نظمت مؤسسة العويس الثقافية في أيار (مايو) 2015 ندوة بعنوان “الرسم بالكلمات” احتفاءً بالشاعر الراحل نزار قباني. وتقدمت في تلك الندوة بمداخلة عنوانها “لمن يغني الكناري” استقيته من قصيدة محمود درويش “نهار الثلاثاء والجو صافٍ” وقد دهش الحاضرون من مستمعين ومتحدثين في الندوة، خصوصاً من كان يشارك في نفس جلسة النقاش، عندما علموا بما كان خافياً في قصيدة محمود درويش هذه من علاقة حميمة برحيل نزار قباني. طبعاً لم يسمح الوقت للمزيد من التفاصيل حول حضور الشاعر الراحل نزار قباني في القصيدة المذكورة. وها أنا أبدأ مداخلة أخرى من حيث انتهت مداخلتي في الندوة لمزيد من التوضيح، وبعنوان أستقيه من قصيدة أخرى لمحمود درويش لها علاقة واضحة هذه المرة بنزار قباني (سآتي على التفاصيل لاحقاً).
قبل أن أقدم ترجمتي بالإنجليزية لديوان كزهر اللوز أو أبعد للنشر كرّمني محمود درويش بقراءة الترجمة كلمة كلمة، وقضينا ساعات طويلة في لقاءات متعددة في بيته في عمّان نتجاذب أطراف الحديث حول الترجمة. كنت أعلم سلفاً منه شخصياً أنه كان يؤثر قراءة أي ترجمة لأعماله قبل أن تظهر، ونزولاً على رغبته هذه تجرأت على المشروع. سألته عن إحدى قصائد الديوان “نهار الثلاثاء والجو صاف” بالنسبة لسياقها أو خلفيتها التي أشكلت علي. وفوجئت عندما علمت أن القصيدة قيلت في رثاء نزار قباني. ومن أغرب ما سمعت من محمود درويش أنه اقترح إضافة شيء ما للقصيدة لكي يخفف من غموض سياقها بقدر الإمكان. لكني استدركت الأمر وطلبت منه بشيء من الإلحاح، ألا يفعل ذلك مؤكداً له أن غيري من القراء ربما لا يجد فيها من الغموض ما وجدته أنا شخصياً، وذلك للمحافظة على أي عبث يمكن أن يلحق بالقصيدة من جراء أي إضافة، علاوة على أنه ليس من طبع محمود درويش أن يغير أو يبدل في نصه بعد أن يكون قد نشر على الملأ، بل كان من طبعه أيضاً أن يتلف مسودات التنقيح والإضافة التي يجريها على نصه، رغبة من جانبه في إخفائها عن الجمهور وربما حماية لنصه من تأويلات لا يرضى عنها لاحقاً.
عرضت القصيدة بعد ذلك على صديق شاعر وعلى ناقد معروف عرف محمود درويش أكثر من غيره، إذ كان قد التقى به في بيروت وعملا معاً هناك سنوات طويلة. لم تفصح القصيدة لهما عن أي هوية لسياقها الذي أماط محمود درويش اللثام عنه. لم يبق لدي إلا الاعتراف أن قناعاً يلف وجه الشخصية التي يتمحور حولها خطاب الرثاء نفسه الذي لا يخلو من الغموض أيضاً.
أي قراءة لقصيدة درويش “نهار الثلاثاء والجو صاف” تبين بوضوح أن لندن هي الموقع الذي تقع ضمنه مشاهد القصيدة وأن القصيدة بمجملها تشي بنوع من توتر يخيم على المتكلم الذي يحاول إسقاط حالته على ما تقع عليه عيناه وهو يمارس طقوس التجوال في المدينة الكبيرة أو لنقل وهو يدلف إلى متنزه صغير من بين المتنزهات التي لاحصر لها في قلب المدينة، متأملاً عاشقاً يجلس على مقعد خشبي في انتظار عشيقة أو غريباً في انتظار غريب يلتقي معه، بعيداً عن الزحام في المدينة. شعرت عند قراءتي الأولى للقصيدة أن المتكلم يذيع صوتاً يائساً يجوب شوارع المدينة ومتنزهاتها، بحثاً عن خلق معنى من خلال معادل موضوعي (مصطلح إليوت الشهير) يعلق عليه أحزانه في المنفى. تشكل لندن، ربما مثل بقية المدن الكبيرة في العالم، (الميتروبوليتان) ملاذاً للمنفيين من كل صوب، فهي إن صح التعبير، مدينة المنفى بامتياز، تحن على المنفي وتضن عليه في منفاه في آن، لأنها لا يمكن أن تكون ذلك المكان الذي يوفر الهدوء والسكينة والاستقرار الذي يرحل المنفي (أي منفي) عنه طوعاً أو قسراً عندما يجد نفسه يعيش في المدينة المنفى.
