بعينين واسعتين ومدورتين أخرجت كل ما في رأسي على النافذة المثبتة وسط الصالة.. نافذة لامعة ونظيفة وكأنها دهنت للتو بماء زجاجي ناصع..
أوسد رأسي وسط النافذة.. أفتح عيني فيخرج منها العديد من الدوائر المتصلة…
لم أكن أتحملهم جميعا وهم يقرصونني بكل تلك التهم الساخنة.. ويركلونني بحواجبهم كما لو أنني حشرة ليلية..
أفكر أحيانا أن أوقفهم صفا واحدا وأبدأ فيهم صفعا حتى تزيغ اتجاهاتهم.. أو أن أمشي عاريا كي يفهموني أكثر.. وأفكر أن.. أهملهم.
كثيرا جدا ما كنت استعيد تلك الهمسات الخبيثة التي كانت تمتعض بها اثنتان في بقالة "صابر" هذه البقالة التي لم أرها يوما تخلو من قاذورات الشوارع.. ربما لأنها المكان الوحيد الذي يباع فيه عازل (منع الحمل) أو ربما لأنها كانت مجمعا للشواذ الخردة.. شواذ العاصمة وهم يتمخطرون
بمؤخراتهم المرتفعة وبناطيلهم التي تشبه أكياس النايلون. كيف تهتم الفتيات بهذا المسخ؟
.. وكلما تذكرت المشهد ازدادت حموضة بطني.. القاذورات تعرف بعضها.
تشتعل ذاكرتي بأكوام المشاهد.
وأنا حينما أتذكر ينتفخ رأسي.
وأنا تسرقني الذكرى، وتسحبني الى البعيد دائما.. فامتليء.
تمددت على الكرسي ووضعت رأسي على وسادة ورجلي على وسادة أخرى وفرشت جسمي بقدر ما أستطيع.
الآن أنا انتفخ واترهل.
أشعلت سيجارا.
لم تعد "المارلبورو" التي بدأت بها التدخين تعجبني لذلك اشتريت هذا النوع الذي لا أعرف اسمه الى الآن، والذي يشبه فيما أظن العصى التي كنا نتعلم بها الحساب، وبالمقابل فان القداحة التي سرقتها من طاولة زبون في أحد المقاهي أثناء ذهابه لدورة المياه والتي كانت تشبه أنف صبية تلازمني مع طقوسي الجديدة.
لأنفث كل ما تبقى هذه العلب رخيصة.. والغياب ذهب اللحظة.
أشعر الآن بجريان الحكاية.
ومع آخر سيجارة في العلبة أحس أن كل ذنوبي تغادرني فأغني "عالعصفورية" وأبتلع كل روائح المكان فألاسماء جديدة.. واحفظ نفسي في جيب السرير.
أنهض.. أفتح ذراعي بتوثب وأحضن الغرفة بأكملها.
أفتح الابريق الكهربائي برأسه المكسور وأبدأ في تحضير الشاي.
آه لم يتبق إلا الشاي لتكتمل نشرتي الليلية.. وأحلم بنساء أخريات.. وأبول على رأسي الفتاتين الممسوختين في تلك البقالة اللعينة. وسوف أتذكر.. واتنفخ.. واستلقي من جديد.
وسأنسى النافذة..
لم انتبه للشاي الا بعد أن خنقتني رائحة الحليب المحروق في أسفل الابريق..
خلف النافذة
بدرجتي بياض وبسرعة بديهته في مادة النحو ربما لحان علي منصور يكبرني.
بيني وبينه عيون قاسية، وأخرى بدفء صدر الأم. عيون الطلبة المتناثرين حولنا بنصف انتباه ونصف غياب.
حين أمسكت علي من دشداشته القصيرة ونحن نستعد لطابور الصباح كنت أدافع عن ركبتي المنحنية والتي ركلها هو بكل قوته.. وعلي هذا لا يمزح.
حين صار ذلك انقذف على جميع الفصول لكما وتقبيحا.. كما أنني في ذات اليوم كنت قد جردت نفسي من جميع ملابسي الداخلية ووقفت في الهواء الطلق وأنا أفشل في القاء قصيدة للمتنبي بإذاعة المدرسة.
النافذة
… ريثما غادر حرق الحليب الغرفة نفثت سيجارتين على صورة عارية لمارلين مونرو كنت قد قصصتها من أحدى المجلات الممنوعة وعلقتها على وجه السرير.
.. الآن.. أشعر أن بي رغبة للاسترخاء.
صدر مارلين يجلب لي العرق دائما.
.. ايه.. أنت.. مارلين.. غيبي.
مزقت الصورة ووضعت القصاصات باهمال على جانب السرير.
على أن أحضر نفسي للذهاب الى المقهى.. أو لاستلام بريد الدوريات.
– لماذا أحتفظ بهذه القصاصات.. هرستها وألقيت بها في السلة.
كنت أعتزم اغلاق النافذة.. لعنة الله على هذا الهواء..
مارلين لا تزال عارية. أخذت القصاصات من داخل السلة ووقفت بمحاذاة النافذة، أسحب القصاصات واستمتع بمنظرها في الهواء.
يا الهي انف مارلين مقصوم… هذا مضحك.
ما هذا الملتوي.
صدرك.. أرني نصفه. ما أروعك مارلين.
يروي المارة أن السجائر المتناثرة والقصاصات التي كانت تتوزع بشكل غير مفهوم أنه كان بجانبها جسد منتفخ ورائحة حريق.. وبقايا زجاج مكسور.
علي الصوافي (قاص من سلطنة عمان)