العالم برمته في حال تمثيل. كلنا رسل ومبعوثون مطلقو الصلاحيات. عندما ارسل ملك الملوك فيلا الى لويس الرابع عشر. لم يكن هذا الارسال ينطوي على اية دلالة ايدلوجية . لكن الحال مختلفة تماما في ايامنا. ان مشاهير الخياطين وصانعي التحف الترفية، والفرق الرياضية، ومعارض ادوات المائدة تنتقل من عاصمة الى اخرى، ليس لمجرد بيان ما يمكن للمرء انجازه في هذه المجالات المختلفة، وانما ايضا لكي تكون ضروريا من اعلانات المباديء المتجولة. ان طرازا جديدا من الثلاجات انما يصبح اداة للاقناع. سوف يقال اننا يجب ان نهنيء انفسنا على هذا التمثال من امثلة التنافس السلمي، نعم، ولكن ما الذي يمكن ان يحدث حين تكف الاداة عن الاقناع؟ لابد، مرة اخرى من تحويل مصانع الثلاجات الى مصانع للاسلحة.
على المستوى الفردي. يشارك البشر ايضا في هذا الهياج الذي يؤدي الى التشوه. ففي كل مكان، جرى إلغاء المرايا واحلال كاميرات التصوير محلها. ان مجهولين يصورون مجهولين، على مدى البصر، في الشارع وفي المطعم وعند الخروج من المسرح وفي محطات الطيران. وتجرى دراسة الانسان السوفييتي باهتمام خاص. انهم ياخذون مقاساته كما لو كانوا سيرسلونها الى الخياط. ثم يرصدون ان المذهب الذي افرز هذا الانسان انما يتبلور في سمات شخصية وفي انماط الكلام والتعبير . واذا كان انسان غير مسجل بعد، فمن المناسب ان توضح كل عينة انسانية معزولة في المختبر افضل ما فيها للصانع.
اتذكر نصا قصيرا ، لكنه آسر ، لارسكين كالوديل ، عنوانه "آنياس، انهم ينظرون اليك" . هناك نجد فتاة اسمها آنياس تركت نفسها. دون حرص، لمسرات الجسد. وبعد المغامرات المؤلمة التي تنتظر الفتيات العابثات. ترجع الى اسرتها. وهناك تستفيد من تسامح يتميز بالرياء، الا انه. خلال تناول الوجبات تتركز كل الاعين عليها كما لو ان وجودها ينطوي على شهادة حاسمة (ضدها) ، انهم اذ ينظرون الى آنياس. انها ينظرون الى الخطيئة. وهكذا يجري اختزال شخصها برمته بحيث ينحسر في هذا المعني الذي تمليه النظرة.
نحن، بطريقتنا أشبه ما نكون بهذه البائسة. انهم يراقبون فينا شيئا ليس هو نحن، وهذا الشيء نرتضي تمثيله. وعملية الاندراج هذه عن طريق التمثل غير المباشر ذي المقولات الضرورية، انما تنتهي الى ممارسة فعلها بشكل تلقائي. وعند الضرورة – ولكي نتجنب التورط في تمردات فادحة الثمن – فاننا نتصنع ما يزعمون رصده فينا. ربما كانت تقنيات تصريف الطاقة المكبوتة تستمد مبررا من لا وعينا. لكن ضرورات اخرى قد حتمت تكوين زنازين بشرية حقيقية. ونحن نملك، احيانا ، ان نختار بين الاختفاء فيها من تلقاء انفسنا بالكامل. او الا نترك فيها غير شخصيتنا. وهذا هو السبب في اننا مجبولون على الابتسام عندما يدور حديث عن السعادة من جراء اجتماع اناس بسطاء من جميع البلدان لكي يسووا، في حوار صريح وودي، المشكلات التي تمزق العالم. ومن المفهوم ان الناس البسطاء سوف يبذلون اقصى ما لديهم من جهد لكي يتخيلوا الموقف الذي يمكن لسادتهم اتخاذه في حال كهذه. وانهم سوف يسايرونه بحذافيره. فما دام الانسان البسيط ليس غير نتاج فرعي للانسان المركب. فمن واجبه الرجوع دوما الى هذا الاخير. واذا وضعنا اربعة كتاب او اربعة باعة في المحال التجارية او اربعة من سائقي القطارات في موضع اربعة من السادة في مؤتمر للقمة، فان مشكلات العالم لن تحل مع ذلك. فكل واحد من هؤلاء الجلساء المتفاوضين ، ذوي الجدارة بهذه الدرجة او تلك. سوف ينظر الى الثلاثة الاخرين نظرة افراد بعائلة محترمة الى آنياس.
جورج حنين
ترجمة: بشير السباعي ( شاعر ومترجم من مصر)