لا يمكن الحديث عن كتاب »الشعر عند البدو« دون الحديث عن كاتبه شفيق الكمالي, فالاثنان, من جوانب عديدة, متلازمان كالمرايا المتقابلة تعكس إحداهما الاخرى, كما أن الحديث عن شفيق ضروري وهام ليس من الناحية السياسية وإنما من الناحية الشعرية, اذ من خلاله نطل على مرحلة تاريخية كاملة, ليس في العراق وحده وانما في منطقة المشرق العربي بأسرها, بكل ما حفلت به تلك الحقبة من احداث واضطرابات وتغيرات خاصة وإن جزءا كبيرا مما يجب ان يقال عن تلك الحقبة لم يقل بعد, وقد يذهب جله او كله مع الذين ذهبوا, وأضحت الفترة المتبقية كالمقصلة تجز بصعودها وهبوطها كل يوم رقاب الكثيرين بصمت, فقط لانهم يعرفون! ومن يقدر له ان ينجو ويفلت من هذه المقصلة ينتظره الخوف, والخوف في احيان كثيرة أشد هولا مما عداه, الامر الذي لا يترك فرصة سوى لكلمات قليلة وأخيرة, وغالبا ما تكون متلعثمة, او خائفة, وتقتضي جهدا مضاعفا من أجل تظهيرها لكي يستوعب جزء مما ورد فيها.
قدر لشفيق الكمالي ان يولد في تلك الفترة النيرة والحزينة, الفترة التي وقعت خلالها أحداث كثيرة تتطلب التسجيل. لقد ولد في فترة مناهضة الاستعمار, وفي زمن المخاضات الكبرى, حيث اقطار المشرق العربي تحشد قواها, وتجمع نفسها, لنزال أخير وكبير من أجل انتزاع حريتها وتحقيق استقلالها, وكان الانتداب بمشتقاته قد استنفد القسم الاكبر من قواه في عمليات الترويض والتهجين, لكن النتائج التي توصل اليها كانت هزيلة, مما حفز الجميع على الانخراط بالسياسة, لذلك فان شفيق, مثل ابناء جيله, ما ان فتح عينيه على هذه الحياة حتى اصطدمت بالدوي والاشلاء, وامتلأت ذاكرته بقصص الضحايا التي زرعت أرض الشمال الشرقي من سوريا بجثثهم, وهكذا امتزجت الحروف التي تعلمها بدوي الاناشيد, ووجد نفسه, وهو في طريقه ذاهبا او عائدا من المدرسة, ممتزجا بالجموع التي ادركت بغريزتها ما تريد وما يجب أن تفعل.
أما ان يولد شفيق على ضفاف الفرات, ولان الفرات ليس كغيره من الانهار, أي مجرد مياه تروي الارض وتسقي البشر, وانما هو شريان الحياة والذاكرة, إذ يحمل قصص الاولين, وحداء العائدين من السفر او الذاهبين اليه, ومعهم الخيرات والالوان والغلال, لذلك فان المدينة وأهلها يبقون في حالة من الترقب والانتظار وبكثير من الامل الذي لا يخلو من خوف لما ستسفر عنه هذه الرحلات من نتائج. لهذا فان المدينة التي ولد فيها شفيق اضافت إليه الكثير, وربطته بعلاقات تمتد مع مياه النهر صعودا وهبوطا, فالبوكمال مثلما كانت محطة في الطريق الى حلب ثم الى دمشق كانت محطة تتريث فيها القوافل وهي تقطع الصحراء في طريقها الى بغداد ثم الى الامكنة الاخرى.
الفترة الزمنية, وهي فترة ما بين الحربين الاولى والثانية, ثم المكان الذي يولد فيه الانسان, هما الحاضنتان اللتان تعطيانه ملامحه الاولى ثم هويته, وهاتان الصفتان, مهما مرت الايام, تبقيان تلازمانه مهما مرت الى آخر العمر.
ولان البوكمال بلدة صغيرة ومحدودة الامكانيات على الفرات, فقد كانت, اغلب الاحيان, محطة لابنائها وللعابرين, اذ كثيرا ما غادرها ابناؤها الى الداخل بحثا عن العمل او الدراسة, ومع طول الغياب وامتداد الاسباب, فقد بقوا أوفياء لها: يزورونها بين آونة وأخرى, او كلما استبد بهم الحنين, كما لا يكفون عن ذكرها والتغني بأيامها ولياليها, ويروق لعدد غير قليل من ابنائها ان يتخذوها كنية يعرفون بها اينما كانوا والى أي مكان ذهبوا, وكان من هؤلاء شفيق الكمالي.
