ولد عبد الرزاق قرنح عام 1948 ونشأ في زنجبار. هاجر عام 1968 إلى جزيرة أخرى، المملكة المتحدة، لإكمال دراساته. ثم عاد إلى بريطانيا بعد عامين من الإقامة في جامعة باييرو كانو بنيجيريا، ونال الدكتوراه عام 1982 من جامعة كِنت، حيث يعمل حتى يومنا هذا أستاذا للغة الإنجليزية وأدب ما بعد الاستعمار ومديرا للدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية.
كتب، حتى الآن، سبع روايات والعديد من المنشورات الأكاديمية، خاصة في مجال دراسات ما بعد الاستعمار والأدب في منطقة المحيط الهندي والبحر الكاريبي. وقام بتحرير مجلدين من المقالات حول الكتابة الأفريقية، وله مقالات منشورة عن عدد من كتّاب ما بعد الاستعمار المعاصرين. وهو محرر “بصحبة سلمان رشدي” (مطبعة جامعة كامبريدج 2007) ومساعد محرر في مجلة واسافيري. تم ترشيحه مرتين لجائزة بوكر ذائعة الصيت.
غالبًا ما تتناول رواياته تجارب الهجرة (بشكل أساسي إلى المملكة المتحدة)، والنزوح، والذاكرة، والهويات العابرة للثقافات. تعد موضوعات كتبه واستخدام اللغتين (الانجليزية والسواحلية) مثالا على مواجهات عبر ثقافية وهويات هجينة (كما هي حياته وعمله كأكاديمي وروائي بشكل عام، وكتبه وقصصه). يبدو السرد عن البحر مهمّا – ليس بسبب خلفيته في الهجرة من زنجبار إلى المملكة المتحدة فحسب، وإنما كصورة عامة لرحلات الهجرة من شرق أفريقيا / المحيط الهندي / الأوروبي / الكاريبي.
ما رأيك في الفئات أو التسميات مثل الأدب العالمي وأدب ما بعد الاستعمار وأدب جنوب الكرة الأرضية؟ هل ترى أنها ضرورية أو مهمة أو مفيدة لوصف الأدب بشكل عام أو لكتاباتك؟ هل تعد نفسك كمؤلف تم وصفه بهذه التسميات؟
طبعا، هي مفيدة. وتكمن فائدتها في المقام الأول لأسباب مؤسسية. يمكن للمرء استخدامها للمقارنة ضمن برامج علمية، لأغراض التسويق والنشر، فهو يستطيع بذلك إرسال إشارة للناس أن هذا قد يكون شيئًا يهمهم. ومع ذلك، فأنا لست متأكدًا إذا كانت مفيدة في حد ذاتها بجانب غرضها التنظيمي. لن أستخدم هذه التسميات لأصف نفسي لأنها ليست جانبًا من جوانب الجودة أو عملية إنتاج الثقافة. فهي مفيدة لوصف الأدب حتى تستطيع تنظيمه، ولتمكين نقّاد ما بعد الاستعمار أن يقولوا شيئا حيال ذلك وتحديد أنماط معينة فيه. من ناحية أخرى، تقوم هذه المسميات باختزال تأويل هذا النوع من الأدب بطريقة ما، لأنه يحتوي على أكثر من هذا الوصف.
هل تصنف نفسك مؤلفًا لأدب ما بعد الاستعمار و / أو الأدب العالمي؟
لن أستخدم أيًا من هذه الكلمات. لن أصف نفسي كاتبا معينا لأيّ نوع. في الواقع، لست متأكدًا من أنني سأطلق على نفسي أي شيء بخلاف اسمي. أظن، لو تحداني أحدهم قائلا: “هل أنت… أحد هؤلاء …؟” ربما أقول: “لا”. بشكل أدق، لا أريد لهذا الجزء مني أن يحوز اسما مختزلا. من جانب آخر، فهو يعتمد على كيفية طرح هذا السؤال، على سبيل المثال إذا سألني أحد الصحفيين في مقابلة “هل أنت كاتب في الأدب العالمي؟ “، ما الذي سيسجله حينما يذهب بعيدًا من هنا؟ أنا لست ذاك. أنا أكثر تعقيدا من ذلك.