والمعروف أن لندن شكلت وما زالت تشكل المكان (milieu الإصطلاح الفرنسي الدقيق) الذي انطلق منه المتخيل عند مئات الشعراء والفنانين في أعمالهم. أليست لندن العمود الفقري الذي يحمل الأرض اليباب، قصيدة إليوت الخالدة! ألم ينطلق السرد الروائي من أول جملة في تحفة كونراد قلب الظلام من قلب لندن ومن على سفينة راسية في نهر التيمز (Nellie).
هل وجد محمود درويش نفسه يهيم على وجهه في مدينة الضباب في يوم صحت المدينة على جو انقشعت فيه غمة الغيوم مخلفة جواً صافياً تحتفل به المدينة لأنه لا يتكرر كثيراً بينما يحمل شاعرنا بين ضلوعه أسى رحيل الكناري الدمشقي وهو يفارق الحياة في أحد مستشفيات لندن، منتظراً الرحيل الأبدي إلى مسقط رأسه، دمشق. هذه مفارقة طبعاً، فعنوان القصيدة الذي يشي بهذه المفارقة ربما كان إحدى الإشارات التي اتكأ عليها محمود درويش لتكون قناعاً شفافاً يُستدل به على سياق القصيدة لاحقاً، علاوة على بعض الإشارات الأخرى في متن القصيدة لا بد وأن أعتمد محمود درويش على ما يمكن أن تقدمه مكوناتها من إيحاء نحو صاحب الشأن الذي يتمحور حوله الرثاء. وهذه أمثلة ترد في أماكن مختلفة من سياق القصيدة.
” يستعد لراحته الأبدية في ليل لندن”
” سر قلبين يلتجئان إلى بردى”
“ودعاه صديقي، وداعاً وسلم على الشام”
غير أن الإشارات هذه لم تحقق الدرجة الكافية من قدرتها على الإفصاح إذ ظلت القصيدة محتفظة ببناء شعوري محكم تضامن فيه إيحاء المنفى المكان مع مشاعر المتكلم في المنفى وأبقت على هوية الراحل حاضرة غائبة أو غائبة حاضرة. وهذا لا يضير القصيدة، فليس لزاماً على الشاعر أو قصيدته أن تبوح نثراً معلوماتينا على حساب بنيتها الشعرية التي لا تعبأ أصلاً بظاهر القول وذلك محافظة على باطن من شأنه إثراء المغزى المنشود. فإذا فشلت القصيدة في إظهار موضوعها للمتلقي فقد نجحت في جذبه إلى انشغاله بجمالية بنائها الفني الذي يتوقف تأثيره عند التعرف على ما يقدمه ظاهر البوح من معرفة عابرة لا تزيد قيمتها عن محاكاة معلومة غالباً ما تكون خارج بنية النص الجمالية. ذكر إدوارد سعيد في إحدى المقابلات تعليقاً على إعجابه الشديد بالروائي كونراد الذي ظل هاجسه طيلة حياته، قائلاً أن كونراد يأسرك بما يروي عليك دون أن يخبرك بما وراء سرده الروائي من معنى. ألا ينسحب هذا على شعر محمود درويش خصوصاً في مراحله المتقدمة التي كان الشاعر يسعى فيها إلى التوجه إلينا في شعره من خلف أقنعة مختلفة تقصي الاتصال بالمعنى السهل أو التعامل المباشر مع موضوع القصيدة.
لكن التساؤل الذي يرد حول ما تقدم من نقاش، والذي أثار دهشتي شخصياً هو تقبل محمود درويش بلانطباع الذي عبرت له عنه وهو أن “نهار الثلاثاء والجو صاف” تحجب هوية الشاعر الراحل الذي قيلت القصيدة في رثائه. كيف استجاب محمود درويش لذلك الانطباع بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما اقترح اضافة شيء ما للقصيدة من قبيل الإفصاح عن الأمر، خصوصاً وأن من يعرف محمود درويش يعلم جيداً أن مثل هذه الاستجابة لا تنسجم مع طبعه في الابتعاد عن ممارسة الزيادة والتنقيح على قصائده بعد أن تخرج إلى حيز الوجود!
في اعتقادي أن محمود درويش في استجابته المذكورة كان في حسابه أن يعطي أولوية خاصة لأن يصل التعبير عن مشاعره نحو شاعر قدره حق قدره إلى الجمهور، وأنه قدم للشاعر في رحيله ما استحقه منه شخصياً في حياته من قصيدة هيمن أحكامها الفني على الإفصاح عن هوية الموضوع الذي تتمحور حوله القصيدة.
