هدى المطاوعة
كاتبة وشاعرة بحرينية
أيها العالم الذي يستيقظ في دمي، يضج في شراييني
أنا التي تشارك العصافير بهجتها في الصباح.. لكن ليس لديها أجنحة لتطير..
أيها العالم المسافر في دمي، توقف قليلا لكي أشم عبير الزهور..
توقف قليلا أريد أن أطير
أريد أن أستوعب كل الكوارث التي حدثت عبر التاريخ..
أريد أن أعيش كل الانتصارات..
أريد أن أقول لنابليون بونابرت: هيا، كفى قتلا. اذهب وارتمِ في حضن جوزيفين.
دعها تغسل رائحة الدم من جسدك إلى الأبد وتعيد إليك طفولتك.
ربما تعطشك للبطش بالإنسان من أجل السلطة سببه حرمانك من دفء الطفولة..
ربما لم تعش طفولتك كما ينبغي
ربما لم تهنأ بحلاوة حليب الأم
ولم تفق بعد من صدمة الحرمان.. لذا رحت تحمل بندقيتك لتفرغ غضبك..
كنت تريد أن تثبت للعالم بأنك ولدت رجلا..
وأنك لا تحتاج للبقاء في حضن أمك كغيرك من الأطفال..
ولكن رجوعك مغبرا من الحرب لترتمي في حضن جوزيفين يفضح حاجتك الماسة إلى التطهر من عنف الذكورة..
كنت تريد أن تختصر الزمن لتعود جنينا..
وهذا لا يتوفر إلا في مخدع الفاتنة جوزيفين..
نابليون بونابرت..
أنت سطرت المجد في كتب التاريخ..
لكنك لم تستطع أن تمنح الإنسانية شرف الحرية..
لقد أعدت إلى فرنسا عبوديتها..
أنت أدخلت فرنسا في نفق الدم بعد أن دفعت فرنسا دماء غزيرة، وأزهقت أرواحًا كثيرة لكي تتحرر من العبودية.
من أجل أطماعك التي لا حدود لها رحت تستعبد الإنسان في أفريقيا وأعدت الثائر الفرنسي إلى صومعة الإمبراطور..
هدرًا كانت التضحية بالملكية
قتل الملك وولد الإمبراطور
فأيهما أخف وطأة؟؟
أيهما كان صديقا أكثر رحمة بالإنسانية البائسة؟
ولكنك انهزمت أخيرا.
ومُتَّ وحيدا وبائسا في جزيرة سانت هيلانا..
إذًا لم تكن طفلا سعيدا،
ولم تكن رجلا سعيدا،
غادرت الحياة طفلا بائسا كما جئت إليها..
غادرت ولم تزل ظامئا إلى حنان لا وجود له..
أنت أحببت امرأة واحدة فقط..
أحببت امرأة قوية وقاسية تذكرك بأمك..
ولكنك زرعت الألم في قلوب أمهات كثيرات
أهدرت دماء فلذات أكبادهن ..
فكافأك القدر بأن حرمك أخيرا من نصرك..
لم تكتفِ أبدا من شرب الدماء..
بدل أن تجعل نور فرنسا الحرة يضيء الدنيا
وأدت الحرية..
وزرعت الذل والرعب والدمار..
وخلقت فرنسا المتنمرة..
فرنسا التي سرقت الخبز من فم أطفال أفريقيا ووجهات أخرى حول العالم.
تركت صورة فرنسا المتعجرفة تنطبع في ذاكرة العالم إلى الأبد..
حتى وأنا أستيقظ لأشارك العصافير بهجة الصباح.. ينتابني الخوف والحزن يا نابليون..
لم يجعلني حرمان الطفولة قاسية مثلك..
بل صرت أشم رائحة البؤس من مسافات قرون وأهرع لاحتضان البؤساء المفترضين..
لم أعرف أنني أنا تلك البائسة
التي تهرع أبدا لاحتضان نفسها..
ولكنها في كل مرة تعود بخفي حنين..
لأن أولئك البؤساء الافتراضيين هم صور متعددة للباطش نابليون..
وأن الحب الذي أغدقه على الآخرين لا يعود قنطارين كما أود أن يكون..
لماذا لا تكون هناك فرحة لا يتم وأدها؟؟
حريٌّ بكل إنسان أن يُحِبَّ ويُحَبُّ
أليس الحب الفاكهة التي أنزلتنا إلى الأرض؟؟
فلماذا نموت على الأرض دون ارتواء؟؟
لماذا تجف عناقيدنا دون أن نقتطف الفرح؟؟
لماذا الانتظار يكتسح كل الفصول؟؟
لماذا تُوأد الفرحة ونحن لا زلنا في أول النهار؟
وكأننا أسرى بيتي شعر امرئ القيس:
ألا أيها الليل الطويل
ألا انجلي
وما الإصباح منك بأمثل..
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من علِ.
ويأتي الصباح.
ونأمل أن يكون نافذة كونية على غابة عشق
تصدح فيها البلابل..
وتمرح فيها الفراشات..
ويعانق فيها الزهر الندى
ويرتوي فيها ظمأ العشاق..
غابة عشق
لا ساحة حرب
ألا أيها الليل الطويل، ألا تنجلي أخيرا
بالله عليك.
وتفسح لصبحٍ يأتيك مبخترًا بالحب والشوق
والعطر المدلدل؟