هل هذا الوصف ضروري؟
هي ليست الطريقة الأساسية التي أفكر بها مع نفسي، ولكن بالنسبة للصحفي قد تكون كذلك، فقد يعلّقني على لوحته قائلا: هذا كاتب أدب عالمي، أنا أدعوه هكذا. هناك ميول طبيعية لمقاومة تلك الأنواع من التقسيمات من خلال إعطاء إجابة معقدة مثل إجابتي الآن.
يرتبط سؤالنا التالي ارتباطًا وثيقًا بالسؤال السابق: تنقسم الثقافة العالمية غالبًا إلى ثقافة نصف الكرة الجنوبي ونصف الكرة الشمالي. كيف ترى هذه التسميات، خاصة فيما يتعلق بالأدب؟
لم يُقسّم العالم حقا إلى الشمال والجنوب ، ولكن يبدو مألوفا وصفه هكذا. كانت هناك محاولات سابقة لاستعمال كلمات مختلفة مثل “العالم الثالث” أو “العالم المتخلّف”، والشمال والجنوب يبدوان ألطف من باقي التسميات. ومع ذلك، يحاول هذا التقسيم وصف الواقع والخلافات التاريخية، ويتخلص أخيرًا من عالم قبيح آخر، عالم “الاستعمار”! لذلك من الأفضل استعمال الشمال والجنوب للتحدث عن هذه المواضيع. قامت الإمبريالية التاريخية في الواقع بتعزيز هذه الاختلافات بين ما يسمى بالشمال والجنوب، واستمرت بسبب الإرث النابع من تلك الاختلافات الاستعمارية، على ما أظن، كل الاختلافات التي أسسها الاستعمار وعززها. لذا أود القول أن هناك اختلافات، وعلى الرغم من أن مفهومي الشمال والجنوب ليسا دقيقين تمامًا، إلا أنهما كما يبدو الطريقة الأحدث والأكثر حيادية لوصف هذه الاختلافات. يجب ألا ترى لهذه المصطلحات كأمكنة: فالأمر يتعلق بالمواقف والفهم والتوقعات وما إلى ذلك. لذا قد تكون أجزاء من الصين غنية مثل الغرب وأجزاء أخرى من الصين ليست كذلك. إنها ليست حقًا مسألة مكان، ذلك أنك حين تحاول البقاء في الـ “بين بين” in between، فإن التفكير ما يزال منصبا قليلاً في المكان، ذلك أن “بين بين” ليست حقا “بين” الشمال والجنوب، وإنما نوع من وسيط أو موقف غير محدد بين هذين المسمّيين. هذا هو المكان، على ما أظن، الذي تضعون فيه أنفسكم كشعب ليبرالي، وتحاولون النظر إلى أنفسكم كشعوب العالم وبالتالي كبشر. ومع ذلك، هناك حقيقة الاختلافات، دعنا نقول: من حيث نوع الحياة التي تعيشها، أينما كنت، سواء كنت من الشمال أو الجنوب، ستكون حياتنا مختلفة سواء أردت ذلك أم لا. في هذه الثقافة، توفر الدولة والمجتمع والثقافة لك أشياء دون الحاجة إلى القيام بأي شيء، مثل مستشفيات، مدارس، ومن بينها إعانات اجتماعية مدفوعة الأجر. أما في البلدان الأخرى فليس لديهم أي شيء من هذا القبيل، لذلك هناك حقيقة اختلاف ملموس بين هذه الأماكن، ناتج عن أشياء كثيرة، من كل أنواع الأحداث التاريخية التي أنتجت المجتمعات المختلفة.
فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة – هل تود القول إن “أزمة اللاجئين” تغيرت كثيرًا؟ ذلك أن القادمين من دول ما تسمى بالجنوب إلى ألمانيا، على سبيل المثال، يغيّرون ألمانيا أيضًا، مثل العديد من البلدان الأخرى في طور التغيير.
حسنًا، أنا لا أقترح أن تبقى الأشياء هكذا إلى الأبد، فالأشياء فعلا تتغير. من جهة أخرى، ماذا أو من تظن أنه سيتغير أكثر، ألمانيا أم اللاجئون؟ إذا افترضنا قدوم مليون لاجئ إلى ألمانيا؟ إذن هذه هي إجابتي على هذا السؤال: طبعا، إلى حد ما ستحدث فرقا. على سبيل المثال، قال رئيس الوزراء البريطاني إن شرط الدخول إلى أي ملاجئ في المستقبل هو الالتزام فورا بتعلم اللغة الإنجليزية. فبينما لا توجد مشكلة في ذلك، فإن وضعه كشرط يلزمهم أن يكونوا مثلنا عندما يأتون إلى هنا.
ما الذي يجعل الأدب العالمي مهمًا للمجتمع المعاصر في رأيك؟ هل تظن أن كتّاب الأدب العالمي بحاجة إلى أداء واجب معين؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف تعرّف هذا الواجب؟
لا أظن أنه تصنيف مقنع. في البداية، أود أن أناقش، ماذا نعني بذلك؟ هل تعني الأدب الإنجليزي والفرنسي والألماني، ربما يتضمن الأدب الفارسي والصيني القديم، أو أدب آخر قديم أو أنه يعني أي أدب في العالم؟ ما أهمية الأدب إجمالا في العالم؟ طبعا، الأدب العالمي في هذه الحالة مهم للجميع، فهم ينتجونه، يستهلكونه ويتعلمون منه.
أنا أعرف فقط أجزاء صغيرة جدًا من الأدب في العالم، لذلك لا أرغب في الإدلاء ببيان عام حول هذا الموضوع. لا أعرف شيئًا عن الأدب الصيني على سبيل المثال، وقد تكون هناك لغات لا أعرف حتى أنها موجودة لديها أدب خاص بها. لذلك، لا أظن أن عبارة الأدب العالمي مفيدة مثل “المال”، لأننا نستخدم المال كل يوم، فهو جزء من الحياة، بينما الأدب العالمي ليس كذلك. بالطبع يمكنك إخراج كتاب من الرف وأن تسأل: “ما رأيك في هذا؟” لكن الأدب العالمي لا يمكن أن يكون قابلا للمقارنة كما يبدو.
ما واجب “الأدب العالمي”؟
مرة أخرى يعتمد الأمر على ما تعنيه في الجملة، للسؤال بُعد أخلاقي أيضًا. دور الأدب في العالم هو التقدم في المجتمع، ولكن قد يختلف وفقا لمجتمع معين. قد يقول المرء أن الكتّاب بحاجة إلى تحدي الأفكار داخل المجتمع. يمكن أن يكون هذا التحدي لأفكار ضبابية، لأفكار العائلة أو الحق، والأخلاق الجنسية وما إلى ذلك. من جهة أخرى، قد يرى الناس ذلك أيضًا على أنه مزعزع للنظام وغير ضروري ومدمر. يمكن الحكم على دور الكتّاب فقط من خلال قرّائهم. إنه أمر صعب. تحتاج إلى ترك الأمر للكاتب قبل أن تتمكن من القيام بتقييماتك.