وما يلفت النظر لاحقاً أن من بين القصائد التي عثر عليها أصدقاء محمود درويش في شقته في عمان بعد وفاته مباشرة قصيدة بعنوان “في بيت نزار قباني” وهي من بين القصائد التي جُمعت ونشرت في ديوان لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي (2009)، قدم له إلياس خوري بمقدمة مفصلة نشرت منفصلة عن الديوان (لسبب أو لآخر)، وهو الديوان الأخير للشاعر. لا تخفي القصيدة موضوعها وربما تكون أقل تعقيداً في بنيتها الفنية من القصيدة المذكورة “نهار الثلاثاء والجو صاف” فهي واضحة وصريحة في حميميتها. هل كتب نزار قباني هذه القصيدة عوضاً عن القصيدة السالفة الذكر وكأنها ملحق يشي بما خفي علينا معشر القراء أمثالي لمزيد من الإيضاح مشفوعاً برغبة خاصة في البوح عن مشاعره نحو شاعر طليعي؟
وبعد، لم يكتب نزار قباني قصيدتين ليقدم الواحدة على الأخرى، أو ليجعلنا نفعل ذلك، بل لأنه يؤمن أن الشعر متعدد الألوان والاتجاهات، وأن الشاعر متعدد الأصوات. فجماليات باطن القول في القصيدة لا تجب جماليات ظاهره، كل له خصوصية جمالية. وبالنسبة للقصيدتين المذكورتين هنا يمكن القول أن ما هو حاضر في الواحدة غائب في الأخرى وفي الوقت ذاته ما هو غائب في الواحدة حاضر في الأخرى، بمعنى أن روح التكامل تجمع بين القصيدتين من خلال بنيتين شعريتين مختلفتين. ولو أمعنا النظر في القصيدتين لتبين لنا أن محمود درويش يخاطب نفسه من خلال خطابه الرثائي لنزار قباني وكأنه يوحي لنا أن الشاعر الحق هو شاعر أصوات متعددة. وفي اعتقادي أن محمود درويش من أكثر الشعراء أو الأصدقاء أو النقاد الذين أنصفوا نزار قباني خصوصاً من خلال رفع الحصار عنه (نزار) كشاعر مرحلي استقبله العديد من النقاد على أنه شاعر الحرب على المجتمع العربي بعد حرب حزيران 1967 جب ذلك الشاعر الذي انشغل فيه بصورة المرأة قبل ذلك. وكأن محمود درويش هنا يريدنا أن نستذكر رؤية نزار قباني نفسه التي أفصح عنها في مناسبات مختلفة وهي “تعددت أصوات الشعر والشعر واحد!” وهذا ما أود توضيحه هنا إلحاقاً بما توحيه القصيدة المشكلة وما تقوله القصيدة اللاحقة تأكيداً على تعددية الأصوات عند نزار قباني.
* * *
يجمع الجمهور من نقاد وقراء على السواء أن تحول نزار قباني إلى السياسة بعد حرب حزيران من 1967 يعد محطة رئيسية في مسيرة الشاعر العريقة. ويشار إلى هذا التحول على أنه “نقلة نوعية” في هذه المسيرة. بل وكأن نزار قباني ولد من جديد عند جمهوره، أو كأن شعره السياسي جب ما قبله من شعر المرأة أو ما يشار إليه أحياناً على أنه شعر المراهقة. وفي أحسن الأحوال ينظر النقاد والقراء إليه على أنه عملية تطهير حلّت على الشاعر من خلال الزلزال الذي أحدثته تلك الحرب. هل في مثل هذا الاستقبال الذي يبدو في ظاهره ثناء يقصد به إنصاف للشاعر؟ بمعنى أن نزار قباني شاعر مرحلتين إحداهما طغت على الأخرى لتقدم للشاعر هوية مرحلة لاحقة فاقت شعبيتها الجديدة شعبية مرحلة ما قبلها، مكوناتها عالم المرأة التي ساهم الشاعر في إخراجها من قمقم المجتمع الذكوري؟
لم يرض نزار قباني عن تصنيفه شاعر مرحلتين: سابقة ولاحقة ويوضح موقفه من مثل هذا التوجه في قصتي مع الشعر إذ يقول “إنني أكتب عن المرأة وعن القضية العربية بحبر واحد… أصابعي هي هي. وصوتي هو هو. وأنا موجود في عيون الجميلات كما أنا موجود في فوهات البنادق…”.
أما ما لم يقله نزار قباني في حق نفسه فهو أن الشاعر، أي شاعر، لا يستطيع أن يهرب من واقع تاريخي محتوم يلح على من شهد وقيعة التاريخ أن يكون شاعرها وسجلَّها الفني، خصوصاً وأن الفنان يتعامل مع الواقع بأخلاقيات الفن التي يتشكل منها فنه أصلاً، والتي هي بوصلته أينما توجه. نستذكر هنا على سبيل المثال كيف أن بيرنارد شو طلب من دور العرض التي كانت تعرض مسرحياته في لندن أن توقف العرض قائلاً أنه لا يجوز أن تعرض مسرحياته الهزلية التي تثير الضحك عند الجمهور بينما تحصد الحرب (العالمية الثانية) أرواح أبناء الوطن. أما أودن الشاعر المعروف فقد صرح أن الشعراء هم من يحملون على عاتقهم التعامل مع واقع الحياة التي يعيشها المجتمع. هم سدنة التجربة المعاشة (The scribes of society) وقد استجاب أودن للثورة الإسبانية (حدث تاريخي هام في أوروبا) بقصيدته المشهورة 1939، سجل فيها نبض الثورة الشعبية على الظلم والفساد السياسي وكتبها والحرب العالمية الثانية تنتظر الانفجار. بمعنى أن أودن طالب الشاعر الا ينسحب من أزمات المجتمع الأوروبي في أواخر الثلاثينيات عندما كان ذلك المجتمع يعيش أزمات اقتصادية وسياسية خانقة كادت تعصف به.
