مجلة ثقافية فصلية تصدر عن وزارة الإعلام
+968 24601608
بحث
مجلة نزوى مجلة نزوى
  • صفحة البداية
  • حول المجلة
    حول المجلة
    كلمة رئيس التحرير
    كلمة مدير التحرير
    فريق المجلة
  • أبواب المجلة
    افتتاحيات
    تشكيل
    حوارات
    دراسات
    شعر
    متابعات ورؤى
    مسرح
    نصوص
  • الأرشيف
    أرشيف مجلة نزوى
    أرشيف كتاب نزوى
    الأرشيف النصي
  • الاشتراك السنوي
اتصل بنا
إرسال مقال
سلطنة عمان, مسقط
تابعنا
مجلة نزوى
  • صفحة البداية
  • حول المجلة
    حول المجلة
    كلمة رئيس التحرير
    كلمة مدير التحرير
    فريق المجلة
  • أبواب المجلة
    افتتاحيات
    تشكيل
    حوارات
    دراسات
    شعر
    متابعات ورؤى
    مسرح
    نصوص
  • الأرشيف
    أرشيف مجلة نزوى
    أرشيف كتاب نزوى
    الأرشيف النصي
  • الاشتراك السنوي
اتصل بنا

Jaaz

  1. البداية
  2. منوعات
  3. Jaaz
nizwa nizwa
منوعات
1 أبريل,2006

  رجل الثلج يقف تحت شجرة التفاح العارية، على رأسه كوفية حمراء، وحول عنقه شال أخضر، مكان أنفه جزرة ذابلة، وبدل العينين حصاتان تلمعان، ذراعاه  غصنان يابسان يغطي نهايتهما قفازان من صوف، ولكن لم يكن له فم، فرسم له واحدا ثم قبَّله.

كانت تجلس قبالته على الطرف البعيد للطاولة، تمسك بين أصابعها قلم رصاص مخططاً بالأصفر والأسود لا تكفُّ عن اللعب به. بدت ضجرة من المحاضرة، منصرفة الانتباه عن المناقشات،غارقة تماما في حركة قلمها على الورق،  وحتى عندما قربت الفتاة الجالسة إلى جانبها رأسها، وبدا أنها همست بشيء في أذنها، لكنها لم ترفع رأسها ولا نظرت في وجهها، بل كتبت شيئاً على الورقة ومررته لها دون أن ترفع رأسها، وعادت للعب بقلمها على الورق. 

من مكانه لم يكن يستطيع أن يرى إلا  سواد عباءتها اللامع، وخصلة شعر تعاندها وتطل من تحت الشيلة الرقيقة التي تجعلها تسقط أحيانا ثم تعود وتضعها على رأسها دون أن تكلف نفسها عناء لفها  بإحكام، وهي تفعل كل ذلك دون أن ترفع رأسها  المنكَّس على الورق، فقضى بقية الأمسية في متابعة الخصلة العنيدة وحركة يدها العابثة بالقلم، وفجأة ألفى نفسه يتخيل: كيف سترد عليه إذا ما اقترب منها وألقى عليها التحية؟ وكيف سيكون ملمس كفها في كفه؟ وكيف سيشعر إذا ما منحته موعدا سريًّا وقُبلة؟

من نافذة الأستوديو الذي يسكنه في الطابق العاشر من البناية التي لا تبعد كثيرا عن محطة المترو الرئيسية، والتي تطل مباشرة على ساحة المدينة الصغيرة التي اختارها منفى له، وقف يراقب نُدَفَ الثلج المتساقطة في ذلك الصباح التشريني الأبيض، في يديه كأس نبيذ مسقطي.

الثلج يتساقط وراي تشارلز يعزف على البيانو مغمض العينين وأصابعه تتحسَّس عرق الموسيقى السوداء، ويغني Dont set me free.

الساحة أمامه تزداد بياضا، والجو في الداخل يزداد دفئا، وهو يلصق وجهه بزجاج النافذة العريض، ويتخيل بيوت مسقط المتراصة، شرفات البيوت، نوافذها المظلمة، ورطوبة أغسطس التي لم تكن تضايقه وهو مستلق على الرمل في الليالي التي تبعت رحيلها، منتظرا أن يغمره المد ويأخذه بعيدا.