الذين لم يجدوا المكان الذي يلائمهم في المحيط القريب, وكانت أناشيد البحارة تستهويهم, وقصص الذين ذهبوا الى البحار البعيدة تملأ رؤوسهم في الليالي الطويلة, ركبوا أمواج النهر او ساروا بمحاذاته يقطعون البلدات الواحدة بعد الأخرى الى ان تطل عليهم منائر بغداد, وهناك تطول الاقامة بالكثيرين منهم حتى يصبحوا بغداديين أكثر من ؛البغادة« انفسهم, فيعملون ويدرسون ثم يتزوجون, لكن شيئا واحدا لا ينسونه: البلد الذي جاءوا منه, البوكمال. ولتأكيد هذه الصلة, ومهما تغيرت الكنيات والالقاب فانهم يضيفون قبلها او بعدها الكمالي. وهكذا كان شفيق الكمالي.
ولان شفيق لا يعرف أصلا الحدود التي وضعها الاستعمار, ثم تشبثت بها الدول التي جاءت بعده, فانه في طريقه الى البوكمال, او العودة منها الى بغداد, لم يكن يعترف خلال فترة طويلة بالهويات التي يجب ان تبرز, والتي كان يطلق عليها ؛الهوايا«. ولان المولجين بالتأكد والتدقيق على الجانبين يعرفونه فان الاسئلة, ان كانت تسأل, فعن الصحة والمطر والحلال والاهل, مع الالحاح على ضرورة استضافته ومن معه لبعض الوقت ثم مواصلة السفر بعد ذلك!
لم يكن النهر إذن حاجزا, كما هو حال الانهار في كثير من البلدان, لان مع مجراه كانت تتداخل القرابات والمصاهرات, وعبر بلداته وقراه يتم تبادل الاخبار والمنتجات, وكان يتم الاتفاق أيضا عما يجب أن يكون. ومن هنا انفتح اول باب من أبواب السياسة بين البلدين.
إذ رغم السلبي الكثير الذي كان بين القطرين الشقيقين, سوريا والعراق, بحكم مواقف الحكام خلال الفترة التي نتحدث عنها, فقد كان الفرات احد المعابر الرئيسية بين القطرين, ليس فقط لنقل المسافرين والبضائع, بل وللأخبار والمنشورات السرية التي كانت ممنوعة آنذاك, اذ كانت تصل عبر أثواب القماش او تحت احمال الملح والقمح, وفي حشايا ثياب المسافرين, وكان هناك من يجرؤ على حملها جهارا نهارا باعتبارها جزءا من المقررات الدراسية!
شفيق الكمالي بعد ان أنهى مراحل دراسته الأولى في البوكمال وحلب, ولوجود اقرباء مباشرين له في بغداد, قرر ان ييمم وجهه نحو هذه المدينة, التي سوف يرتبط بها منذ ذلك الوقت والى لحظة النهاية, ويصبح جزءا من وجودها ونسيجها, بل ويصبح واحدا من ظرفائها المميزين, وقد قدم من اجلها أهم ما يملك.
من يستعيد صورة شفيق الكمالي, حين كان طالبا بكلية الآداب, في مطلع الخمسينات, لا يشك لحظة واحدة في انه سليل أسرة ارستقراطية غدر بها الزمن, اذ رغم بقايا الآثار التي تدل على العراقة, خاصة في حرصه على ارتداء البذلة الكاملة والرباط, وفي تسريحة الشعر التي تشبه التاج وتضفي على طوله طولا يجعله ناهضا بين الرجال, خاصة حين يمشي مع كريم شنتاف, الا ان قدم البدلة وخروجها عن النسق السائد يومئان, بشكل ما, الى الجذور الارستقراطية!
أما طريقة التصرف والنظرة, خاصة حين يكون لديه جديد يريد ابلاغه الى الآخرين, فانه يلجأ الى راحة يده او اصبع من اصابعه كاشارة لكي يتم الاجتماع حوله, وبعد ان يوجه الى المحيطين به نظرات تتسم بالاستهتار والابوة معا. وينقل هذه النظرات مع هزات الرأس, مع كلمات لا تخلو من قسوة لتأكيد حماقتهم وجهلهم, يطلب, بايجاز, اقرب الى الامر, ان يمنح سيجارة, وبعد ان تمتد اليه السجائر من كثيرين يختار واحدة أجنبية, ويفضل أن تكون طويلة, ومع أولى نفثات الدخان يبلغ الجمع ما رأى وما سمع من أخبار سياسية او لها علاقة بالغرام والانتقام.
ليست هذه الصورة الوحيدة لشفيق الكمالي في كلية الآداب, اذ ان المطارحات الشعرية, والامثال الشعبية, ووجوه اعراب الكلمات, وكيف قالت العرب في قضية لغوية اشكالية, الى الحديث عن الرسم ومدارسه والمبرزين فيه من الاساتذة والتلاميذ, الآن وفي السابق, هنا وهناك, مثل هذا الحديث يطول ويشترك فيه الاساتذة بعض الاحيان لتصحيح الأخطاء ورد المدعين, خاصة وان في الكلية مرسما كان يستقبل المواهب والمقبلين على العشق, وفيه كانت تبدأ قصص كبيرة تتجاوز الكلية, وتعبر النهار الى الليل.