ولا يفوتنا هنا أن نستذكر الشاعر إزرا باوند الذي كتب شعراً في السياسة لا حصر له، إذ لم يدع شخصية حاكمة مهمة تفلت من عقال شعره: من روزفلت إلى موسوليني الذي كان يرى في توجهه نحو منظور تقدمي آيديولوجي في الثقافة السياسية بارقة أمل في التوجه نحو إحقاق الحق والحرية. ومرثيته في شنق موسوليني تعد من عيون الشعر الإنجلوسكوني. كل هذا بعد أن أبدع في شعر الغزل في المرأة وشعر الحب الذي حذا فيه حذو التروبادوريين الشعراء الذين أعجب بهم، وقضى ما قضاه من وقت في صحبة صديقه إليوت يتمشى في مقاطعة بروفانس بجنوب فرنسا، حيث نشأ أولئك الشعراء وذلك بدافع أحياء ذاكرتهم في شعره. وعند النظر إلى ما كتبه عنه النقاد لا نجد اهتماماً يشير إلى انتقال الشاعر من مرحلة إلى أخرى، كعلامة مميزة لارتقائه السلم الشعري كما هي الحال عند نزار قباني. وهذا ما حصل تقريباً مع إليوت. فعندما كتب قصيدته المشهورة الأرض اليباب في بداية العشرينات من القرن الماضي كان قد خلف وراءه إرثاً غنائياً في تصوير المرأة لا يستهان به ويكفي أن نستذكر هنا قصيدته صورة سيدة و الفتاة الباكية.
وعند الحديث عن إليوت لا يشار إلى مرحلة مسيرته المختلفة على أنها نقلة نوعية من مرحلة إلى أخرى، بل يظل الشاعر محتفظاً بحقه في قيمه الشعرية التي يستمر حضورها وإن اختلفت من لون لآخر، ومن فترة تاريخية لأخرى. فالشاعر- أي شاعر يبدأ عادة بغنائية قريبة من ذاته الشعرية إلى ملحمية تجمع عادة بين الذاتية والموضوعية الخارجية وصولاً إلى درامية تصبح قناعاً لذات الشاعر، تلعب فيها اللغة دوراً رئيسياً، وكأن الشاعر يسلم الأمانة (وهو تصور افتراضي) إلى اللغة لتخاطبنا مباشرة، بينما الشاعر يقف خلف الستار، يقف مع الجمهور موقف المتفرج من اللغة التي تقدم شعره صوراً درامية تصنعها اللغة.
هذا ما حصل تقريباً مع نزار قباني عندما انتقل من غنائية المرأة إلى درامية السياسة مروراً بملحمية تتوسط بين الغنائية والدرامية إلى أن تحقق انتقالاً سلساً إلى الأخيرة.
تعبر هذه العملية في الدرجة الأولى عن حساسية الشاعر واستجابتها الموصولة في الظروف التي تلقي بثقلها على الشاعر وجمهوره، دون انتظار لمبرر من نوع أو آخر. والتحول الذي يتحدث عنه بعض النقاد، حتى لو كان إشادة بالشاعر نزار ينظر إليه الشاعر نفسه على أنه “خروج عن النص”، إن صح التعبير.
المشكلة هنا تكمن في الدرجة الأولى في ثقافة الهيمنة المعادية للمرأة (أكثر منها حرب حزيران) والتي وصفها جرامشي (بالهيجومني) وهي التي حاولت اختزال نزار قباني إلى سوسيولوجية الفن بدلاً من استطيقيته وهي التي أرست المنظور التقليدي إلى التباين بين المرأة والرجل، وبين أدب المرأة وأدب السياسة، وبين الأدب والسياسة، على أنها فعل تفاضلي وهذا، كما هو معروف، مخالف لما جاءت به الحداثة وما بعد الحداثة اللتان تؤكدان على أن التباين إشكالية معلقة في الزمكانية. وأنه من العبث البحث في هذه الإشكالية للوصول في النهاية إلى أحادية الموقف. فالإشكالية هنا تلح علينا التوجه نحو التعددية التي تحث على استقصاء مفاضلة طرف على حساب طرف آخر، وهذا ما يقع ضمن منظور نزار قباني في قصتي مع الشعر، التي أودع فيها نزار قباني عصارة فكره، وفلسفة الشعر والشاعر بكل وضوح.