أقصى القاعة كانت تقف مسندة جسدها إلى عمود من المرمر تتأمل الليل من خلال الباب الزجاجي المفضي إلى الشرفة، أصابع يدها اليمنى تضم الكوب كله في كفها، وتقرِّبه من شفتيها وهي شاردة تماما، وترشف جرعات صغيرة من السائل الساخن، ثم تدير طعم السائل في فمها وعيناها شبه مغمضتين. 

غطى الثلج الساحة الأمامية كلها، ومن البيوت والأزقة خرج الصغار في ملابسهم الشتوية التي تكسوهم قواماً دائرياً بعض الشيء. كان هذا المنظر يبهجه: الأطفال الذين يخرجون للعب بالثلج، الخطوات التي يخلفونها على الثلج، ضحكاتهم،  وصراخهم وهم يتلقون كرات الثلج، ويتقاذفونها، وهو يراقبهم من شرفة استوديو الطابق العاشر متكئا على برواز النافذة، وبخار أنفاسه يكوِّن بقعةً رطبة على زجاجها.

اقترب منها وقال العبارة التي جرَّبها ألف مرة وهو يخطو نحوها: «لكفيك نعومة إبطي حمامة». جفلت قليلا، ثم ابتسمت، وقالت له:«على الشاعر أن يكون أكثر جرأة».

«كانت تعرفه إذا، ربما لاحظت الفتاة الجالسة إلى جانبها نظراته المستغرقة فيها فهمست لها بأنه شاعر،وهي خربشت على الورق. ترى بماذا ردت عليها؟ هل تعمدت وقفتها النائية قرب باب الشرفة؟هل تدربت مثله على هذه العبارة؟».

فتح الباب الزجاجي وتقدمها إلى الشرفة وهي تبعته ببطء، وأسندت جسدها إلى الروشن، أصابعها  الخمس ما زالت معقودة حول فنجان القهوة الذي فاحت رائحته، واستطاع أنْ يرى أنَّ أصابعها العشر عارية إلا من خاتم صغير مزين بفص أزرق.

«كانت  طازجة، مثل خبز الرخال الذي تنتفه أمي من الطوبج وتلقمني إياه وأنا واقف عند الباب مستعجلا طريقي إلى المدرسة، مثل شوب زيتون تضوع حلاوته ويداي تحاولان قطفه ولا تطالاه فأرميه بالحصى، مثل سمكة تخرجها يدا أبي السمراء بعروقها النافرة من حبال الشبكة الخضراء وتلقي بها في إناء تضعه أمي على رأسها وتهرول صوب البيت لتعد مرق الغداء».

 «لم أعرفها طويلا لكنني عرفتها جيدا، أسبوع واحد فقط حكت لي فيه حكايتها بتفاصيلها الدقيقة. كانت تصلح لكتابة القصص، قلت لها ذلك، وقلت لها أيضا إن عليها أن تتخلى عن شرفتها المطلة على المدينة وتمشي في أزقة الحواري القديمة، إن عليها أن تشم وتتحسس وتسمع روائح الآخرين المفعمة بالحب والجوع والألم والمسرات الصغيرة. قلت لها أيضا إن على كفيها الناعمتين كإبطي حمامة أن تجربا صابون الغسيل، وماء البحر المالح، وأشعة الشمس، ووهج الرمال عند الظهيرة. قلت لها إن عليها أن تمارس شيئا حقيقيا قبل أن تمارس ترف إمساك القلم والخربشة به. قلت لها  متعمدا خدشها قليلا: حتى تكتبي قصة عليك أن تكوني بغيًّا».

فيما بعد سألوه عن الكلام الذي دار بينهما في الشرفة، فتشوا جيوبه بحثا عن بقايا الحب الذي كان يطعمه الحمامات التي وقفت على كتفها في إحدى قصائده، سألوه عن الدوائر التي رسمتها بقلم كحلها الأسود على الخارطة حول القدس، كيوتو، بيروت، إستانبول، مراكش، لندن، سان فرانسيسكو، باريس،المنامة، مدريد، دلهي، براغ، الدار البيضاء،الإسكندرية، شنغهاي، فيينا، لوزرن، تشناي، الخليل، كتماندو، القاهرة، دمشق، صنعاء، القاهرة.

