الكتابة عن مجلة «نزوى» كتابة عن أحد المشاريع الطموحة للثقافة العُمانية والعربية.
ففي مسيرتها عبر عشرين عاماً استوعبت الطرح الفكري لمختلف أطياف الإبداع وسجلت حضوراً للفكر والأدب العُماني في أصالته وفي حاضره المتجدد.
وإذ نحتفل بإصدارها عدداً بعد عدد فنحن نحتفي بالثقافة العُمانية في أبهى صورها كأحد المنابر التنويرية التي تضطلع بها. فهي وإلى جانب دورها الطليعي على المستوى الداخلي العُماني تبرز المجلة كأحد أهم المنابر الثقافية العربية. وفي هذا المنعطف الثقافي السخي الذي تقدمه المجلة للثقافة العُمانية أولاً وللثقافة العربية والإنسانية ثانياً، يأتي الدعم الذي تقدمه الدولة لها كواحدة من بناءاتها الحديثة وكوجه حضاري لعُمان داخلياً وخارجياً.
شكلت المجلة بحضورها المستمر ممارسة ثقافية واعية لدورها التنويري عبر النقاش والحوار والجدل المعرفي الرصين وبغنى موادها وتوجهاتها أثبتت المجلة بأنها سقف بلا حدود للمعرفة وأنها وعد جريء بعطاء متميز وأنها مساحة للحلم الجميل وهي بذلك منبر للفكر المستنير كواحدة من طليعيات المجلات التي يشي عملها باشتغال عميق جاد ورصين.
فالمجلة بهذا الحضور البهي لا تنطلق من فراغ، فالمكان العُماني وإرثه المنبع الذي تستقي المجلة طاقتها منه، إرث الحضارة وتراث الأسلاف العون الذي تستمد منه زادها المعرفي المتجدد والمشرق.
فـ(نزوى) مرآة شاملة للثقافة والفكر وهي بهذا التنوع ، الاتفاق والاختلاف في الرؤى والأفكار تعبر عن ديناميكية المجتمع العُماني ومسيرته نحو الأفضل في تعاطيه للإبداع بعيداً عن التعصب والجمود والتمسك بالأفكار غير المجْدية، هناك- ثمة- أفكار خلاّقة تسمح للمعايشة المستنيرة أن تتلاقى لتنتج عطاءات مشرقة لصالح الإنسان في الفكر والأدب والحياة اجمالاً.
إذن فالمجلة في مسيرتها منذ العدد الأول الصادر في نوفمبر 1994 وحتى الآن شهدت تطورات على المستوى الإبداعي بمضامينها الابداعية والثقافية وشكلها الفني كسفيرة للمكان العُماني بامتياز نحو الفضاء العربي والعالمي.
هذا التحقق الإبداعي للمجلة كان ولا يزال يتوسل الأفضل في هذا التوجه الثقافي كمنبر مفتوح لمسارات المعرفة وفي تبادلها وغناها وقراءاتها المتعددة.
فالمجلة بما تحمله من اسم (نزوى) نسبة للمدينة العريقة بالعلم والمعرفة، فهي بمقاربتها الاسم تستمد مشروعيتها من رؤية مكانية ذات خصوصية عُمانية ومن مخزون تراثي أساسي ومهم مرجعيته تميّز العُماني بالعلم والثقافة والأدب دون تشدق وادعاء.. ومن هذه الرؤية تحاول المجلة أن تكون منبراً مفتوحاً على أكثر من اتجاه بأريحية وصدر رحب، كما هو واقع الأرض العُمانية المحبة للتسامح والمعرفة وتمازج الثقافات والحضارات.
فمجلة نزوى حلقة وصل بين الثقافة العُمانية التي تشهد ازدهاراً مهماً والثقافة العربية الأكبر والأخصب، هذا التلاقي لمدّ الجسور هو الأساس من أجل إبداع في مستوياته المستدامة والراقية والتي لا غنى عنها في حياتنا الراهنة.
وكمحاولة من المجلة.. فقد لعبت دوراً في بلورة وإظهار الثقافة العُمانية وخصوصيتها وتفرداتها وأصواتها المتعددة في جديدها وقديمها لا تستثني المتميز والعريق منه والمختلف والجديد في لحظته والمضيء في إنارته المعرفية، فهي حقيقة مرآة شاملة للثقافة في أساس وجودها، واستمراريتها أيضا.
فالمجلة كمنبر ثقافي وفكري جاءت كمتطلب أساسي في سياق تلك التطورات الحضارية وكواحدة من البنى المعرفية – الثقافية التي تقدمها الدولة مع غيرها من الإدارات الثقافية ذات الشأن..
هذا الفعل الثقافي وغيره ما كان له أن يكون لولا أن هناك همة قصوى بالنهوض بالإنسان العُماني في حاضره ، كي يتواصل مع حضارته العربية والإسلامية الضاربة في أعماق التاريخ وربط هذا الحاضر المشرق بآفاق المستقبل وإشراقاته ورؤاه.
فقد أبانت المجلة عن غنى في مواضيعها وهذه شهادة تثبتها صفحات المجلة عبر ما تحمله من عناوين لمواد من المكان العُماني وكتابات إبداعية لكتاب عمانيين.. فالقراءة اللاحقة للأعداد تكشف هذا الزخم الكبير لمحتويات مجلة نزوى من مواد لا غنى عنها لقارئ وأكاديمي ومثقف..