أما في مباريات الشعر, على أي مستوى كانت, فان لشفيق حضورا لافتا مميزا, سواء ما كان ينظمه بنفسه او ما يحفظه للآخرين, ولذلك كان أحد فرسان كلية الآداب في هذا المجال, ولان الفترة السياسية كانت مليئة بالصراع والاحداث, وكان الشعر ابرز ساحات التحدي, اذ ان القصيدة الأكثر تعبيرا عن موقف, والتي يسهل حفظها أيضا, ويحسن ان تتضمن بعض الشتائم, فهي الأكثر قوة وبالتالي انتشارا, خاصة حين تترافق مع القاء جيد وفي توقيت مناسب.
كان شفيق بجسده الطويل, الأقرب الى الامتلاء, وبذلك التمكن من الالقاء, حيث يشتعل جسده كله وهو يلقي, ولان هناك جمهورا مستعدا للتصفيق وبطلب الاعادة, فكثيرا ما كان يتحول شفيق الى نجم, وكان يؤكد ذلك أكثر من خلال النكت التي يحفظها, أو التي تظهر عفو اللحظة, بحيث يحمل خصومه السياسيين على الضحك أو الدخول في معارك, بعد التعبئة التي أوجدها الشعر أولا, ثم جاءت النكات والضحكات الصاخبة لكي تعلن فوزا من نوع ما, ولو لفترة محدودة.
إن من يدرس سيرة شفيق الكمالي الآن, يكتشف, دون صعوبة, انه اقرب الى الفنان, بفكره, وبسلوكه, وبالمناخات والعلاقات التي يحب ويهوى, لكن الفرات, ذلك النهر الذي كان دوما طريقا للتجارة والثقافة, والسياسة أيضا, لا يترك أحدا من بنيه بعيدا, وهكذا تغلب مهنة غيرها, وهكذا يتحول الانسان من طريق الى آخر, خاصة اذا كانت المرحلة التاريخية عاصفة شديدة التقلب, مما لا يتيح لأي انسان ان ينفرج ويراقب دون أن ينغمس في هذه الأجواء.
الغرض الاساسي الذي يتوصل اليه كل من يعرف شفيق انه فنان, أو هكذا يجب أن يكون, خاصة وانه يحب الشعر وينظمه ويغني قسما منه, أما الاغاني الشعبية, أغاني النهر والبادية وليالي السمر, فيعرف القسم الكبير منها, وكيف تغنى في هذه المنطقة والمنطقة الاخرى, وفي ليالي الانس, ومع عدد من الاصدقاء المختارين, يعرف كيف يقود جوقا موسيقيا سواء في المشاركة او التحريض.
وفي الرسم أيضا, لو أعطى هذا المجال ما يستحقه من الوقت والعناية, وعلى أيدي اساتذة معلمين لاجاد, وحتى القليل الذي تركه من التخطيطات, أو على أطراف الكتب ودواوين الشعر, ثم تلك التي حاول أن يزين بها الاعمال الشعرية التي كتبها, يمكن لهذه ولغيرها لو جمعت ان تعبر بمقدار ما عما يمتلك من موهبة في التصوير, لكن الانشغالات الكثيرة, وأغلبها غير جدي, ثم تلك الروح البوهيمية المميزة له في النظرة والسلوك جعلت من كل ذلك هامشا ثانويا لم يحرص هو عليه فكيف بنظرة الآخرين أو بموقفهم?
إن المرحلة التاريخية التي عاشها, وتنقسم قسمين, الاول في المعارضة والاخرى في السلطة, لم تترك فرصة للتفكير واعادة النظر من أجل اختيار الاولويات, وان يكون في المكان المناسب, فالفترة الاولى كانت من القسوة بكل معنى الكلمة, من الاصدقاء ومن الاعداء معا. فمتطلبات الاصدقاء كثيرة ومتلاحقة ومن نمط واحد, كما لا تميز بين واحد وآخر, ان الواجب, وبمعناه الحرفي, يطبق على الجميع بنفس القسوة والصرامة, وبعض الاحيان بمبالغة ازاء الاشخاص الذين يبدون انهم مختلفون عن الآخرين. أما الاعداء, ومن كل الشعارات اليومية, المليئة بالتحدي والمزايدة, فلا يتركون فرصة لحوار أو مجال لمساحات رمادية يمكن أن يلتقي عليها اثنان لقول قصيدة أو لغناء ابوذية او بستة, وهكذا يجد الانسان نفسه في طاحونة سوداء تهرس القمح بالشعير بالزوان بحيث لا تخرج في النتيجة سوى الشتائم, وبعدها الفراغ ثم الندم.
لو أن شفيق تفرغ لنفسه ولهواياته, ولو أن التنظيم الذي استبعده فترة طويلة أطلق سراحه وفرغه لما يريد ولما يهوى لأخذت حياته سيرة ثانية, ولربما انتج مقدارا من الشعر واللوحات أصبحت له عنوانا وتراثا.