سألوه عن خطوط الحظِّ والشباب والصحة والعمر في كفها التي شوهد يدرسها في المقهى المطل على البحر قبل اختفائها بليلة واحدة،عن رائحة عطرها الملتصقة بثيابه، عن لون ستائر غرفتها، ومشطها العاجي الذي وجدوه مدفونا تحت شجرة الليمون في حوش دارها، عن رائحة القرفة التي وجدوها في بقايا قهوتها ومعجون أسنانه.

«كانت تحب أغاني الجاز، تقول إنها تفضلها على موسيقى  البلوز الحزينة أكثر مما يجب، عرفتني على راي تشارلز، وعلمتني كيف أرقص على أنغامYou are my sun shine، وفي الليلة الأخيرة همست لي ورأسها على كتفي:I cant stop loving you  كان راي تشارلز يغنيها وهي تهمس بكلماتها في أذني:.I cant stop wanting yo حرارة أنفاسها وقربها الشديد كانا أكثر مما أحتمل. أنا رجل أعزل، عرفت ذلك وهي تمد يدها وتدعوني للرقص تاركة جسدها للإيقاع الغريب، وأنا أقف أمامها غير قادر على الحركة. أردت أن آخذها بين ذراعي، لكنها بدت بعيدة.. بعيدة جدا وهو يغني، لحظتها أحسست بكراهية شديدة لهذا المدعو راي تشارلز الذي لا أعرف عنه سوى أنه يثيرها بأغانيه، يثيرها، أكثر مما تستطيع يداي وشفتاي، بأغانيه الحزينة عن الحب والفقر والنساء الراحلات.. النساء البعيدات.. النساء اللاتي  لا يهجرن موسيقاهن ولا يتوقفن عن الرقص».

الثلج توقف عن التساقط والأطفال يزينون الساحة البيضاء بمعاطفهم الحمراء والخضراء والسوداء، ويصنعون رجل ثلج ممتلئاً يعطونه قبعة ليغطي بها رأسه، وشال صوف ليحمي رقبته من البرد.

وهو لا يتوقف عن الغناء:

Take these chains from my heart

and set me free

you broke hold and no

longer care for me

all my faith in you is gone

but hart aches will go on

Take these chains from my heart

and set me free

Take these tears off my eye

And let me see

the sweet spark of the love

that used to be

Take these chains from my heart

and set me free

 

سألوه  عن الكتب التي أعطاها إياها، وعن الأسطوانة التي تسلمها بعد أسبوع من اختفائها، عن بصماتها على أثاث شقته رغم أن أحدا لم يرها تدخل إليها، عن رائحة الفواكه التي تضوع من الصحون الخالية، عن حذائها الأسود الذي وجدوه ملطخا بالوحل في صندوق القمامة أسفل البناية التي يسكنها، عن خصلة من شعرها وجدوها محشورة بين أوراق ديوانه الأخير، عن قميصه الممزق عند الياقة، عن الأزرار الثلاثة المفقودة، عن اسمها المحفور على خشب طاولة الكتابة، عن الذبيحة التي فرَّق لحمَها على سكان العمارة بعد اختفائها بيوم واحد، عن السكين التي لم يجدوها في درج المطبخ. سألوه عن كل التفاصيل الصغيرة.

                                     I cant stop loving you 

   Ive made up my mind 

  To live in memories of your love all the time 

       I cant stop wanting you 

    It is useless to say 

 So Ill just live my life 

in dreams of yesterday 

Those happy hours 

That we once knew 

      not long ago 

      it still make me blue 

  They says that time heels a broken hart 

But time stands still 

 since we,ve been apart 

I cant stop loving you 

       I,ve made up my mind 

  To live in memories of your love all the time 

     I cant stop wanting you 

       It is useless to say 

     So Ill just live my life 

       In dreams of yesterday 

 

سألوه عن كل التفاصيل الدقيقة، لكنهم  لم يسألوه عنه، وهو ما زال يغني في استوديو الطابق العاشر وبين أصابعه كأس نبيذ مسقطي وجهه ملتصق بالنافذة، وحرارة أنفاسه تصنع بقعة بخار على زجاجها.
 

