "الشعر المنثور" وكلها مجالات يدخل فيها السرد بشكل بين، وهي مجالات تختلف – او لابد ان تختلف – جذريا عن جنس ادبي مثل "قصيدة النثر" ويحتاج ذلك هنا ومن الدارسين صياغات اكثر جدة واكثر وعيا باللحظة الشعرية الواهنة. ان حضور السرد بشكل كثيف في بنية النص الشعري الراهن، أضفى لونا من الحيوية والطزاجة، والمصداقية الفنية للنصوص. بعد ان تلكأت كثيرا في مهابط البلاغة. وقرب السرد المسافة بين الشاعر ونصه. وأراه موضعه من القول ومن الخطاب. كما ساهم هذا الحضور في الوقوف المكثف امام الشيء وتوصيفه وكتابة ابعاده الحسية والمكانية. بيد ان ذلك كله لم يعف بعض التجارب الشعرية من ان تقدم وعيها السردي الخاص. الذي يعتمد على استثمار المنجز البلاغي العربي خاصة الاستعاري. وعلى سبيل المثال ما نراه في ديوان "اوراق الغاصب" (22) للشاعر "بول شاؤول" والذي يقدم انماطا استعارية عدة مضغوطة ومشحونة بشحنات سردية، تقص وتصف وترصد. وقد بلغت جملة الاستعارات في هذا الديوان نحو (202) استعارة بمختلف انماطها التصريحية والمكنية والمجردة والمرشحة. ومن يقلب صفحات الديوان المعنون بعنوان واحد هو "اوراق الغائب" لن يعدم في كل صفحة استعارة، او مشهدا استعاريا كاملا. على الرغم من ان المجال السردي (الكنائي) يشيع في الديوان. بيد ان التقنية البلاغية التي يستثمرها شاؤول في شكل جلي – وهي تقنية منتشرة في الشعرية الغنائية العربية – تقنية التكرار بابعادها التوكيدية والايقاعية. وسوف نتخذ نموذجا من بول شاؤول مرجئين البحث عن بنيات التشكيل في قصيدة النثر لمقام آخر، يقول بول شاؤول:
الغائب يفتح عينيه منذ الصباح ولا يراه أحد.
المصباح الساهر عليه يبقى ساهرا عليه.
الغائب يفتح عينيه منذ الصباح ولا يراه احد.
النافذة الساهرة عليه تبقى مغلقة ساهرة عليه
الغائب يفتح عينيه منذ الصباح ولا يراه احد
الباب المغلق الساهر عليه يبقى مغلقا وساهرا عليه.
الغائب يفتح عينيه منذ الصباح ولا يراه احد
خطاه التي تستثنيه ترن على بلاط المدينة الفارغة.
الغائب يفتح عينيه منذ الصباح ولا يراه احد
حريق غامض يبصر أمامه (23)
إن هذا المشهد ينبني على ثلاث حركات الأولى والثانية تتحققان عبر قولتي "الثابت والمتغير، والثالثة عبر المفارقة. في الثابت والمتغير يتحقق عنصر التكرار الذي يكرر جملة (الغائب يفتح عينيه منذ الصباح ولا يرده أحد) كما يكرر تغيير العبارات التي تبدأ بـ "المصباح، والنافذة، والباب، والخطى." حيث تبقى كل هذه الأشياء مغلقة وساهرة على الغائب. ثم أخيرا يشب حريق غامض. فيبصره الغائب. هكذا ينبئنا المشهد في مستواه الأول. لكن المستويات الأخرى تنم عن هذا الثبات وهذه الرتابة التي تحياها الذات الشاعرة. فالغائب حاضر في غرفته. الغائب حاضر ومع ذلك لا يرده أحد. إن الحوار بين الدال الثابت (الغائب) والدوال المتغيرة: "المصباح – النافذة – الباب – الخطى" ثم (الحريق) هو حوار يوحي بالحوار بين الواقع "الغائب" وبين الطموح الحالم في تحرك الأشياء، وفي النزوع الى سماع الخطي التي ترن على بلاط المدينة الفارغة. لكن الغائب يبصر (حريقا) أمامه. هذا الحريق هو لحظة المفارقة ونقطة التحول التي تغير إيقاع المشهد الدلالي، وتغير الرتابة، والتكرار وتكسر العادة. حيث يجعلنا ذلك نعيد قراءة المشهد لنرى فاعلية هذا التكرار، ونلحظ حضور هذه الأشياء عبر التعيين والتعريف بـ "الى" حيث تتكرر الأسماء والصفات المعرفة. فكأن نقلة مفردة (حريق) النكرة هي اعتراض مفارق على هذا التعريف المتوالي. وهو (حريق غامض) أي أنه منكر غير معروف وموصوف بالغموض. حيث يحقق ذلك المفارقة اللفظية البينة.