ما هدفك الشخصي عندما تكتب وتنشر رواياتك؟ هل لديك هدف خاص أم أنك فقط تضع في اعتبارك قصصك وعليك أن تحكيها حقًا؟
إذا قال أحدهم “الهدف”، فسيبدو ذلك نوعا من المباهاة. أود فقط الكتابة بأكبر قدر ممكن من الثقة دون محاولة أن أقول “شيئا نبيلا”. ومع ذلك، هناك أشياء معينة أشعر بالقلق تجاهها ومن ثم أريد استكشافها والكتابة عنها. لكني لا أستطيع القول أني أريد أن أكتب، على سبيل المثال، عن مكانة المرأة في العالم رغم أن هذا قد يكون أحد الأشياء التي تهمني. أحد الأمثلة على ذلك أنه إذا كتبت عن زواج أختي، فهذا لا يعني أن أخبرك حقًا بشيء عن أختي. مثال آخر ربما يكون أفضل لكيفية الكتابة عن شيء ما، روايتي “عبر البحر”؛ فقد بدأت بدوافع مختلفة، عندما بلغت حرب أفغانستان ذروتها في أواخر التسعينيات، وصلت طائرة إلى لندن تم اختطافها من قبل أحد الركاب. كانت رحلة داخلية، ربما من كابول إلى هِرات، لكن الخاطف جعلها تطير إلى لندن، وربما توقف للتزود بالوقود. في الأخبار التلفزيونية يمكن للمرء أن يرى الركاب، وهم لا يرتدون ملابس كما لو أنهم كانوا يخططون للسفر إلى أوروبا، بل يرتدون ملابس ربما لرؤية العائلة داخل بلدهم، والأطفال، والأسر، والأشخاص المختلفين. وقال الخاطف للسلطات إنهم يريدون اللجوء، حتى لو لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لهم. بعد يوم واحد، طلبوا جميعًا اللجوء وتبادر في نفسي سؤال عما يريده هذا الرجل العجوز حقًا. هل أدرك عما كان يسأل عنه؟ لقد كان اللجوء بالنسبة لي شيئًا خاصا بالشباب، للاجئين وعائلاتهم، ولكن ليس لكبار السن. بدأت أفكر في أسبابه، حول الأسباب العامة لمغادرة الوطن وطلب اللجوء، على الرغم من أنني طبعا كنت قد فكرت في ذلك بشكل عام من قبل. لكن في هذا السياق بشأن رجل عجوز طلب اللجوء، أردت أن أعرف أي نوع من اليأس سيكون ضروريًا، ما الذي يجعله يفعل ذلك. بعد يومين من ذلك، شاهدت برنامجًا وثائقيا على التلفزيون عن عمل ضابط الهجرة الذي كان يُلاحق بالكاميرا أثناء أداء عمله. يمكننا رؤية ضابط الهجرة يحقق مع مقدم الطلب، شخص ما كان قادمًا لطلب اللجوء، وقد أثار اهتمامي ما كان يفعله. يمكن أن يجعلك تفكر أكثر في الموضوع، ثم تصل إلى كتاب ولو لم تكن مهتما بالموضوع قبل ذلك، وحين يكون عقلك مركّزًا ويداك على المادة التي تبنيها تدريجيًا، ساعتها ستشرع بالكتابة أخيرا. حسنًا، أنا أقول بشكل أساسي أن هذا النوع من الأشياء يحدث في رواية “عبر البحر”. ثم يتراكم المزيد من التفاصيل في ذهنك. وربما يستغرق الأمر عاما آخر بالنسبة لي. في هذه الأثناء أنت تقوم بأشياء أخرى، تتغير هذه الأشياء وأنت تقوم بتدوين ملاحظة صغيرة هنا وهناك وتبدأ في الكتابة، ثم يأتي المزيد من التفاصيل ثم تأتي الأشياء تلقائيًا أيضًا. إذن أنت تكتب كما لو أنك تعمل. “آه، أستطيع أن أرى وجود صلة هنا بين هذا وذاك، فقط استحضر هذا …”، وتبدأ الأشياء في التطور بهذه الطريقة. هذه إجابة طويلة على سؤالك.
