مُحمد جَلال مُهندسُ تصميمٍ داخليٍّ مَعروفٌ بِخِبْرَتِه في شؤون المعمارِ. ذلك اخْتِصَاصُه الذي تحصّل له من سنوات الدراسةِ في مدينة بروكسيل. غيرَ أنَّه في واقع الأمر، بل قبل ذلك وبعده، فَنّانٌ مجتهدٌ تشهدُ له أوّلاً تصميماتُه الداخليةُ للقصورِ المساجدِ الأبوابِ والمَعْلَمَاتِ الفنية والثقافية مِمّا يدخل في صميمِ اختصاصه وخبرته بالفعل. وتشهدُ له ثانياً إبداعاتُه التصميميّةُ في مجال التُّحَفِيّات والثّريات، السّاعاتِ، الطائراتِ، اليخوتِ والأقلام… وهي مما يُعدُّ مِن وحي ابتكاراته الخاصّةِ المتولّدةِ عن توقّد قريحتهِ التي لا تَقْنَعُ بالتوقّفِ عند حَدٍّ أو اختصاصٍ.
والحقُّ أنَّ كُلَّ ذلك الزَخَمِ الإبداعيِّ الذي ميَّز مُنجزاتهِ في مجال التصاميم الداخليةِ وغيْرها، ما كان لهُ أنْ يتحقّق لولا سَلْطَنَةُ عُمان الشقيقةِ التي يَعتبرُها مُحمد جَلال وطنَه الثانيَ واقعاً وحقيقةً. فيها تهيَّأتْ له الشروطُ المثاليّةُ للعمل والاجتهاد والابتكار. فقد اختارَتْهُ واخْتَارَها لتطويرِ مواهبهِ وتجاربهِ الفنّيةِ والجماليّةِ منذ تسعةَ عشرَ عاماً. وهو دائماً يُؤكّد على إحساسه بالتآلُفِ التامِّ مع الأجواءِ العمانيةِ. فحيثما توجَّهَ في أيِّ جهةٍ منها يَعْثُرُ على مَلْمحٍ أو عطرٍ حميم من مدن المغرب: تـارودانتَ أوْ فــاسٍ أوْ تطوان…
لعلَّ الألطافَ الخفيّةَ هي التي دبَّرتْ أمرَ انتقاله إلى سلطنة عُمانَ السعيدةِ. فقد حَلَّ بها في نطاق تكليفه بمشاريعَ مخصوصةٍ للتّصميمات الهندسيةِ الداخليةِ مِن لَدُنِ رئيس المنشآتِ السلطانية الذي مَنح مُحمد جَلال ثِقَتهُ وتقديرَهُ وخَصَّه بالرعاية والتشجيع، وهو صاحبُ الفضل- بتوجيهٍ وإشرافٍ من العاهلِ العُماني السلطان قابوس المعروفِ بشَغَفِهِ ومعرفته الواسعةِ بأمور العمرانِ والثقافةِ والمعمارِ– في بناء القصور السلطانية ومَعْلَمَةِ دار الأوبرا وغيرها ممّا شُيِّد على مَدى عَقدين من الزمّن مِنْ صُروحٍ معماريّةٍ كبرى ساهمتْ في الارْتِقاءِ بالعمارةِ العمانيةِ الأصيلة، بِنَاء على الحوارِ والإفادةِ من الحضارة الفارسية والهندية. مَعَ أخذ التجديدات المعماريةِ المعاصرةِ عامّةً بعَيْن الاعتبارِ.
لَقَد توافَرَ لسلطنة عُمانَ اليومَ طابعٌ عمرانيٌّ مُميَّز له جماليتُهُ الفريدةُ الموصولةُ بتراثها الحضاريِّ العريقِ. ولا تزال الأَوراش الكبرى لهذه الحركيّةِ المعماريةِ الدَّؤوبِ مفتوحةً نشيطةً تُغْني وتُجمّلُ تعدِّلُ وتُبدعُ وتُضيفُ. ففي هذه الأجواءِ والأوراشِ الكُبرى كان من الطبيعيِّ إذنْ أن تتفتح شَهِيةُ مُحمد جَلال الإبداعيةُ بلا حدودٍ، بما توافرَ لهُ مِن فُرصِ الاحتكاكِ والإفادةِ من تجاربَ هندسيّةٍ كبرى عبر لقاءاتٍ وعلاقاتٍ بمعماريين وفنَّانينَ وخُبراءَ مختصّيـــن في المجالاتِ عَيْنِهَا. سواءٌ داخل السلطنةِ أو عبرَ الأسفارِ المهنيةِ التي قام بها مع المهندسين إلى مختلف البلدان الأوربية.
إن النموذجَ التنمويَّ الشّاملَ لسلطنة عُمانَ بأبعاده الحضاريّةِ المختلفةِ يُعدُّ اليوم تجربةً رائدةً متقدِّمةً ليس على مستوى بلدان الخليجِ العربيِّ وحدها بل على مستوى البلدان الناميةِ قاطبةً. ومن عجيب المصادفات الباعثةِ على اغتباطي المتزايدِ أنَّ هذه التجربةَ التنمويةَ العمانيةَ الجديرةَ بأن تُغبَط تلتقي تماماً مع شقيقتها المغربية التي يقودها العاهل المغربي محمد السادس بنفس التبصُّر والنجاحِ ووفقَ مُخطّطاتٍ إن لم تكنْ متطابقةً فهي متقاربةٌ وذاتُ أهدافٍ متماثلةٍ بحُكمِ ما يجمع العاهلين والشعبين العُمانيِّ والمغربيِّ من أواصرَ روحيةٍ وثقافيةٍ ومن عراقة حضارية وتشبُّعٍ بقيم التسامح والانفتاح والسلم.