حين أريد تكريمه سمي وزيرا, ولا يعرف منصب هكذا, هل يعتبر في بلادنا تكريما أو عقوبة, ولا يعرف من يصل اليه من يرضي ومن يغضب, أو من سيرضى عنه أو من سيغضب عليه, وهكذا يجب في كل الحالات أن يدفع الثمن من أعصابه وصحته وربما حياته.
أتذكر شفيق مسؤولا مرتين, الاولى حين أصبح وزيرا للثقافة في بداية 1963, ولم يكن ناجحا. أما الثانية فحين أصبح رئيسا لاتحاد الكتاب ورئيسا لمجلة »آفاق عربية« أواسط السبعينات, ومن خلال هذين المنصبين, وباعتباره فنانا بالدرجة الأولى, ترك مكاسب, لا يعرف ان كانت كثيرة أو قليلة للكتاب, وترك أيضا بصماته واضحة على المجلة التي أسسها.
ما عدا ذلك, شفيق الانسان, لم يبق منه الا القليل, إذ لم يكن لديه الوقت ليكتب ما يتمنى أن يكتبه, أو ان يحوله الى خطوط وألوان يمكن أن تنتقل الى الاجيال اللاحقة, كما يتيح له فرصة لان يقول لنسائم الليل مواويل ولوعات كان يحس بها ويريد أن يطلقها, لكن المنصب والموقع لم يمكناه من ذلك. يضاف الى ذلك ان اصدقاءه المقربين, وهم كثر, وقد ضحكوا كثيرا وطويلا لنكاته, ورددوها فيما بينهم, لكن أيا منهم لم يدون, ولم يسجل شيئا منها, وبالتالي ماتت, وماتت معها أيضا ذكرياتهم والمواقف الساخرة والصعبة التي وقعت وكان بطلها أو من الشهود عليها. كلها ضاعت أو في طريقها الى الضياع, لان ليس للكثيرين ؛حيل« للكتابة, وانما لديهم حيل من أجل تقطيع الوقت, من اجل الهروب من هذه الحياة التي قدر لهم ان يحيوها!
انني انظر الى حياة هذا الانسان المميز نظرة رومانسية, ولا تخلو من مكر الروائي. فهذا الانسان الذي ولد في أدق الأوقات والامكنة وشهد الكثير, وكان يمتلك من المواهب والحماقات مقدارا غير قليل, وعرف الكثير أيضا, لو قدر لهذه الحياة أن تدون على حقيقتها, بكل ما حملت من متاعب ومسرات وأحلام وخيبات, وما حملت من أسرار أيضا, لبدت رواية قاتمة, وربما خيالية, وربما كان من الأحسن أن لا تدون!
بعد أن انتهت فترة الحرب, كما يقال وأصبحت تقضي الضرورة الالتفات لفترة القلب, قرر شفيق الكمالي أن يلتفت, من جديد, للدراسة, بعد أن انقضت دراسته الأولى منذ بضع سنوات, وقرر أن يكون موضوع دراسته ؛الشعر عند البدو« وأن تكون هذه الدراسة في القاهرة.
والقاهرة خلال الفترة التي اختارها كانت في أزهى فتراتها وأبهى حالاتها, فقد انتهى العدوان الثلاثي بهزيمة معنوية ساحقة لقوات الغزو, بعد أن اضطرت للانسحاب, وتم الاعتراف بتأميم قناة السويس والشروع ببناء السد العالي. ترافق ذلك مع الدعوة الى الوحدة بين مصر وسوريا, وأصبحت القاهرة خلال تلك الفترة مصدر الاستقطاب والاشعاع لحركات التحرر في العالم وأصبحت محجا لحركات التحرير ولقادة الفصائل المناضلة, كما تحولت القاهرة الى بؤرة للنشاط بكل ما تعنيه الكلمة, من حيث المسرح والكتاب والفن التشكيلي, وأيضا اللقاءات التي تجمع الناس من كل مكان كي يتعارفوا أو يتفقوا على ما يجب عمله اليوم وغدا, والى رسم وتحضير للغد ثم للأيام التي تليه.
في هذه الفترة جاء الكمالي الى القاهرة, ولم يخطئ سواء في اختيار المكان أو موضوع الدراسة, أو في اختيار الأستاذ المشرف, وأخيرا في اكتشاف المدينة- القارة: القاهرة. كان كل شيء بالنسبة له جديدا وهاما, ورغم محبته لدمشق وبغداد, ؛الا ان القاهرة, كما يقول, غير شكل« ولذلك فان الاقامة القصيرة المقررة كل مرة, من أجل ان يلتقي باستاذه وان يحصل على المراجع, تمتد الى شهور, ومع كل يوم جديد شيء جديد.
ولان من الصفات التي يحسنها, وبسرعة, اتقان اللهجات, فقد استطاع بسهولة, ان يجيد اللهجة المصرية, وان يضيف اليها ما يملكه من مخزون قديم اكتسبه عن طريق الافلام المصرية التي كان يدمن مشاهدتها في بغداد, ومن الأغاني التي يحفظها ظهرا عن قلب, بحيث يقدر من يراه لأول مرة أن الذي يحدثه مصري ابا عن جدا.