كم من الوقت استغرقت في رواية “عبر البحر”، إجمالًا؟ نعلم عن مشاغلك الأخرى بالطبع، لكن من أفكارك الأولى لتلك الرواية إلى نشرها فعليًا، ما هي مدة تلك الفترة؟
تم نشرها في عام 2001 … أعتقد أني أنهيت كتابتها في نهاية عام 1999. أود القول إن عملية الكتابة استغرقت حوالي العام أو نحو ذلك، ثم يمضي عام تقريبا حتى يقول الناشر، نعم، حسنًا، أريد هذا الكتاب وتوقع عقدًا معه، وحين يظهر بالفعل في المتاجر، إذا لم يكن عند الناشرين شيء يرغبون بتعديله ولا يحتاج إلى مزيد من المراجعة. لذلك، في حالة رواية “عبر البحر” فقد استغرقت عاما واحدا تقريبا، ولكن أحيانا قد يستغرق وقتًا أطول، خاصة بالنسبة لشخص مثلي يعيش في برايتون ويدرّس في كانتربري، إذ كنت أتنقل ذهابًا وإيابًا كل يوم، أكثر أو أقل. أظن أنه كان هناك يوم واحد تقريبًا لم أكن بحاجة للذهاب إلى العمل ولم أستطع العمل والكتابة في الوقت نفسه، خلال فترة الفصل الدراسي، لأنه لم يكن هناك ما يكفي من الطاقة للقيام بذلك. لذا كانت الكتابة بحاجة إلى انتظار المناسبة، إلا أن الكتابة نفسها لا تستغرق بالضرورة وقتًا طويلاً حينما تكون قد أنجزت الأشياء الأولية. يأخذ الأمر وقتًا أطول لتصبح جاهزًا، لتنظيم الأفكار في عقلك. بمجرد أن تصل إلى النقطة التي تكون فيها متأكدًا من قدرتك على البدء في الكتابة، من خلال تجربتي الشخصية، يستغرق الأمر عادةً عاما تقريبا وأكثر قليلًا، ثم تبدأ على أمل ألا يعود الناشر والمحرر إليك بالطلب في تغيير أجزاء من كتابتك، لأن ذلك قد يستغرق عامًا آخر وفقا لقدرتك في إيجاد الوقت للقيام بذلك، لو كانت لديك التزامات أخرى … قد يكون هناك العديد من الأشياء الأخرى التي لا يمكنك إيجاد أوقات لها أكثر من بضع ساعات فقط، الوقت الذي تحتاجه للعودة إلى هذا الشيء والبدء من جديد. يمكن أن تكون المراجعة عملية طويلة، وكذلك عملية الكتابة نفسها.
بينما تفكر في الأفكار التي تدور في ذهنك، ما الأدوار التي تلعبها الذاكرة ضمن العملية الإبداعية، أو ذاكرتك الشخصية، أو ربما أيضًا ذاكرة عائلتك، أو أي نوع من الذاكرة الجماعية؟
حسنًا، يتعلق الأمر بالذاكرة ولكن ليس بالضرورة بالذاكرة الموجودة في الشعور بتذكر الأشياء التي حدثت لي أو لأفراد عائلتي. أنا لا أظن أنني كتبت فعلا أي نوع من القصص التي تصوّر الحقيقة وفقًا لذاكرة معينة، ولكن قد تشير شذرات صغيرة إلى شيء ما حدث بالفعل لـقريب أو أي شخص أعرفه. في النهاية، القصة لا تصور الحقيقة، بل تفاصيل صغيرة لشيء جربته بالفعل أو سمعت عنه، وقد يرى المرء تشابهات، روابط، على الرغم من أن ذلك قد يعتمد على نوع القصة التي يكتبها المرء. إن قاصّا ملتزما بهياكل صارمة محددة مثل كاتب الروايات البوليسية، روايات درامية حيث لديك أشياء ضرورية ينبغي أن تحدث، قد يفعل ذلك بشكل مختلف