-1-
مطعم صغير، مندهش بدخان الشواء ورائحة الغفران. الكراسي والطاولات منتصبة كأنها فتيات الريف اللاتي يتسابقن الى مواخير المدينة رب صدفة تجمعهن مع المال والشهرة في أحضان شاذ مهووس أو سادية مقامر.
-2-
يحوم قط سمين حولي تحت الطاولات والكراسي، يتسول الطعام كله ولا يقبل الفتات والرواد يهمهمون في الدخول والخروج.
-3-
ساحة شاسعة فاضت بمن تقاطر اليها من المذنبين والحالمين بالذنب والموعودين بالذنب مثلما يتوافد اليها الصالحون والصالحات. والمزيد منهم يلقي بنفسه بين الأرتال اللحمية المتحركة عشوائيا الى اللاشيء.
-4-
رجل يلقي بنفسه في الساحة، رافعا يديه الى السماء مبتهلا بكلمات لم أسمعها. لكني عرفت نواياه حين رأيته ينعزل عن الجموع المتفرجة، يبحث عن صف سير النساء والفتيات ليلامس أردافهن. من أجل ذلك جاء الرجل من أجل ذلك استكانت الفتاة التي التصق بها.
-5-
في النهاية، يسقط طفل تحت أقدام المتعبدين، ينزف دما مندهشا دون أن تمتد يد المساعدة لانقاذه.. سيموت لا محالة أو يكاد. وسمعت من يقول "محظوظ هذا الطفل الذي سيلاقي ربه في هذه الليلة المباركة ".
-6-
رأيت صاحبي الذي تركني ينغمس بقامته الفارعة في هوج الجموع، فاغر الفم وكأن لوثة الغرق في الطوفان قد أصابته. ولم أره بعد ذلك.
-7-
تتوافد جموع الطرق الصوفية لإحياء الليالي "الحسينية"، تتوزع على الساحة بعشوائية. النساء يرضعن أطفالهن اللبن الملوث بغبار الأرصفة وأثداؤهن العارية تثير شبق المراهقين وحسد المراهقات، وهن لا يبالين، سبع ليال سيبيتونها على الأرصفة طلبا للمغفرة. وأقوام أتوا ليتشبهوا بالدراويش.
-8-
برد يشقق العظام. والحشاشون يجدون عزاءهم في هذا الحشد التائه، حيث تتوحد التجليات في ذات المكان.
-9-
فتاة تمد يد الاحسان لدرويش رفض الاحسان إلا من شيء واحد، أن يلثمها من الخلف في زحمة الحشد المتخدر. ردت عليه "جود علينا ببركاتك يا سيدنا الشيخ حتى لو كان من هناك".
-10-
الشاعر الذي تعرفت عليه لتوي، تركني في زاوية المقهى وراح يبحث عن المومسات كي يقترض منهن بعض المال، ليشتري علبة سجائر رخيصة له وليضيفنى بالباقى.
-11-
درويش يوزع تبريكاته لمخطوفي البصر ساعتها، وكان الأطباء والصيادلة يدونون وصفاته السحرية التي لا يفقهونها.
-12-
درويش أخر ينتشي بالدوران حول نفسه حتى يغمى عليه ويسقط. وعندما أفاق، تفرس جسده بعينيه الجاحظتين ثم تمنى لو سلك طريق الملاعب الغربية مثلا أو طريق فن التنطيط وهز الأرداف.
-13-
تتململ هيئة الحسين في مقامها من كل هذا الضجيج وصدى صوتها يردد "ما عبدت الله من أجل هذا"
-14-
مخرج سينمائي يستغل هذه المناسبة ليصور المشاهد الطبيعية لمسلسل سيعرض في أحد الرمضانات، لكنه فقد البطل الذي ظهر أخيرا ملطخا بأحمر شفاه على كل جسده.
-15-
ينضم سائح أجنبي مع زوجته الى صفوف المتدروشين المتمايلة عله يشعر بالشيء الغريب، لكنه خرج متضايقا لأنه لم يحس الدروشة، في حين أخذت زوجته ترقص السامبا عارية.
-16-
في صباح اليوم التالي لليوم الأخير، تكنس أدعية الغفران المتساقطة من مخلفات فوضى الجموع المذنبة والمنتشية وكأن شيئا لم يكن.
-17-
في مثل هذا اليوم، في المكان نفسه، يعاد التاريخ نفسه بألبسة جديدة واستيهامات جديدة.
محمد القرمطي (قاص من سلطنة عمان)