أيام القاهرة, خاصة خلال تلك الفترة, كانت الأكثر أهمية في تكوينه وصقله, وفي وضع أولويات جديدة لاهتماماته, لانها بالإضافة الى السعة والتنوع اللذين كانت تتصف بهما, فقد كانت فترة ازدهار وتفتح, كانت تقدم الجديد كل يوم, سواء من خلال الورشات التي لا تكف عن العمل, أو من خلال استقبال الوفود والفرق الوافدة من جميع أنحاء العالم, والتي تخلق بوجودها وفعالياتها حالة من الحراك الاجتماعي والفني, بحيث بدت مصر خلال تلك الفترة وكأنها خلية من النحل لا تكف عن الدوي.
يضاف الى ذلك ان الحراك السياسي الذي عم المنطقة, وغير في الواقع والهموم والاهتمامات, دفع أعدادا تزيد كل يوم من الباحثين عن الجديد, وعن العلاقات, والذين يقرأون الاحتمالات من خلال هذه الثورة التي تقول أو تنبئ ما يمكن أن يحصل في الأماكن الأخرى, خاصة القارات الثلاث. لقد تأكد ذلك بعد أن تطاير حلف بغداد الى أشلاء, وتبعه مشروع ايزنهاور, وبعد ان هزم العدوان الثلاثي وعجز عن تحقيق أهدافه, وبدأ يرتفع يوما بعد آخر السد العالي عنوانا لمصر الجديدة. وكان الجو العالمي بعد مؤتمر باندونج مواتيا, اذ اصبح صوت العالم الثالث قويا ومدويا, وتولدت على مساحة الكرة الأرضية صيغة جديدة من التحالفات والاحلام, اصبح ما كان حلما أقرب إلى الواقع والامكان.
ترافق ذلك مع وصول أعداد كبيرة من مثقفي العالم الثالث ومناضليه الى عاصمة العالم الجديد: القاهرة, وكان قسم من هؤلاء جاء بهدف الاحتكاك والتعليم وتقديم الخبرة, وهكذا تفاعلت خبرات الداخل بالخبرات الوافدة, وتولدت أفكار واحتمالات على كافة المستويات, بما في ذلك روابط الأدباء والمثقفين على مستوى العالم الثالث, وتبادل الفرق والخبرات.
ولان العالم العربي كان يموج أكثر من غيره وأسرع خلال تلك المرحلة, فقد اصبحت القاهرة ملتقى لكل الباحثين عن غد أفضل, وكان هؤلاء يلتهمون مع الكتب التجارب والأفكار, وكانوا يقدمون أيضا ما لديهم من زاد, وهكذا حصلت أكبر عمليات تفاعل وتلاقي, وربما لأول مرة بين أقطار البلاد العربية في القاهرة, ولم تقتصر هذه على السياسة, وأن كانت أبرز وجوهها, وانما امتدت الى الفكر والأدب والفن, كما أن القطيعة التاريخية التي استمرت عقودا طويلة ومتواصلة بين مشرق الأرض العربية ومغربها, تقلصت او انتهت نتيجة تلاقي الجموع الغفيرة الآتية من هنا وهناك في القاهرة. وهكذا, وفي فترة قياسية, امتدت من منتصف الخمسينات الى أوائل الستينات, والتقت أمواج من البشر والأفكار والأشواق, بحيث تكونت خلال هذه الفترة أقوى لحمة بين المشرق والمغرب, وتعارف, وبعمق, جناحا الوطن وتعاونا في حقول كثيرة, بحيث يعتبر أن ما حصل بعد ذلك كانت نتيجة البذور التي زرعت خلال تلك الفترة.
وأية دراسات مدققة تجرى الآن لمعرفة جذور الكثير من الحركات والتيارات وحتى الاذواق السائدة حاليا, نجد ان البدايات الاولى كانت في الفترة التي تشير اليها, فالشعر الحديث الذي بدأ في العراق مطلع الخمسينات, لم يتأخر في الوصول ثم الرسوخ في مصر في بضع سنين, ليس فقط من خلال المجلات التي حملت الموجات الجديدة, وانما وبالدرجة الاساسية, من خلال البشر الذين حملوا هذه المجموعات, فالبياتي الذي اقام في القاهرة في النصف الثاني من الخمسينات, بعد حلف بغداد, لم يأت باحثا عن مكان الاقامة فقط, وانما كان يبحث بالدرجة الأهم عن المكان الأليف, وعن البيئة التي يمكن أن يؤثر ويتأثر بها. ومثل البياتي كثيرون, ويقال الأمر ذاته عن الأدباء والشعراء والمفكرين المصريين الذين احتكوا بالموجات العربية آنذاك, وأقاموا معها أحسن الصلات, وكان من شأن ذلك ان استفاد واغتنى الطرفان بحكم هذه الصلة التي كانت غائبة أو مغيبة. وهناك صداقات وطيدة تكونت آنذاك ولاتزال ممتدة, وبقوة الى الآن, وعن طريقها عرض كل طرف هموم وأحلام الطرف الآخر, واكتسب الكثير من التجارب والمعلومات, والتي لاتزال مؤثرة الى الآن, أكثر من ذلك أن الموجة العربية التي ترسخت في مصر واستمرت تنمو يوما بعد آخر, كانت بداياتها تلك الأجواء من الفهم والاحتكاك والتفاعل التي تمت آنذاك.