عن الكاتب الذي لا يتبع هياكل صارمة معينة. لا يحدث كما لو كنت تعتقد أن “هذه قصة جميلة، سأستعمل تلك التقنية”، لكنك قد ترى تواصلا بأفكارك، شيئا ما قد يفسر شيئا آخر في عقلك أو يوسّع نطاق فهمك له وتمضي الأشياء قدما. المشكلة أنه خلال ذلك قد يحدث أن تفقد الإحساس بما حدث بالفعل أو فقط تخيلت أنه حدث، وأحيانًا تفكر في الأشياء كما لو حدثت لكنها في الحقيقة لم تحدث – لقد اختلقتها للتو، أو يخبرك الناس بتلك الأشياء التي حدثت وتخبرهم أنها لم تحدث لأنك قد غيّرت بالفعل ذاكرتك بشأنها. قد يكون ذلك مشابهًا للأحلام: إذا تخيلت شيئًا ما وأصبح حقيقيا بالنسبة لك، فلن يستطيع أحد أن يتحدى، بعد ست سنوات، أن الحقيقة خلاف ذلك. لقد نسيتَ القصة الحقيقية، وهذه هي الطريقة التي يعمل بها الخيال والذاكرة، الذاكرة مهمة جدًا، فهي تجعل الأشياء حقيقية، ولكن ليس بالطريقة التي تمنحك بها قصة كاملة يمكنك إدراجها في النص.
كيف تصف العلاقات الجنوبية – الجنوبية في الأدب؟
إن وصف العلاقات الجنوبية – الجنوبية في الأدب ليس شيئًا جديدًا. حين يقول أحدهم أن عملي يحوز على اهتمام سكان المحيط الهندي، على سبيل المثال، فهو بالفعل موضوع جنوبي جنوبي، فكرة ترابط التاريخ والثقافة في منطقة المحيط الهندي، فقد كنت أكتب عن هذا الموضوع في رواياتي منذ البداية ومؤخرًا في بعض أعمالي الأكاديمية. إنه شيء مستمر، معظمه من أجل أفكار لنا ككتاب عالميين غير متمركزين في الغرب، وإذ تبدو فجأة عبارة مفيدة لبعض الناس، إلا أنها في الحقيقة شيء كان سائدا لفترة طويلة.
أخيرًا – هل هناك شيء أو شخص أثّر في أسلوبك في الكتابة أو في اهتمامك بالكتابة الروائية على وجه الخصوص؟
لن أقولها بهذه الطريقة. قد لا يكون شيئا قلته بأني أردت فعل ذلك في عمر معين، لقد بلغت ببساطة سنًّا معينة وظننت في نفسي أن هذا شيء أود القيام به، كالذهاب إلى إنجلترا مع صعوبة الهجرة في تلك السن والانتقال من مكان إلى آخر. أن تكون مغتربا، أن تعيش أزمات للعثور على طريقك، وأن تحصل على منزل مهجور، مثل هذه الأشياء أثّرت علي. أنا لست مثل فرجينيا وولف، التي أدركت أنها ترغب أن تكون كاتبة منذ سن العاشرة. لقد وجدت نفسي أكتب الأشياء ذات يوم، كأشخاص عادةً ما يفعلون ذلك، ووجدت صفحات جديدة مبنية على هذه الأفكار ثم جاءت إلى النقطة التي فكرت فيها: ما هذا؟ ماذا أفعل بهذا؟ وها أنت تصل إلى الفرق بين تدوين الأشياء وكتابتها. أنا أكتب شيئا، ثم يتعين عليّ تنظيمه، لذا فهي أكثر من مجرد كتابة لأنك بحاجة إلى التحدث عنه من خلال جسدك. في مرحلة ما بدت كأنها رواية، قد تأتي على هذا النحو ، ومن ثم عليك محاولة تحسين الأشياء، وحين يلتزم المرء بذلك، فإنه يرى نفسه بلا مخرج، ويسعى أن يصبح أفضل ويحاول العثور على ناشر وهلم جرا … وبعد ذلك تكون كاتبا.