وعندما نقيّم الفنان، شاعراً كان أو نقاداً من وجهة نظر التحول الذي تفرزه الظرفية، فإننا نخالف ما ينشده الفنان أصلاً من السعي وراء التعددية. فالمرأة في شعر نزار قباني ليست محوراً أحادي الجانب وهي ليست شهرزاد تغلق على نفسها الباب، بل هي جزء من حوار أزلي يقوم بينها وبين شهريار ضمن مظلة المجتمع العريضة التي تلقي بظلالها على الطرفين بكل ما فيها من تناقضات يحرك الحوار سكونها، ومن ثم يحرر المرأة من أغلال هذا السكون. بالمثل يمكننا أن نقول عن إدوارد سعيد (مع أنه أوفر حظاً بكثير من نزار قباني بسبب حضوره لدى جمهور غربي يساهم في صنع عالمية الناقد ويحرره من محلية الشاعر التي وجد نفسه أسيرها) إن تحوله إلى السياسة يأتي ضمن مظلة الثقافة العريضة التي يشكل الأدب جزءًا رئيسياً منها دون أن يكون هو الثقافة كلها. كذلك السياسة تشكل جزءاً من الثقافة دون أن تكون سوسيولوجية محضة. من هنا تصبح التعددية ثمرة من ثمار التلاقح بين الأدب (أو الفن) وبين السياسة دون أن يلغي طرف الطرف الآخر، بل يثريه من خلال حوار مستمر لا يقف عند حد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، وهو سؤال غير افتراضي وربما الإجابة عنه غير افتراضية أيضاً، يتعلق بموقف الشاعر الواضح من التصنيف الذي وضعه الجمهور فيه وهو أن يكون شاعراً مرحلياً يستجيب للحدث حتى لو كان جلجلة حرب حزيران. كيف يمكن لنا أن نوضح ما قاله في الاقتباس المذكور أعلاه وهو أنه “كتب شعر المرأة وشعر السياسة بنفس الحبر ونفس القلم…” ويبدو أن الإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى طرح سؤال مبدئي يتعلق بمحاولة التعرف على موقف الشاعر من المرأة تعرفاً يتخطى نمطية التكرار وذلك في محاولة لإعطاء الشاعر حقه بالنسبة لما أجاد به في شعر المرأة، كالقول أنه يتبنى حرية المرأة وناب عنها شعرياً في تثبيت حقوق ملكية جسدها لنفسها وأبعاد تسلط الطامعين في شرعية تلك الملكية. وفي أحسن الأحوال أعلن نزار قباني على الملأ أن المرأة ليست عورة وليست بحاجة إلى محرم يصونها من الإنجراف نحو الهاوية وأنها ليست من التابوهات التي يجب التغطية عليها من بلاء المجتمع، إلى آخر ذلك من أنواع الردع المفتعلة التي يذّكر الشاعر المجتمع بالحد من ممارستها على المرأة لتحصل على حريتها.
* * *
وتظل تجربة نزار قباني في شعر السياسة تجربة ثرية تقع في منظورها خارج ما يشاع عنها. فهي لم تنشأ من فراغ وهي ليست ردة فعل مفاجئة لحدث فاجأ الجميع، بل هي حضور الغائب من خلال اللغة التي تستحضر الغائب بإشارية لا تتطلب وجود المشار إليه كشيء محسوس في الحاضر. ولو أردنا استخدام المصطلح الذي نحته نزار قباني نفسه وهو “وجع الإيجاز” لقلنا أنها تقع ضمن بنية الشعور (structure of feeling)، مصطلح ريموند وليمز، الذي يجسم وجع الإيجاز عند الفنان وهو يرصد المشاعر الجمعية ليخرجها من مجرد ظلمات الوعي بها إلى نور الإفصاح عن ديموميتها لنتعرف على اللقاء بين ماضيها الحاضر وحاضرها الماضي في بنية لم تعرف التضامن من قبل بسبب الشرذمة التي كانت تعيشها قبل أن تلتقطها حساسية الشاعر وتجعل التعبير عنها أمراً مقضياً!
* * *
لو طلب من نزار قباني أن يقدم أعماله بكلمة إهداء لربما قال في شعره عن المرأة: إلى من خطف شهريار منها حقوق المواطنة، وفي شعره في السياسة إلى المواطنين الذين أضحت حقوقهم في المواطنة “حذوة حصان مسطحة” (نزار قباني في بداية قصيدة “الممثلين”). بمعنى أن شعر نزار قباني السابق منه واللاحق يتعامل مع موتيف المواطنة المسلوبة للمواطن امرأة كانت أم رجلاً وهذا ما يقصده نزار قباني من تصريحه أن شعره السابق واللاحق كتب بحبر واحد وبقلم واحد وربما نضيف بحساسية شاعر لا تقبل القسمة على اثنين ولا تصنيف المرحلتين.