لا يعني ذلك منة من طرف على آخر, وانما يعني العودة الى الينابيع والجذور, لان لا غنى عن مصر في أية نهضة عربية معاصرة كما لا تستطيع مصر أن تعطي أفضل ما لديها إلا من خلال معرفة الطرف الآخر معرفة حقيقية, والالمام بهمومه ومشاكله, لكي يكون ما يطرح متجاوبا مع مشاكل حقيقية ونتيجة ادراك مباشر.
شفيق الكمالي على مستوى الانسان استفاد الكثير من اقامته في مصر, اذ لم تعد مصر كما كانت من قبل مجرد الأفلام والأغاني, وما يصل من المجلات والكتب. أصبحت مصر في المرحلة الجديدة حياة كل يوم, ومعرفة مباشرة بأدق الأماكن والتفاصيل والبشر, وبالتالي لها انعكاسات وتأثير على الحياة في الأماكن الأخرى, ليس من قبيل التقليد, وانما نتيجة القناعة والتجربة, وقد ظهر تأثير ذلك في حقول معرفية وفنية كثيرة, لعل أبرزها في السينما والمسرح, إذ قبل الاحتكاك بالجو المصري, وقبل وصول الخبرات المصرية الى أقطار عربية عديدة في هذه المجالات, كانت الأقطار العربية ذات علاقة واهية وموسمية بالفنون الراسخة في مصر.
اختيار شفيق الكمالي لموضوعه: »الشعر عند البدو« له مزايا متعددة, ويشكل اضافة نوعية هامة, فالباحث شاعر أولا, ويفترض بمن يتناول بحثا كهذا ان يكون شاعرا, وأن يكون ملما بتاريخ الشعر ولغته, وأن تكون لديه رؤية حول ما يحتمل من اجتهادات وامكانيات.
ويفترض أن يكون هذا الباحث ملما بلغة هذا الشعر وبلهجات البدو بصورة عامة, لان طريقة تطور هذا الشعر, وبالتالي تطور لغته خضعت الى قواعد وظروف مختلفة عن تطور الشعر العربي الفصيح, ولذلك ما ينطبق على الفصيح من قواعد ومراحل لا يسري بالضرورة على البدوي, الامر الذي يستوجب ان يتعامل ضمن منطقه وشروطه, مع مرونة عالية في التكييف والاجتهاد, لان الخطأ في معرفة ما تتسم به لهجات البدو من اعلال وادغام وابدال, ومن تباين بين قبيلة وأخرى, بين مرحلة وأخرى, يعود الى فهم بعض المفردات أو حين يطبقون على الشعر البدوي ما يطبق على الشعر الفصيح.
ويفترض في الباحث أيضا أن يكون ابن بيئة هذا الشعر, أو على صلة بمنابعه الأصيلة, لان الدخول اليه والالمام بأجوائه ومناخاته يقتضيان ليس مجرد معرفة اللغة والاوزان فقط, وانما الخلفية التاريخية والبيئية التي يستند اليها هذا الشعر, لتذوقه أولا ثم لنقله الى الآخرين بأقل قدر من التحريف, أما الاعتماد على الكتب وحدها, أو القياس على بعض النماذج فقط, فسوف يقودان, أحدهما او كلاهما, الى أخطاء فادحة, وهذا ما نلاحظه في الكثير في التفسير او التقدير الذي يعتري هذا الشعر.
ثم إن القياس على البيئة الأكثر تماثلا مع هذا الشعر, وهي البيئة الجاهلية, باعتبار ان الاثنين يصدران عن نفس المصدر, خاصة وان الصحراء والتي هي مادة هذا الشعر, لم تتغير نوعيا طيلة هذه القرون, وبالتالي فان الكثير من الأدوات وطبيعة الحياة والعلامات, وحتى المفردات التي كانت سائدة في أوقات سابقة, انتقلت بذاتها الى الشعر البدوي المعاصر. ومع ذلك فان كما غير قليل من الأدوات, او طريقة النظر اليها, تغيرت, الأمر الذي يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار حين القياس, وهذا لم يلتفت اليه عدد من الباحثين.