ونلحظ في المشهد أن السرد كامن في صياغة العبارات، وأن التكرار يحوطها، وتتحقق الاستعارات في الجمل المتغيرة لا الثابتة. الجمل المتغيرة متغيرة في كلماتها وثابتة في دلالاتها، وتحقق الاستعارات هذا الغياب المجازي موافقة للغياب الدلالي (للغائب) ولا تحدث النقلة إلا في نهاية المشهد كما ذكرت.
إن هذه الشعرية تحرص على أن تكون للتقنية دلالة ما. وأن تعطي المشاهد دلالة كلية لا جزئية وهنا يحقق السرد الوحدة النصية حيث يبقى القاريء مجذوبا في قراءة النص حتى نهايته، فإذا ما استطعنا عزل وحدة نصية في القصيدة البيتية أو في القصيدة التفعيلية وقراءتها منفصلة ربما سيجوز ذلك. ولن يؤثر في مشهد هاتين القصيدتين الكلي. لكن في قصائد النثر التي تركز على سردية مشاهدها. فإننا لا نستطيع أن نعزل وحدة عبارية منها وقراءتها على حدة إذ أن السرد يجبرنا على أن نقرأ القصيدة بوصفها كلا. إذ تبقى العبارات مجذوبة الى نهاية المقطع الذي تتحقق فيه المفارقة، أو تكتمل الصورة المشهدية بلفظة مفارقة أو بفعل مضارع – في الأغلب – يكون مفارقا تماما لما قبله. من هنا فإن ثمة صورة سردية تطرحها قصيدة النثر ضمن مكوناتها الجمالية هذه الصورة السردية تفارق الصور البلاغية التي تنبني على ما هو استعاري جزئي في الأساس، وتنبني على توالي هذه الاستعارات وتكرارها. وتمتثل الصور السردية التي تقدمها قصيدة النثر لعدة بداهات:
أولها: الانبساط الشديد – المكثف حينا – للجمل والعبارات والاحتفاء بما هو وصفي عبر الصفات والاضافات وتخليق المشاهد عبر الترابط اللفظي بين كل سطر وأخر.
ثانيها: انجاز الصورة المشهدية التي تهتم بالمناظير والأبعاد السينمائية، وتحريك المشاهد عبر المنتجة، وترتيب اللقطات ترتيبا سببيا متواليا. تتحرك فيه العين الشاعرة في كافة الجوانب التي تبرز الجزئي والصغير.
ثالثها: اعتماد الصور السردية على ما يقص ويحكى من حوادث شعرية شخصية أو غير شخصية مع إبقاء القاريء في حال انجذاب للمشاهد الشعرية حتى نهاياتها.
رابعها: الاعتماد على التعيين والتحديد الدلالي للألفاظ والأشياء من جهة، واعتماد عدم اليقينية بـ (ربما) أو (لعل) مثلا – في تحديد الأشياء من جهة ثانية، مما يخلق نوعا من الحوار الجدلي بين الأشياء المعينة والمشكوك فيها، ويبرز تناقض الذات الشاعرة أو تكاملها تبعا للتجربة المكتوبة.
خامسها: تخفيت اللغة العالية، وتقديم اللغة المهمومة المتأملة شعريا، والابتعاد قدر الامكان مما هو غنائي. أو ايقاعي ملموس. وهذا التخفيت الذي يصل – ربما- لدرجة البرودة يجعل القراءة تتم بشكل رهيف جدا، وبشكل أكثر إصغاء للنبض الداخلي للعبارات.
إن هذه البداهات السالفة، تبرز لنا مكونا مهما من المكونات الجمالية لقصيدة النثر، وتخلق مساحة شاسعة أمام الشعرية العربية الواهنة التي لا تنحو الآن الى الفصل الحاد المجابه بين أشكالها الثلاثة (العمودي/التفعيلي/ النثري) بل تنحو الى التقارب والتكامل على الرغم من الفروق التقنية الجوهرية بينها.
إن مراجعتنا لقصيدة النثر، والتأمل في منجزاتها سوف يقفنا على طرق تقنية عدة وعلى إنجازات جمالية تزيد من عافية الشعرية العربية وقدرتها على تمثل العصر الراهن، وقدرتها أيضا على توسيع رقعة الشعر وبقائه متوهجا ودالا بوصفه فن العربية الأول، ويوصفه الأكثر قربا وتعبيرا وصياغة لانفعالات الانسان العربي وهواجسه وتساؤلاته. وإن مطمح هذه القصيدة – في تصوري- هو أن تعقد الوثاقة الشديدة مع الانسان العربي، وأن تولد فيه عشق الاحساس بالأشياء وأن تجعله أكثر انتباها لما يدور حوله من تفاصيل جزئية أو غير جزئية. وأن تجعل حواسه مشدودة ومركزة على ما حوله وعلى ما هو قريب من مخيلته وحواسه.