وفي سياق مثل هذا أود أن أشير إلى قصيدة تقع في سفر مختارات اختارها الملحق الأدبي لصحيفة التايمز اللندنية من بين قصائد عديدة نشرت على صفحات الملحق عبر عقود مضت، والقصد من الملحق هو المزيد من التذكير بالأهمية الخاصة لتلك القصائد. عنوان القصيدة Alien. ولكثرة ما يوحي العنوان من ترجمات فإني أقدم هنا بعضاً من تلك الترجمات التي يمكن في مجموعها أن تؤدي الغرض. العنوان يعني الغريب، أو الغريبة عن الآخر، عن الوطن الذي يعيش فيه، عن تاريخ أمته وبنيتها الاجتماعية وفي أسوأ الأحوال فهو عنوان لقسم الهجرة والجوازات الذي يميز بين المواطنين الذين يعيشون في مكان ما والآخرين من غير أصحاب البلد الذين يعيشون لأسباب عدة جنباً إلى جنب مع مواطني المكان. ومن بين الترجمات التي توحيها هذه المفردة هي اللامنتمي. القصيدة لشاعرة معاصرة معروفة هي جليان أولنت (Gillian Allnutt) تستهل الشاعرة قصيدتها باقتباس من فيرجينيا وولف هو “كامرأة ليس لي وطن…” وهو اقتباس تسري روحه في بنية القصيدة من أولها إلى آخرها.
1 – تبدأ القصيدة بالقول أنا (وضمير المتكلم المفرد هنا يعود إلى امرأة تتقمص دور الرجل البطل) لم أرجع إلى الوطن في حياتي أبداً جريحاً عبر مرتفعات الصخور العالية البيضاء (تجعلها المياه المتدفقة في الميناء بهذا اللون) بميناء دوفر (الذي يمر به المدافعون من الرجال عن أرض إنجلترا عند عودتهم) وأنا جريحة وعلى عِلْم أنني سأَحْكُم- (تقضي التقاليد البريطانية أن يكافأ جرحى المعركة من الرجال طبعاً بعد عودتهم إلى أرض الوطن مقابل تضحياتهم خارجه)- رغم أن قلبي شيء من شظية، أردد في أسفل القارب الحربي عاشت إليزابيث وبريطانيا.
2 – لا أنا أمشي في هذه الشوارع المرصوفة بعظام الأعداء (الإشارة هنا لرجال الوطن الذين قضوا حتفهم في الدفاع عنه أو ربما لأعدائه: لا فرق) والنساء. أنا تابع لمعركة فخور بأبنائه الرجال النبلاء والشجعان في لباسهم قبعات الشرف.
3 – الذين يشيرون إلى شعرائنا العظام بعصيهم المصنوعة من خشب البلوط. أولئك (الرجال النبلاء والشجعان) لن يدفنوا قلبي في مقبرة وستمنستر (مقبرة العظماء) وهو ينشد الإله الرب والإله الابن والروح القدس، هذا الصباح أحرقت الخادمة رقائق الخبز المحمض.
4 – إليزا (الخادمة التي لا تملك الاسم كاملاً لتظل في طبقة دونية بالنسبة لاسم الملكة إليزابيث) تجلس أسفل الدرج لترثي غطاء السرير في إنجلترا الخضراء – هذه الأرض أرضي التي لم يواتيني الحظ في الرجوع إليها أبداً (لهذه اللحظة).
هذه قصيدة تستحق التأمل بل وأوصي كل من استطاع إلى الإنجليزية سبيلاً أن يقرأها باللغة التي كتبت بها أصلاً، ليتبين عمق ما يصل إليه “وجع الإيجاز” في اللغة. وهي في روحها نزارية الهوى إذ تتقاطع فيها الأحوال الاجتماعية مع السجل التاريخي والموقع الثقافي المهيمن على المجتمع، لتجسم مأساة التمييز الذي تعاني منه المرأة وذلك من خلال إشارات “وجع الإيجاز” التي تشير إلى حقوق المواطنة المغيبة وهي إشارات تبدو عابرة في ظاهرها، ولكنها عميقة كل العمق قي باطنها التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي، إذ أنها تعني أكثر بكثير ما تقول وهذا ما جعلني أضيف بعض التوضيحات إلى المتن بين أقواس مربعة علها تعين القارئ على المزيد من تأويل هذه الإشارات والتي هي في اعتقادي لا تغني عن قراءتها في لغتها الإصلية.
