هنري كلايتون ويكهام
بعد أن نشر إيمانويل بوف روايته الأولى «أصدقائي»، في العام 1924 قورن بدستويفسكي وبروست. كتب جان بورتروت حول الرواية: «كل الألم في حياتنا، ذلك الألم الذي لا نلاحظه دائمًا أو الذي نحاول تجاهله، والذي ينتهي منتصرًا علينا، موجود في هذا الكتاب الهائل».
خلال حياته، حازت كتاباته على مديح كوليت ورينر ماريا ريلكه وصموئيل بيكيت، وأندريه جيد. ولكن عندما مات من الملاريا عام 1945 وهو في السابعة والأربعين، كان إيمانويل بوف قد تراجع عن الأضواء، ولم تحظ وفاته سوى بنعي تافه ضئيل.
حياة فيكتور باتون الراوي في رواية بوف الأولى، هي أيضًا مغمورة كذلك بالغموض. كل ما يريده فكتور هو صديق، والبحث عن واحد لهو أمر مضحك وحزين وإلى حد ما مذهل. يبعثر تقاعده من الجيش على القروض ويسير متسكعًا أمام حاجز الجسر فوق نهر السين متأملًا أن يثير شفقة أحد الغرباء في هذه المناسبة، فيتقدم نحوه مباشرة من هو أكثر إحباطًا، مما يدفع فيكتور إلى السير كالضفدعة نحو المياه المثلجة بحثًا عن ابنة رب عمله، ويفكر متأملًا حول محطات القطارات والساحات العامة إلى أن يعثر على من يستطيع مشاركته قصة حياته.
إنها لمزيج فريد من نوعه من الكبرياء، والأمل، والغرور والبراءة التي تقوده إلى الأمام.
«سأكون ممتنًا لأي أحد يظهر لي الصداقة»
يقول هذا في أول الرواية، «كل ما يتمنونه يجب أن يكون لي، يجب أن أتبعهم في كل مكان، مثل الكلب. أنا دائم اللطف. ولكن الناس الذين عرفتهم لم يقدروا هذه الحقيقة»، يبدو فيكتور في جزء كبير من الرواية يدور حول حافة الاعتماد على الآخر -«أنا شديد الحساسية وهذا كل ما في الأمر». ويقول عند نقطة ما فيما بعد: «أحيانًا أتساءل إن لم أكن مجنونًا»- ولكن هذا الشعور الشديد بالذات لا يمكن أن يعطي شعورًا بالثقة. كان يفترض أن جيرانه يضحكون عليه، أو أن نساء يعجبن به في الشارع، بينما هو يقدم مشاهد مؤلمة مما يلاحظه مثل، «يجب أن أكون شجاعًا بشكل كاف حتى أزور أناسًا سعداء»، أو «لا يتأمل الإنسان أن يترك انطباعًا جيدًا عن أناس لا يعرفهم». يعرف فيكتور متى يسأل إنسانًا غريبًا عن شغله في الشارع وهو يفعل هذا فقط لرغبة عنيفة في التواصل الإنساني. هو يعرف هذا بدرجة ما، يشتهي حزنه المرير ويستاء من الغرباء الذين يتدخلون في شؤونه. لأن هذا «مثل أي إنسان آخر» يسرق منه «حقه في التذمر والشكوى». مع ذلك، فهو يقبل وربما يعانق مراوغاته المعزولة. أصبح معتاداً عليهم مثل السكير الذي يتعود على إهانات شربه. بالرغم من الفقر الكئيب وفقدان الود، فإن «أصدقائي» هي سخرية لاذعة مما يوحي به عنوانها، مضحكة جدًا بشكل ما. فكاهة الكتاب تنبثق جزئيًا من غموض صوت فيكتور ومن تحسسه المرضي. وطبعًا فإن المواقف الغريبة التي يضع نفسه فيها بشكل دائم لا تؤذي حتمًا، مجابهات معينة منتظمة مع أصدقاء متوفرين، أحاديث ومناجاة داخلية حول كم هو سخيف أن يشعر الإنسان بالخجل عندما يسير في الشارع. حملات لجذب الأثرياء والواصلين، ملاحقات فاشلة لغايات علاقات حب: في بعض الأحيان مثل مادة المسلسلات الكوميدية. هنالك الكوميديا الجسدية، السفه المؤلم للوجود يضخم ليتحول إلى تأثير هزلي. ولكن «أصدقائي» في صميمها رواية حزينة إنسانية. تأخذ شخصا ما قد تبدو مشاكله مضحكة، وتحاول أن تجعل من هذا الضحك نفسه شيئًا مؤثرًا. تريدنا أن نبكي على فيكتور عبر ضحكنا، أو أن تجعلنا متعاطفين معه على الأقل.
