أغلق أحمد الباب ، ثم فتحه من جديد، أغلق النافذة التي نسيها مفتوحة ، أغلق الباب مرة أخري ثم خرج ، تدحرج على السلالم من الغرفة التي تقبع كشاهد القبر على سطح العمارة بالطابق العاشر، انفتح فمه كحفرة عميقة للتثاؤب .
فتح باب التاكسي ليحشو جسده بين كتلة الأجساد المتراصة ، أغلق الباب من جديد، فتح فمه دالا السائق على المكان لتخرج الكلمات مغلفة بالتثاؤب ، أغلق فمه المتثائب لينجو من عيون الركاب المفتوحة عليه ، فتح المحفظة معطيا السائق ريالا ليستقر نصفه الأخر يتيما في المحفظة ، فتح باب التاكسي ثم أغلقه .
فتح عينيه ليستدل على البناية ضمن صف طويل من البنايات ، يفتح التثاؤب فم أحمد غصبا مرة أخرى ، مشى الى البناية ، انفتح بابها الكهربائي، انحشر في جوفها لينغلق بابها من جديد ، استقبله الحارس المسلح بهراوة ، فتح له بابا ليبرز ممر طويل على جانبيه أبواب كثيرة لمكاتب أنيقة ، بدأ التثاؤب في الرحيل ، فتح أحد الأبواب ، فتح عينيه على امرأة تضع المكياج على وجهها الناعس ، أغمض عينيه مغلقا الباب ، فتح بابا أخر، رجل في وسط المكتب فتح قبضة يده مشيرا له بالجلوس ، انغلق الباب ، فتح الرجل ادر لجا ثم أغلقها ، يفتح أدراجا أخرى، وأحمد يحاول أن يجد الكلمات التي سيفتتح بها الحديث ، يفتح الرجل الأدراج ، أمسك من أحد الأدراج عدة ملفات ، يفتح ملفا ويغلق أخر، يغلق أحمد فمه من التثاؤب الذي حل فجأة ، انتقى الرجل ملفا وفتح عينيه على الأوراق ، ثمة بصاق يحاول أحمد أن يفتح فمه ليلقمه المزبلة ، لكن عيني الرجل المفتوحتين يسقيانه البصاق ، فتح الرجل قبضة يده مشيرا له بالخروج والانتظار، فتح الباب ثم أغلقه انتظر أحمد كثيرا، أمسك بجريدة ، فتح عينيا على العناوين ، فتح باب المفاوضات بين العرب واسرائيل ، الروس يفتحون النار على الشيشان ، غدا افتتاح موسم التنزيلات الكبرى، فجأة أغلق أحمد عينيه منتظرا أن يفتح الرجل الباب ، أبواب كثيرة تفتح وتفلق وأحمد يعد الأبواب التي فتحها هذا اليوم دون أن يفتح فمه بكلمة واحدة ، تذكر العيون التي تفتح وتفلق عليه وعمليات الفتح والغلق طوال اليوم .
فتح أحمد الباب فجأة قاطعا الانتظار، فتح الحارس ذو الهراوة له الباب ثم أغلقه ، انفتح الباب الكهربائي، انغلق وأحمد يخرج ، فتح باب التاكسي ثم أغلقه ، فتح فمه ليدل السائق على المكان ، حاول أن يتثاءب ولم يستطع ، فتح المحفظة لينقد السائق نصف الريال المتبقي، فتح باب التاكسي ثم أغلقه .
صعد السلالم الى الغرفة في سطح الطابق العاشر، فتح الباب ثم أغلقا، فتح النافذة المغلقة ، فتح عينيه على أبواب تفتح وتغلق من بعيد، أغلق عينيه ، خرج من النافذة دون أن تغلق هذه المرة .
انسابت بقايا القيلولة الى البالوعة بمعية الماء والصابون ، لمحت صورتي تطالعني من مرآة الحمام ، طير جريح في صحراء تترحم الموت ، انسحبت من الغرفة ممنيا رأسي بفنجان قهوة ، شبح صورتي مازال يطاردني، في المصعد رأيت صوري على مراياه الأربع تكاد تلتهمني هربت من مرآيا المصعد فاتحا باب العمارة حيث كانت صورتي على زجاج الباب .
حاولت في التاكسي أن أتذكر صورتي طفلا، قطعت صورتي في المرآة الجانبية للسيارة تلك المحاولة ، يممت وجهي للجانب الآخر، فإذا بصورتي في المرآة الجانبية تصفعني برؤيتها، صرخت مذعورا من تلك الصور والمرآيا متطلعا إلى صورتي في المرآة الأمامية للتاكسي.
تراشقت بي شوارع المدينة وأنا أبحث عن مقهى هادئ، وعبر بناياتها الزجاجية ومرآيا وأبواب محلاتها كان قطيع من صورتي يلهث خلفي ليحشرني في المقهى، القهوة المرة اندلقت الى جوفي لأفاجأ بصورتي في قعر الفنجان .
طردني كل شيء الى البحر حيث لا مرآيا ولا صور، كما أتمنى، أتت موجة تأرجحت عليها صورتي، موجة أخرى تنعكس عليها صورتي من جديد،حاولت أن أنظر للسماء فخفت أن أرى صورتي عليها.
نكست رأسي في الرمال بانتظار الليل كيلا أرى المرآيا والصور، وبين المدينة والبحر كنت متشظيا كزجاجة ملقية على قارعة الطريق بانتظار الليل .
ناصر المنجي (قاص من سلطنة عمان )