يكمن “وجع الإيجار” في المفارقة (irony) التي تشكل بنية القصيدة من أولها إلى آخرها فالجرح الذي يعود به المحارب إلى وطنه يعود في مكافأته على الرجل المحارب (حسب القانون البريطاني) بامتيازات لا حصر لها، إذ تعطى له الأولوية في فرص العمل والتعليم والتدرج في السلم الاجتماعي علاوة على التعويضات العينية. أما الجرح المجازي وهو أقوى في تأثيره من الجرح الفيزيائي الذي يصيب المرأة والتي تحقنه في قلبها الدامي فإنه يظل ماثلاً في حياة المرأة بدون مرجعية وهو أشبه بشك دون رصيد. ويمكن أن ندرجه تحت القول الشائع في ثقافتنا وهو ظلم ذوي القربى، أي ظلم الرجل الذي تعيش المرأة معه في وطن واحد دون مساواة في حقوق المواطنة. فالمرأة كما توحي القصيدة، محرومة من أن تكون شريكة في المجد الوطني ولا حتى في النشيد الوطني الذي يمجد الوطن وحاكمه (أو حاكمته). نشيدها المخصص لها نشيد مَن يظل قابعاً في أرض الوطن لينشد النشيد الديني في الكنيسة يوم الأحد. المرأة لا تملك حقوق المواطنة مثل الملكة إليزابيث، فهي (المرأة) تحمل اسماً مختزلاً (إليزا) ليدلل على أنها مواطنة من درجة أخرى تعنى برثي شراشف السرير وتحميص رقائق الخبز عند الفطور، أي أنها بعيدة كل البعد عن المجد الوطني الذي هو حكر على الرجل وتنتهي كما هو مشار أعلاه بصيحة توجز بعمق أقصى درجات الوجع الذي تعيشه المرأة نتيجة التمييز ضدها: هذه الأرض أرضي التي لم أرجع إليها. وهي صيحة تصلح أن تكون على لسان كل من أبعد قسراً عن وطنه ولم يسمح إليه بالعودة إليه فعلاً إن كان بعيداً عنه أو مجازاً إن كان ما زال يعيش فيه!
ماذا لو قرأ نزار قباني قصيدة Alien: غريب (أو غريبة)؟ هل سيحاول إعادة كتابتها ليطلع علينا بقصيدة من كتابته تيمناً بممارسة الحداثة وما بعد الحداثة التي تعتقد أن الشاعر أو الروائي يكتب ما يكتبه السلف، بمعنى أنه يعيد كتابة السلف بصياغة جديدة من عنده تتشكل عبر اللغة التي هي اداة التوصيل عند الجميع وفي جميع الأزمنة. هل سيكتب لنا قصيدة غريبة بأسلوب إنجليزي مثل ما فعل مع قصيدة “وجودية” التي تدور حول امرأة فرنسية وجودية التي جعل منها قصيدة عربية بأسلوب فرنسي؟ يعلق مصطفى الشكعة على قصيدة وجودية أن نزار قباني بدأ بصورة امرأة فرنسية وجودية وانتهى بقصيدة عن “الوجودية”. وهنا تتجلى موهبة نزار قباني في تحول سلس ميسّر من المحلية إلى الشمولية. وضمن هذا السياق يمكننا أن نتصور نزار قباني وهو يكتب قصيدة عن غريبة انجليزية لينتهي بقصيدة عن الاغتراب أو المنفى بشكل شمولي. وعلينا هنا أن نستذكر أن نزار قباني ينطلق في مهنته الكتابية شعراً أو نثراً من واقعية محلية صلبة يرى أنها هي المكون الرئيس لاستراتيجية الكتابة عنده، وإن الشمولية مهما بلغت من الرفعة شأناً فإنها لن تجب المحلية أو تلغيها. لهذا السبب يمكننا أن نتصور كيف أن نزار قباني يشعر أن الثقافة المحلية تقف عائقاً في سبيل تحرك ميسّر نحو الشمولية. ربما كان يسأل نفسه مراراً وتكراراً أن الثقافة العربية التي تصف المرأة بأنها عورة وأن حقوق ملكية جسدها ليست بيدها لا تهيئ له السبيل بعد ليصور المرأة العربية وهي تطالب بحقها المنقوص في مشاركة الرجل في أمجاد الوطن كما تصور لنا القصيدة المذكورة غريب (أو غريبة) أي أن المرأة الغربية تخطت أبجديات حقوق المرأة التي ما زالت المرأة العربية تتلمس المطالبة بها. فالمرأة الغربية غير مشغولة بحقوق ملكية جسدها التي لم يعد مجتمعها العربي يضن بها عليها، بل بقضايا أوسع أفقاً وأعمق عمقاً. هل يمكن على سبيل المثال أن نجد مثيلاً في المجتمع الغربي للشاعر العربي الذي يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار!