ومع ذلك فيما تتقدم الرواية، يبدأ الواحد منا بالتساؤل: إلى أي مدى عدم صداقة فيكتور مفروضة عليه. ذلك أن استقلاله المعزول يبدو عزيزًا عليه كأي صديق من لحم ودم يمكن أن يكون. وبالرغم من أن فيكتور يحب أن يراه الناس بما في ذلك هو نفسه، يحب بشكل خاص أن يرى صورته مقلوبة في الثانية من مرآتين، فهو لا يبدو محبًا لصحبة الآخرين. على العكس من ذلك، فهو يغتاظ عندما يضطر للتواصل الاجتماعي، ويزعجه عدم قدرة الناس الآخرين على تقدير الحركات الشجاعة للصداقة. بينما هو دائمًا يصف صورته كصديق مخلص. ويعترف باستعداده «للتفاعل مع أي كان»، وهو بشكل مؤكد يخرب كل محاولاته نحو الصداقة، ويسكنه الشك بأن أحاسيسه الرفيعة غير متبادلة. وما يدعم موقفه بشكل حتمي كونه فقيرًا أخرق وخائفًا عاطفيًا وجسديًا بسبب الحرب العالمية الأولى. وبالرغم من أن وضع فيكتور كمحارب يذكر بشكل ضئيل في «أصدقائي»، فهو يؤمن مضمونًا مثيرًا غير مذكور لتوتره وعزلته. «التجمعات في الشوارع تثير أعصابي» يقول في الفصل الثاني: «وهذا لأنني أخاف أن أجد نفسي أمام جثة ما».
بالرغم من أن «أصدقائي» هي جزئيًا رواية عن أجراس الحرب النفسية، فهي أيضًا نظرة إلى الطبقية. موضوع جعل من عزلة فيكتور وفقره سببًا في جعله داهية، ويقول عن ابنة المحسن إليه: «لو كانت أعطتني دراهم لعرفت جيدًا أنه كان يتوجب عليَّ رفضها بكرامة. ومع ذلك فعليَّ أن أعترف أنها لو كانت فقيرة لكان حبي لها قد اختفى نهائيًا. أنا لا أفهم ذلك». وبعد أن فكر في ملاحظة قالها المحسن له وكانت قد أزعجته، قال: «الأغنياء ليسوا مثلنا. افترض أنهم لا يهتمون كثيرًا بالتفاصيل». إنها نظرة إجمالية يدعمها ما قاله فيكتور.
«أصدقائي» تتضمن وصفًا قاسيًا، وكأن فيكتور يتأمل أن الأشياء ستؤمن له الراحة التي أنكرها عليه المجتمع الإنساني. هناك حزن عميق من الكثافة والاهتمام لانتباهه.
عندما يقرأ الإنسان «أصدقائي» يشعر بشكل عميق أن شقة فيكتور الصغيرة الرطبة، أنبوب المدفأ المكسور المربوط بقطعة قماش، ثيابه وستائر نوافذه المكرمشة هم أصدقاؤه الوحيدون في العالم.