وبهذه المناسبة يسرني أن أخص مجلة «نزوى» بنصوص شعرية مستوحاة من نماذج تصميمية مصورة من لدن المهندس محمد جلال تعبيرا عن إعجاب ومصاحبة من جهة وتحية مني إلى عمان الشقيقة سلطانا ونخبا وأهاليَ.
قصائد مصاحبة
1
تصاميم داخلية
مَحْفَل أسرَارِ الصِّناعة
مَنْسَجُ الشَبَكاتِ
رَقائِق العَلامَاتِ
مُلْتقَى الخَطّ بالشَّكْلِ
بالنَقْشِ الزَّخارِفِ
باللَّوْنِ
هُنا يتخلَّقُ
كُلُّ هذا النسيجِ الدَّقِيقِ
البهيجِ
هَندَسةٌ للجمالْ
مُبْتغَاها
الكَمَالْ.
2
دارُ الأوبرا
لأَجْل الدُّخولِ تهيَّأْ
لِطقْس الزِّيارةِ
اِشْحَذِ الحِسَّ والحَدْسَ
صُبَّ الأحاسِيسَ
في وَثَبات الخيالِ
تطلَّعْ مَلِيّاً إلى السَّقْفِ
تلك الزخارفُ
مِنْ أَبَنُوٍس مُوشَّى.
اشْرَئِبَّ إلى آياتِ
هذي التَّنَامِيقِ مِن كُلِّ صِبْغٍ وَفنٍّ
وَهَذي التَّخارِيمُ كَمْ وُرِّقَتْ
باليَواقيتِ يَشْبيّةً
ها أَنْتَ
في صَالَةِ الأُوبِرا
تَبرَّكْ
بهندسةِ الطَّقْسِ والنَّقْش
من طبقاتٍ
دَوائرَ مُسْتَشْكلاتٍ
تَمَلَّ الأَرَائِكَ تلك الحواشي
هُنا التّعْشِقاتُ الفريدةُ
تَعْلُو المَقاصِيرَ
تلك بيوتُ القصيدةِ
جاهزةٌ للنّشيدِ
ولَكِنْ قبيل مُوزارٍ وبَاخٍ
تَشرَّبْ تَواشِيحَ مَرْئيّةً
تَبْهر الحِسَّ
على نَهَاوَنْدِ جَلال
3
أبواب
أبوابُ
الأبوابِ
بدائعُ
هندسةٍ
زَمَنٌ
ليس
يسمَّى
هُنَالِكَ تبقى
بابُ الحضرةِ
فيروزيٌّ
ومُحلّى
بتجَازيعٍ
من إلْهَامِ
الحَضْرَةِ
بابُ الإعجازِ
أمَامَكَ
منقوشٌ
على خَشَبٍ
مِنْ بياضٍ
كأنَّ يداً من ورَاءِ
النّقوشِ
تُوَرِّي الزخارف
في كُلِّ آن.
أمَّا بَابُ الإتحافِ
الأرْهَفُ زَخْرَفَةً
من كُلِّ الأبوابِ
فَصَلَالِيُّ التَخْريماتْ
بلآلئ
البَحرِ القديمْ
وهذا
بَابٌ
أخْضَرُ بَلْ
يَشْبيٌّ
في الأَصَلِ
بِرَغْمِ الخَشبِ
الأبْنُوسِيِّ الدَّاكنِ
في الظَّاهر.
وهنا
باب
بَحْرِيٌّ
شرقيٌّ.
لا تَبْرَحْهُ.
فَلَيْسَ
يُبَارِحُهُ
الصُّبْحُ.
هنا
بَابُ
الأبْوابِ
هُنَا
أنْدَلُسُ
الأعماقْ
4
ثريات
هَنْدسَةُ البهاءِ
مُعلَّقاتٌ
تَسْبِق الفَجْرَ الجديدَ
إلى الوميضْ
هَنْدسَةُ البهاءِ
عَنَاقِدٌ
مُتَسْربِلاتْ
بِفُيُوضِ
شعْشعةٍ
مِنْ النَّجْمِ السَّعيدْ
مَصَابحٌ وَضَّاءةٌ
مِنْ غير نُورْ
وفَوانسٌ مَسْحُورةٌ
وكَمَنْجَتَانِ بَديعَتَانْ
مِن تواشي البَرْقِ
أبَّهة البهاءِ
الَّأْلآتُ
بِلَا انْتِهَاءْ
5
ساعات
اِنْس التّوْقيتَ
أنا الوقتُ
تقُول الساعةُ
أَصْغِ إلى دَقّاتي
أَصْغِ إلى أنفاسِ الّازَوَرْدِ
مطرّزةً
بِبَهَاءِ الوقْتِ
اللازمنيِّ
تَصَغَّ
إلى أبَدٍ
في أوتاري
من فيروزٍ نجميِّ المبنى
موزونٍ
ومُقفَّى
بتواشيحِ الفردوس.
6
أقلام
قَلَمٌ
أزرقُ
يَنْضَحُ
حِبْراً
مِنْ
غِبْطهْ
قَلَمٌ
يُملي
هَالاتٍ
وفُصُوصاً
مِنْ شعرٍ
مَرْسومٍ
بتلاوينِ الموسيقى
قَلَمٌ
يكتبُ
مَا لا يَنْقالْ
بوقْدةِ
سِحْرٍ
مِن
نِزْوى
المهدي أخريف*