لقد قاربنا بعض المنجزات وتبين مدى ما تطرحه هذه القصيدة من رؤى جمالية ومن اتجاهات متمايزة، ومن أراض مشتركة بين الشعراء. لكن ذلك كله لابد أن يحفزنا على إعادة القراءة مرات تالية للوصول الى أبرز المعطيات اللغوية والبنائية والأسلوبية والدلالية التي تقدمها قصيدة النثر، والتي تمثل المزيج المدهش في شعريتنا المعاصرة بين تقنيات الشعر وتقنيات النثر، والتي صعدت بنا الى فضاءات أكثر انفتاحا وأكثر رحابة في التقاط شعريات الوجود، والاقتراب الشديد الواعي من أشيائه وتفاصيله، والدنو الرهيف من تجارب الانسان وحالاته المتعددة واستبطان ذلك كله استبطانا جماليا سعيا لتقريب المسافة بين الشاعر وكلماته وبين النص وقارئه وبين الانسان ومخيلته الماتعة.
إشارات:
1- تتعدد الاتجاهات داخل قصيدة النثر، فهي ليست مجرد قالب كتابي تتشابه فيه التجارب المختلفة، إنه يقدم آليات متعددة ومتخالفة، ووجهات نظر تقنية خاصة بكل شاعر، ويمكن ان تتمثل هذه الاتجاهات في الاهتمام باللغة بوصفها أساسا للعملية الشعرية ونراها عند سركون بولص، وأمجد ناصر، وسليم بركات، وهناك من يهتم بالبنية الجمالية للنص كما عند سيف الرحبي ونوري الجراح وقاسم حداد، وهناك اتجاه يميل الى تقشف الكلمات والوحدات النصية مثل محمد صالح، وهناك اتجاه اقرب الى النثر الفني والخواطر الشعرية مثلما تقدمه بعض شاعرات هذه القصيدة وان كان ذلك يتم بلغة شعرية أشف كما عند لينا الطيبي، وميسون صقر، وظبية خميس، وفاطمة قنديل، وايمان مرسال، وهناك اتجاهات متعددة تحتاج لدراسات تحليلية عدة في اختلافاتها وتبايناتها مثل كتابات: بول شاؤول وعباس بيضون ومحمد الدميني، وعبدالقادر الجنابي، ورفعت سلام، هذا فضلا على ما قدمه رواد هذه القصيدة من اتجاهات غنائية كما عند محمد الماغوط – مثلا – واتجاهات سوريالية وأسطورية كما عند أنسي الحاج وشوقي أبي شقرا وأدونيس وغيرهم بالاضافة الى ما تقدمه موجة شعرية جديدة في مصر تنتهك حرمات اللغة والتخييل والمجاز وتكسر حدود ما هو شعري لتكتب بلغة نثرية حيادية وباردة تماما. وهي تحتاج لتنقية جادة وحادة لبيان الفوارق بين معايير الشعر وقيم النثر.
2- نوري الجراح، كأس سوداء – السراة للكتب والدراسات والنشر – لندن – الطبعة الأولى 1994 – ص 30 قصيدة «كأس سوداء».
3- السابق ص 64- 65.
4- أمجد ناصر: سر من رآك: السراة للكتب والدراسات والنشر – لندن الطبعة الأولى 1994 ص 29.
5 – السابق ص 12
6- السابق ص 18
7- السابق ص 43
8- السابق ص 59
9- المسابق ص 56
10- السابق انظر النص 51 – 77.
11- سيف الرحبي: رجل من الربع الخالي – دار الجديد – بيروت – الطبعة الأولى 1993 ص10.
12- السابق ص 15
13- السابق ص 40
14- السابق ص 66
15- سركون بولص: الحياة قرب الأكروبول – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 1988.
16- السابق ص 23
17- السابق ص 37
18- عادل خزام، تحت لساني (طبع على نفقة الشاعر) – الامارات – يوليو 1993 ص 23.
19- خالد المعالي: عيون فكرت بنا – رياض الريس للكتب والنشر – لندن الطبعة الأولى 1990 ص 47 – 48.
20- قاسم حداد: عزلة الملكات، كتاب كلمات البحرين الطبعة الأولى 1991، ص 59 – 60
21- محمد صالح: صيد الفراشات – الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة الأولى 1996 ص 70.
22- بول شاؤول: أوراق الغائب – دار الجديد – بيروت الطبعة الأولى 1992.
22- السابق ص 25.
عبدالله السمطي (ناقد من مصر)