هذه شهادة حقيقية تشهدها وتؤكدها المخاطبات والرسائل والاتصالات التي تأتي من كل أرجاء الوطن العربي..
وأثبتت المجلة حضورها ومكانتها وريادتها واستمراريتها على مستوى المضمون والشكل وقد عرّفت المجلة بالإبداع العماني قديمه وجديده، في شكل وحلة مقروءة. كما أنها عرّفت بالإنتاج الخلاّق المتمثل بأمهات الإبداعات المحلية واستطاعت المجلة بما تنشره من إبداعات جديدة للكتاب العمانيين أن تكون منبراً حقيقياً استطاع عبرها أن يتعرف الآخر على مضامين وأشكال الكتابة الجديدة، وبتنوع طرائقها، كما استطاعت المجلة أن تلامس هموم وإبداعات وإنتاجات الفنانين العُمانيين التشكيليين والمصورين (الفوتوغرافيين) وكذلك النحاتين وأن تعرّف بتجاربهم عبر كتابات ودراسات قام بها متخصصون عرب وأجانب، كما شكلت الاستطلاعات التي قامت وتقوم بها المجلة بالتعريف الشامل والوافي لعدد كبير من الأماكن العمانية التاريخية ومنها بالخصوص مدن كمسقط ونزوى وصحار والرستاق وصلالة والبريمي وقلهات وسمائل والبليد وصور وغيرها من المدن العُمانية العريقة، في نهضتها ورجالاتها وعلمائها.. بشكل لم يسبق أن قامت به مجلة سابقة عليها.
واحتفت المجلة بكثير من علماء عُمان في مجالات الفكر واللغة والأدب والإبداع وكذلك في العلوم المختلفة، كعلم الفلك وعلوم البحار والعروض والنحو وغيره.. عبر تتبع تلك السير ورصدها بشيء من الخصوصية والتركيز والتعريف بمنجزاتها السباقة في المجالات المختلفة التي اشتغلت عليها.
اذن صدور كل عدد جديد هو جزء مكمل لتلك السيرة النيّرة لمجلة رصينة فاعلة ومؤثرة ارتبطت بالمكان العماني كقناعة وكتابة وإبداع حميم به. كما مثلت المجلة نافذة للثقافة في مستواها العربي والإنساني وبذلك فهي اتسعت لكل الكتابات الإبداعية الخلاّقة على تعدد طرائقها وتعدد أساليب اشتغالاتها المتميزة.
وهنا أهميتها، بل ضرورتها، ومع كل عدد باتت هذه الأهمية تتأكد، وعلامة ذلك هو هذا التنوع والانفتاح على شتى الاتجاهات والتيارات الثقافية العربية والإنسانية، فليس من تعصب أو تحزب لفئة أو تيار ثقافي.
وفي الوقت ذاته، فإنها أولت اهتماما للكتاب الذين ما زالوا في بداياتهم، متخذة من جودة المادة معيارا لها وليس من ذيوع الاسم أو عدمه، لذلك نجد هذا التجاور والتعايش لشعراء، ونقاد وقصاصين وروائيين وباحثين وفنانين من مختلف الأعمار والتجارب والبلدان.
فـ(نزوى) الآن ، بحق ، المجلة العربية بالمعنى الرحب.. فهذه السعة والحرص على تغطية كافة ميادين الثقافة عربيا وعالميا، كذلك السعي لأن تتيح المجلة صفحاتها لكتاب وفنانين من كافة أقطار الوطن العربي، هو شيء قلما توفر أو يتوفر لمجلة أخرى.
فرسالة (نزوى) لهي لكل المثقفين أينما كانوا، وهي بالتالي نافذة عُمان على العالم، ونافذة العالم على عُمان.
بهذا المعنى تكون (نزوى) أكثر من مجلة.. أنها دور، بل دور كبير تضطلع به، فهي صوت عمان ووجهها المشرق الناصع، من خلال المنجز الأجمل والأبقى، وهو الثقافي.
فالمجلة منذ صدورها حافظت على شكلها العام وكذلك أبوابها الثقافية من حيث المحتوى المكتنز بالمفيد والجديد، وهي:
الافتتاحية والاستطلاعات والدراسات [فكر، أدب، ثقافة] لقاءات، موسيقى، سينما، مسرح، فن تشكيلي وتصويري، شعر، نصوص، متابعات.
فليس إصدارها وما شكله من حضور لافت وما احتوته من مواضيع ذات انشغال معرفي عالٍ هو هدفها، فان الهدف السامي الآخر هو صدور «كتاب نزوى» الذي يشكل أحد أبرز الإصدارات التي تحافظ المجلة على تتابع صدوره متمثلاً في الاهتمام بالاشتغال الكتابي والإبداعي العُماني.
* الختام
مضت السنوات ونزوى ثبْتت وضعيتها شكلاً ومضموناً وأثبتت أنها منبر حقيقي للثقافة حاملة رسالة وعي على مستوى عُمان وعلى المستويين الإقليمي والعربي.
اذن مشروع كهذا المشروع أثبت رهانه على الاستمرارية، فالشكر لكل من ساهم في دعم هذه المجلة كمشروع حضاري للثقافة الانسانية في تجلياتها المتعددة، حاضراً ومستقبلاً.
————————————————-
طالب المعمري