-
بحث
أقسام المجلة
استطلاعافتتاحياتالملفالملف العمانيتشكيلحواراتدراساتسينماشعركتاباتمتابعات ورؤىمحورمسرحمطباتمنوعاتندوةنصوص
جديد المقالات
  • تاريخ العلاقات الأدبية الأذربيجانية العربية عبَّروا عن الفكر العربي ونقلوه إلى اتجاهات فلسفية جديدة
    تاريخ العلاقات الأدبية الأذربيجانية العربية عبَّروا عن الفكر العربي ونقلوه إلى اتجاهات فلسفية جديدة
    -
  • الأدب الأذربيجاني في فترة الاستقلال انفتاح الشكل والمضمون و«الوعي القومي» أهم موضوعاته
    -
  • مختارات قصصية وشعرية من الأدب الأذري
    مختارات قصصية وشعرية من الأدب الأذري
    -
  • سليم باب الله أوغلو : علاقتنا بالثقافة العربية عميقة وتاريخية
    سليم باب الله أوغلو : علاقتنا بالثقافة العربية عميقة وتاريخية
    -
  • انبنت حياتها على الرغبة في الارتواء سيلفيا بلاث.. العنقاء رهينة الموت والانبعاث
    -
  • آلام السرد عند خوان غويتسولو مجموع رواياته مفاتيح مُرمِّمة لجروحه
    -
  • هادي العلوي وموجبات اشتراكيته العلمية إحياء الفكر الفلسفي الإسلامي بعيدًا عن الأدلجة
    -
  • تمثيلات المرجعيّ وشكل الخطاب: صورة المغرب الثقافي بعيون شعراء عرب
    -
  • الرّوافد الصّوفيّة في تأسيس الفضاء الدّلاليّ قراءة سيميائيَّة لقصيدة «يمحو ظلـَّه ليشفَّ كالمرآة» لشوقي بزيع
    -
  • المشروع المعرفي للناقد محمد مفتاح من نظرية للنصّ والتأويل النسقي إلى ارتياد المشترك الإنساني
    -
الوسم
#96 95 97 الذي السيرة الشعر العدد01 العدد02 العدد03 العدد04 العدد05 العدد06 العدد07 العدد08 العدد09 العدد10 العدد95 العدد96 العدد97 العدد109 العدد111 العدد112 العدد113 العربي العظم القصيدة الكتابة المتابعات_والروؤى بعد بين رواية سيف الرحبي طالب المعمري عُمان محور إيمانويل بوف ملف_آني_إرنو ملف_سعد البازعي ملف الشعر البوسني المعاصر ملف الغياب ملف سعاد الصباح ملف عبدالعزيز الفارسي ملف كورونا ملف مبارك العامري نزوى هدى حمد

Continue Reading

المقال السابق

مسقط عاصمة الثقافة العربية 2006 وضع حجر الأساس للمجمع الثقافي واقامة 8 مهرجانات و10 ندوات و4 معارض و3 ملتقيات

المقال التالي

كلمة العدد

Essentials Logo
Essentials Logo
Essentials Logo

أرشيف مجلة نزوى

يحتوي الأرشيف على جميع أعداد مجلة نزوى، الصادرة منذ عام 1994، بالإضافة إلى الكتب المرفقة معها، بصيغة تتيح خياري التصفح والتنزيل.

اضغط هنا لتصفح الأرشيف
Essentials Logo

ابقَ على اطلاع

الأرشـــيف
أرشيف مجلة نزوىأرشيف كتاب نزوىالأرشيف النصي
عن المجلة
كلمة رئيس التحريركلمة مدير التحريرفريق المجلة
حول نزوى
عدة سنوات مضت منذ صدور العدد الأول من مجلة نزوى في نوفمبر1994 وحتى هذه اللحظة مضت السنوات واتسعت دائرة علاقة المجلة ،

مجلة نزوى © جميع الحقوق محفوظة 1994-2022

Close
بحث

اضغط على Enter للبحث أو ESC للإغلاق