يعبر الشاعر العربي هنا تعبيراً صادقاً عن شعوره نحو الحبيبة وهو شعور تشكل من ثقافة عربية كانت في يوم من الأيام تئد المرأة، واستمر وأدها بعد ذلك مجازاً، على الأقل. كان نزار قباني على وعي بمثل هذه الثقافة التي أقل ما يقال فيها أنها ثقافة انفصام. من هنا جاء التزام نزار قباني بأبجدية حقوق المرأة التي لم تعد نسبياً في الحسبان في المجتمع الغربي. وفي اعتقادي أن هذا ما يجعل استقبال نزار قباني عند القارئ الغربي منقوصاً (بالنسبة لاستقبال مجايليه) لأن ذلك القارئ لم يعد يعبأ بتلك الأبجديات التي أصبحت بالية في مجتمعه، وأنه –القارئ الغربي- يحصر تقييم الشاعر من خلال تعامله مع اللغة البسيطة أو ما يسمى أحياناً اللغة الثالثة التي تتجلى في قصائده السياسية بعد عام 1967 وبعد أوسلو 1993. وهذا ما يقوله على سبيل المثال ديفد تريزليان: نزار قباني أجاد أكثر من غيره ليجعل لغة الشعر قريبة من اللغة الدارجة. بمعنى أننا لا نتوقع انتشاراً لشعر نزار قباني في الغرب من خلال شعره عن المرأة، لأن صورة المرأة فيه، كما أشرت أعلاه، لم تعد ذلك الهم عند الشاعر الغربي ولا المرأة الغربية ولا مجتمعها الذي تخطى تلك الأبجدية منذ زمن إلى قضايا أشمل وأعمق من مجرد قضية الجسد وملكيته. تلك القضايا التي ما زالت لكل أسف واقعاً معيشاً في المجتمع العربي لا يسهل القفز عنها إلا في حالة حدث جلل مثل حرب حزيران 1967، التي منحت الشاعر صوتاً جديداً امتدت فيه لغة الشعر من قلب الظلام الذي عاشت فيه المرأة خارج حدود المواطنة في مجتمعها إلى ظلامية الانكسار التي تكشفت للفرد العربي (رجلاً وامرأة طبعاً) بعد تلك الحرب. والنتيجة “هوامش على دفتر النكبة” و “متى يعلن العرب موتهم” وغيرها.
وعودة إلى قصيدتي محمود درويش وما بينهما نزار قباني. ليس المهم في هاتين القصيدتين التوصل إلى موضوع الرثاء ولا إلى غموضه في قصيدة سابقة ووضوحه في قصيدة لاحقة، بمعنى أن المضمون في حد ذاته لا يمكن أن يكون هدفاً رئيسياً في حد ذاته عند التعامل مع شعر محمود درويش. بل إن بيت القصيد في أي تقييم أو إعادة تقييم لمحمود درويش وإنجازه من أجل استيعاب ما ظهر من قوله وما خفي هو ما يتضمنه خطابه الشعري من تأويل يساعدنا على فهم المغزى الشمولي. تمثل القصيدتان تماهياً خاصاً بين محمود درويش ونزار قباني. ولو أردنا أن نقدم قراءة لهاتين القصيدتين من خلال منظور نزار قباني لقلنا أنهما يمثلان أو يتمثلان “وجع الإيجاز” بصورتين مختلفتين: في الأولى وجع الإيجاز الذي يكتنفه الغموض وفي الأخرى وجع الإيجاز الذي تعبر عنه اللغة التقشفية التي تبين لنا بكل وضوح سمت هذا التماهي وقد صنع إلياس خوري خيراً عندما اقتبس جزءاً من القصيدة ليكون ثبتا على غلاف الديوان: “لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي” يعبر بإيجاز عن العلاقة العضوية بين وجع الإيجاز من ناحية ووجع الرثاء من ناحية أخرى. نقرأ هذا الاقتباس ونشعر على الفور أن عبارة “لأحمل عنك الكلام” رديفة لعبارة “وجع الإيجاز” تعددت الأوجاع والوجع في نهاية المطاف واحد. وكذلك الشعر الذي هو وجع وهم في آن، وسيرورة مكانية لا حدود لفاعلية أصواتها المتعددة الأشكال حتى لو كانت تخص موضوعاً واحداً بعينه أو مواضيع متباينة أو فترات زمنية متباعدة.
وهذا هو الاقتباس المذكور الذي يعبر أبلغ تعبير عن التماهي بين شاعرين صديقين شريكين في وجع الإيجاز الشعري في الحياة والممات:
“قلت له حين متنا معاً،
وعلى حدة: أنت في حاجة لهواء دمشق!
فقال: سأقفز، بعد قليل، لأرقد في
حفرة من سماء دمشق. فقلتُ: انتظر
ريثما أتعافى، لأحمل عنك الكلام
الأخير، انتظرني ولا تذهب الآن، لا
تمتحني ولا تشكل الآس وحدك!
قال: انتظر أنت، عش أنت بعدي.
فلا بد من
شاعر ينتظر
فانتظرت! وأرجاتُ موتي” .
محمد شاهين *