ويتسع الخرق أكثر اذا كان البحث لمثل هذا الموضوع مجرد افندي, أي لم يحتك فعليا بهذه البيئة ولا يعرف الكثير عن طقوسها ومناخاتها, وكل ذخيرته مستمدة من الكتب أو من عابري السبيل الذين يلمون من الأشياء بأطرافها وبطرائفها, بحيث يتحول الموضوع في النتيجة الى فولكلور أو الى مجموعة من الأحاجي والألغاز القابلة لقراءات متعددة ومتباينة أشد التباين.
شفيق الكمالي باختياره هذا الموضوع تجاوز الأخطاء او النواقص التي وقع فيها غيره, اذ بالإضافة الى كونه شاعرا, فانه ابن بيئة هذا الشعر البدوي, سمعه ثم حفظه قبل أن يفكر باحتمال أن يكون موضوع دراسته ذات يوم. ولعل الفرات, هذا النهر العريق, والذي كان طريقا للحرير, من أخصب البيئات وأكثرها أهمية لهذا الشعر, لان الفرات أكثر الانهار صحراوية, اذ يبقى ملازما للصحراء في معظم الطريق التي يقطعها من منابعه حتى المصب, خلافا لدجلة والنيل, اللذين يتماسان مع الصحراء ويتقاطعان معها في مواضع عديدة لكنهما, في النتيجة, ليسا نهرين صحراويين, ويمكن ان يقال الأمر ذاته عن انهار عديدة في المنطقة.
ولان للفرات هذه الصفة المميزة فان أهميته الفعلية والمعنوية للذين يعتمدون عليه أو يسلكونه في الذهاب والاياب تجعل منه نهرا خاصا. حتى البدو الذين يحيطون بضفافه يعرفون مدى الأهمية التي يتمتع بها ولذلك لازم الكثيرون منهم هذه الضفاف ينتزعون منها رزقهم ليس من خلال الزراعة وإنما باعتباره معبرا بالدرجة الأولى وبالتالي يفرضون الخوة والضرائب على المرور فيه, أو يلجأون الى السلاح لانتزاع ما لا يستطيعون الحصول عليه بالاقناع والرضا. وفي هذا المجال يذكر الرحالة الذين عبروا النهر في العصور الوسطى كم لاقوا من العنت وكم دفعوا من الأموال لكي يعبروا بسلام.
حتى في سيره الصحراوي يختلف نهر الفرات عن غيره من الأنهار, فانحداره بطيء خلافا لدجلة, وسيره هادئ لا يتعرض للجنون الا أوقات الفيضان, لان ليس له رافد, وهو نهر للعبور, خاصة في قسمه الاعلى, أكثر مما هو نهر لسقاية الأرض, ومن هنا فان طبيعة الذين يسلكونه أو يعيشون على ضفافه يختلفون عن أولئك الذين يسلكون دجلة او يعيشون على ضفافه.
وإذا كان الدكتور أحمد سوسة قد فصل الكثير عن هذا النهر. وعن طبيعة نهري الرافدين, فان ما يعنينا هنا الآثار الفنية, خاصة في الشعر, نظما وغناء, المتولدة عن هذا النهر ومن الامور التي علقت بذاكرتي ذات ليلة حين تقابل شفيق الكمالي وسعدي الحديثي وهما يرددان أغاني نهر الفرات, وكيف تتغير سرعة الالحان وتتابعها حسب قوة مجرى النهر من ناحية, وحسب العمل الذي يؤديه الفلاحون من ناحية ثانية, في القسم الجنوبي, حين يخمد النهر ويتداخل مع الأهوار, فان اللحن يكون بطيئا حسب سير الزورق, أما اذا ارتفع النهر نحو الأعالي, وزاد تدفق أو سرعة المياه فيه فان اللحن يتغير, وبالتالي يأخذ رتما جديدا: مختلفا وسريعا .
ولان ألحان الشعر البدوي, ما يذكر شفيق في بحثه, لا تحكمها الأوزان وحدها, وانما طريقة أداء هذه الأوزان, فان أداء المغني للحن الواحد غني ومتعدد ومتفاوت أيضا, بحيث يحتاج الى مهارة خاصة. ومما يضفي عليه لونا مميزا يطرب ويشجي تبعا للمؤدي وللمناسبة معا, وهذا ما يفوت عددا من الباحثين, الأمر الذي يستوجب نظرة جديدة ومختلفة لهذا الشعر.
ولأن شفيق لا يفهم الشعر البدوي ويردده فقط وانما يغنيه أيضا, مما يجعله أكثر طواعية للفهم ثم للتعامل فالتذوق, فانه حين يقوم بأداء بعض هذا الشعر يصبح انسانا مختلفا عما كانه من قبل, بل أكثر من ذلك يشبه حالة من التصوف, ولا يتردد في أن يستعين بمن يرافقه على آلة موسيقية كي يكون الأداء أكمل وأدق.
