عندما تأسس مركز عُمان للموسيقى التقليدية عام 1984 لم يكن حينها في السلطنة مؤسسات موسيقية حكومية ولا غير حكومية، وخلال الفترة الماضية اشتغل ـ بجانب الجمع والتوثيق الميداني ـ كما أراد له جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه على العديد من المشاريع العلمية الفنية التي كان لها الأثر الطيب على المشهد الثقافي العُماني المعاصر من خلال إقامة المؤتمرات والندوات العلمية ونشر البحوث عن الموسيقى التقليدية العُمانية والمحافظة على هويتها الثقافية. ولكن المركز واجه خلال مسيرته تحديات كثيرة ومتنوعة كادت في بعض المراحل أن تطيح به، ولعل أخطر هذه التحديات تتمثل في التقليل من دوره وأهميته. إن الاشتغال علمياً على موسيقى شفهية واستنباط قواعدها النظرية ولغتها الموسيقية وصيغها اللحنية وموازينها وضروبها الإيقاعية وتحليلها ونقدها فنياً وجمالياً أمور طارئة على الثقافة العُماية وتقاليد الكتابة والتوثيق، والبعض يعتقد أن الغناء والعزف من أمور التسلية فحسب لا أهمية للكتابة عنها بأي مستوى.
لقد كانت ولا تزال مكتبة الوثائق السمعية والمرئية التي تزيد محتوياتها عن الخمسين ألف وثيقة المكان الذي يحفظ تراث الموسيقى العُمانية بالصوت والصورة وتستقي منه مختلف المؤسسات الحكومية والأفراد الباحثين من داخل المركز وخارجه بياناتهم في مجال الموسيقى وهو مرجع ومصدر لمشاريعهم البحثية.
واعترافاً بأهمية ما قامت به سلطنة عُمان من خطوات تجاه جمع وتوثيق تراثها الموسيقي نال مركز عُمان للموسيقى التقليدية جائزتي المجلس الدولي للموسيقي ـ اليونسكو عام2002، والمجمع العربي للموسيقى ـ جامعة الدول العربية عام 2005.
وقد تفضل قائد عُمان وباني نهضتها المعاصرة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه بإصدار المرسوم رقم 24/ 2013 القاضي بنقل تبعية مركز عُمان للموسيقى التقليدية من وزارة الإعلام إلى مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بديوان البلاط السلطاني.
عن توجهات المركز العلمية
منذ الندوة الدولية لموسيقى عُمان التقليدية التي نظمها المركز عام 1985، وشارك فيها عدد من أبرز علماء الموسيقى من مختلف دول العالم دخل نشاط البحث الموسيقي العلمي إلى اهتمامات المركز الأساسية، وهذا أمر طبيعي نظرا إلى نشاط المركز الأساسي وما تجمّع لديه من أرشيف وبيانات عن الموسيقى التقليدية العُمانية. وتضم مسيرة المركز اليوم عددا من المؤتمرات والإصدارات العلمية السمعية والمرئية والمكتوبة آخرها كتابنا الجديد (تحت الطبع) بعنوان: « الدليل المصور .. أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية وآلاتها ومناسبات أدائها « الذي يقوم ـ إلى جانب معالجة أو مناقشة بعض الإشكاليات العلمية الموسيقية ـ على فكرة أساسية وهي توثيق بالصورة والتاريخ كل ما تم جمعه وتوثيقه من فنون وآلات موسيقية في جميع محافظات السلطنة منذ 1983 وحتى 2010 آخر جولة ميدانية قمنا بها. وهذا الإصدار بداية لعدد من المشاريع البحثية المشابهة إن شاء الله. وفي هذه المناسبة نتذكر باحترام وتقدير كبيرين دور الأستاذ الدكتور يوسف شوقي مصطفى وكيل وزارة الثقافة المصري الأسبق وعالم الموسيقى العربية المعروف والمشرف على تأسيس مركز عُمان للموسيقى التقليدية باعتباره مؤسس البحث الموسيقي العلمي في عُمان، حيث ترك لنا هذا العالم والموسيقي الكبير ـ بجانب ما قام به من جمع وتوثيق في مختلف المحافظات ـ عددا من البحوث الهامة ضمهما التقرير النهائي الذي أعده عن نتائج مشروع الجمع والتوثيق خلال الفترة من 1983 إلى عام 1985. وكان البروفيسور شوقي رحمة الله عليه قد ترك قبل وفاته في عام 1987 مسودة كتاب «معجم موسيقى عُمان التقليدية»، فقام مركز عُمان للموسيقى التقليدية التابع حينها لوزارة الإعلام بطباعته عام 1989، ولا يزال هذا الكتاب يمثل حتى اليوم المرجع والمصدر الأساسي للمصطلحات المستعملة في الموسيقى التقليدية العُمانية. ولأهميته ومكانته سيقوم المركز خلال الفترة القادمة ـ إن شاء الله ـ بإعادة مراجعته وطباعته.
إننا في مركز عُمان للموسيقى التقليدية نسعى جاهدين إلى ترجمة التوجهات الثقافية الموسيقية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه في أنشطتنا العلمية الموسيقية وتنويع موضوعاتها. وفي هذا السياق بادر المركز إلى تنظيم واستضافة الاجتماع الأول للمؤرخين الموسيقيين العرب من 15 ـ 18 ديسمبر 2014 تحت عنوان:
«نحو قراءة معاصرة في تاريـخ الموسيقـى العربية قدم المشاركون من مختلف الأقطار العربية على مدى أربعة أيام حوالي ثلاثة وعشرين بحثا في سياق خمسة محاور أساسية من بينها محور خصصناه للموسيقى العُمانية بعنوان: «نحو كتابة تاريخ الموسيقى العُمانية» نستعرض فيه ما أنجزه مركز عُمان للموسيقى التقليدية من أعمال، واستثمار ما تم جمعه وتوثيقه من بيانات ومعلومات عن التراث الموسيقي العُماني لتحقيق هدف مشروع المركز وكتابة تاريخ الموسيقى العُمانية.
——————————–
مسلم بن أحمد الكثيري