إن العلاقة بين الشعر البدوي والشعر السائد علاقة ملتبسة ويتخللها الكثير من سوء الفهم, حتى ليقال ان ليس هناك علاقة بين الشعرين, ولا شك ان علاقة من هذا النوع تؤدي الى خسارة للاثنين, لانه بمقدار ما هو مطلوب تطويع الشعر وإضفاء المرونة عليه من حيث الاوزان والبنية واحتمالات التطور, فان الشعر البدوي تطور بمعزل عن الشعر الآخر, أو بالاحرى بقي أسيرا للشعر الجاهلي بموضوعاته ومفرداته وبنيته, في الوقت الذي يشير الباحث في هذه الدراسة الى آفاق كبيرة يمكن أن يكتسبها الشعر السائد فيما لو تحركت الأوزان قليلا اعتمادا على الصوتيات بالدرجة الأولى, وليس فقط على الاوزان, ان الامر جدير بالتأمل واحتمال التجريب وفتح القنوات بين هذين اللونين من الشعر, وليس فقط اعتماد ما حصل من تجارب أو البقاء ضمن اللونين من الشعر, وليس فقط لاعتماد ما حصل من تجارب او البقاء ضمن أسرها. ان الموضوع يتطلب ان يتناوله الاختصاصيون, وان يخوض فيه الشعراء أيضا, اذ من شأنه أو تم ان يفتح أفقا جديدا أمام تطور الشعر العربي, خاصة وان الشعر, منذ البداية, ارتبط بالغناء وتداخل معه الى أقصى حد, الامر الذي يجعل الشعر المقروء, او البعيد والصامت عن اشراك الأدوات الأخرى في حالة من الخرس, وهذا ما يجب ان ينتبه اليه الشعراء المعاصرون الذين يجعلون الشعر حالة أقرب الى التأمل والاستبطان الداخلي أكثر مما هو امتزاج بأصوات الطبيعة وتوليد ألفة صوتية من أنماط جديدة. لم يكن الصمت أبدا طريقا للتفاهم, ولم تكن الضجة التي سادت الشعر خلال مراحل معينة, خاصة المتأخرة, الطريقة المناسبة للتفاهم أو التعبير, وفي اشارة الكمالي مفتاح, ولو كان أوليا, لبداية اختيار طريق جديدة أو اضافي.
وتفريعا عن هذه النقطة, فقد كانت لشفيق الكمالي اجتهادات في اللغة, ويتذكر الكثيرون المساجلات التي جرت بينه وبين المرحوم مصطفى جواد, في ذلك البرنامج الذي اشتهر أو آخر الستينات: (قل ولا تقل). ففي البحث عن أصول بعض الكلمات, ومدى تأثر لغة بأخرى, فقد ذهب المالي بعيدا في الاشتقاق أولا, ثم في ايجاد الصلة بين اللغة العربية وغيرها من اللغات, باعتبار العربية أصل اللغات وجذرها, ومن الطرائف التي تذكر في هذا المجال, أن الكمالي يعتبر كلمة house الانجليزية بمعنى البيت, أصلها عربي, لانها مشتقة من ؛الحوش«. وكذلك الحال بالنسبة لكلمة egg الانجليزية بمعنى البيضة, فأصلها عربي, حسب اجتهاده, لان البيض يشكل المادة الاساسية في صناعة العجة, وباعتبار أن المصريين يحولون الجيم العربية الى جيم أعجمية فقد أصبحت العجة عجة!
هذه الاجتهادات التي تسجل في باب الطرائف تدل على اهتمامات شفيق الكمالي اللغوية, والى اسرافه في الاشتقاق والاجتهاد والتركيب, وتدل أيضا على روح المرح التي كان يتحلى بها, وهناك الكثير في هذا المجال يعرفه الأصدقاء, وحبذا لو يتجند أصدقاء, على رأسهم ستار الدوري, لوضع كتاب عن شفيق الكمالي. ان ذلك لو حصل, وبمساعدة أصدقاء آخرين ويتزين بلوحات فنية من أصدقائه, يمكن أن نكسب أثرا هاما على أكثر من مستوى.
وأخيرا لابد من كلمات شكلت مفاتيح لبعض الأعمال التي اشتغلت عليها في السنوات الاخيرة, المفتاح الأول قصائد العوني والقاضي وشعراء آخرين كان لهم أثر هام في خلق مناخات ساعدت على أن تنسج »مدن الملح« بالاستفادة من بعض الأجواء التي وردت في هذه القصائد, خاصة قصيدة »الخلوج« أما المفتاح الثاني فكان اكتشاف ابن لعبون ودواوينه, وبالتالي الفائدة التي تأتت من خلال قصائده على جو داود باشا, لان عصر الاثنين كان واحدا, وكان ابن لعبون مرآة لعصره.
لقد كان لشفيق الكمالي الفضل في لفت نظري الى هذه التقاطعات.
وفي الختام فان كتاب »الشعر عند البدو« جدير بوقفة طويلة, وأتمنى ان تتاح فرصة طبعه مرة أخرى في وقت مناسب مع شروح لكثير من الابيات والقصائد, خاصة في القسم الأول, لكي تكتمل الفائدة.
عبدالرحمن منيف كاتب وروائي عربي